سمر كوكش...أثر الفراشة

24 ديسمبر 2014
دفعت سمر الثمن غالياً لتمسكها بإنسانيتها
+ الخط -
كتبت اسم صديقتي على محرك البحث غوغل، فتصدر عنوان وحيد عشرات المواقع الإلكترونية: "الحكم على الممثلة السورية سمر كوكش بالسجن 5 سنوات بتهمة تمويل الإرهاب"، وأكاد أجزم أنه لو قيض لي أن أقوم بهذه التجربة قبل اندلاع الثورة السورية، لحلقت عصافير وفراشات من الشبكة العنكبوتية بمجرد تدوين اسمها.

جمعتني بسمر صداقة عشر سنوات وأكثر، قضيت وإياها ما يقارب 30 ألف ساعة عمل، أعرفها كما يعرف المرء نفسه، ولا أبالغ إذا قلت: "إنها لا تجرؤ على سحق نملة بقدمها، فكيف تموّل الإرهاب؟".

سمر التي ما كان لأحد أن ينافس البراءة والطفولة في صوتها، لم تكن ظاهرة صوتية فحسب، وإنما نسخة طبق الأصل عن مئات الشخصيات الكرتونية التي أدتها، وأمتعت بها ملايين الأطفال، رقةً ومرحاً ومشاكسة.

مرّ حكم حبسها الجائر خفيفاً خفة المقتلة السورية، التي باتت لا تحتمل، فما الذي تعنيه خمس سنوات وراء القضبان ظلماً، وسط كل هذا؟ سوى أنها نقطة سوداء أخرى في بحر من الظلام. وبات السؤال حول السبب الذي أدى إلى اعتقالها قبل عام بطريقة قاسية أمام عيون بنتيها، مجرد زفرة في الهواء، نطلقها على عجل ونمضي لاهثين وراء أخبار كوارثنا التي لا تنتهي.

الإعلامي محمد الزيبق كشف على صفحته في فيسبوك بعضاً من تفاصيل الجريمة التي ارتكبتها سمر، فنشر صورة لطفلة صغيرة كشفت عن بطنها، ليظهر ندب لجرح طويل يبدأ من منتصف صدرها ويختفي في الأسفل تحت أطراف حفاضها، وعلق على الصورة: "الجريمة التي ارتكبتها الفنانة الرائعة سمر كوكش وأنا مطلع على تفاصيلها، كانت مساعدة هذه الطفلة في الخروج من حصار المعضمية، والمساعدة في إجراء جراحة عاجلة لها... نذرت سمر سنوات من عمرها لرسم البسمة على شفاه الأطفال من خلال عملها في "سبيس تون"، وليس غريباً على من يقتل الأطفال باسم محاربة الإرهاب أن يقبض على من يمدون لهم يد العون بتهمة الإرهاب".

إذاً فقد دفعت سمر ثمناً غالياً لتمسكها بإنسانيتها، وأمومتها ورسالتها، لإصرارها ألا ترث نكران والدها، المخرج التلفزيوني الشهير، علاء الدين كوكش، والذي ما فتئ حتى هذه اللحظة، مواظباً على الظهور على شاشات التلفزة السورية، التي سفكت من دماء السوريين قدر ما سفك نظامها، للحديث عن الدراما السورية وتمجيد أساطيرها وفصفصة إشكالياتها، وكأن السوريين ماعاد لهم في الحياة من همٍّ سوى هموم الدراما وما يدور في كواليسها، وكأن حياتهم تنقصها "الدراما" أصلاً، وقد صار كل شخص فيهم، مسلسلاً قائماً بحد ذاته.

قبل شهرين من الحكم الجائر، منحتني الصدفة فرصة مشاهدة أحد مقابلاته، فبقيت نحو ساعة، أبتلع ما يجود به الوالد من قيء، واستنفرت أحاسيسي عندما سأله المذيع، ما أكثر ما يشغل تفكيرك اليوم؟.. انتظرت أن يقول: "ابنتي سمر.. أن يصرخ مطالباً بالعدالة لها، مدفوعاً بغريزته الأبوية نحو ابنته، وحسّ الإنسان والفنان الفطري الرافض للظلم بحق أي إنسان آخر"، تماديت في خيالي فرأيت دمعاً يغبش نظارته، غير أن الضحكة التي انفجرت وسط كتلة الشعر الأبيض، أيقظتني. وعندما أجاب :"إنه يفكر بابنه تيم، وكم يخشى عليه ويهجس بحمايته"، بكيت لسببين:
الأول: أن سمر كانت ذات مرة، أمّاً لتيم، وأُمّاً لوالدها.
والثاني: أن لسمر ابنتين، إحداهن بعمر تيم... ولن تستطيع احتضانهما لخمس سنوات.
 
المساهمون