يتألف المعرض من عدة أقسام يوضح أحدها أهمية الكعبة في العالم الإسلامي ومصادر تاريخية عنها، وقسم لتاريخها في عصر ما قبل النبوة، وآخر لعمارتها، وقسم لمكانة الكعبة لدى المسلمين، وآخر عن الكعبة في عيون زائريها من غير المسلمين، الذين وصلوا إليها وكتبوا عنها على الرغم من أن دخولها ممنوع عليهم، إذ كانت مكة بمثابة "المدينة السرية" للعالم.
كما خصص المعرض الذي يستمر حتى نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر القادم، جداريات لعرض زينة الكعبة وكسوتها، وبعض الصور التي كان الحجاج يأخذونها للكعبة والحرم في رحلاتهم، ولشهادات الحج.
منسقة المجموعات الخاصة والمعارض في المكتبة الوطنية بالدوحة، مع آدا روميرو سانشيز، أو أديبة كما تسمي نفسها بالعربية، قالت خلال جولة لـ"العربي الجديد" بالمعرض: "أردنا أن نقدم صورة واضحة لكل الزوار من جميع الانتماءات الدينية عن قبلة المسلمين ووجهة الحجّاج القديمين من كل أنحاء العالم، فقطر تتميز بأنها تضم مجتمعات مختلفة، ومكتبتنا لا تود فقط عرض قطعنا الأثرية، بل تقديم رسالة معرفية تثقيفية".
يستقبل المعرض زواره بأقدم صورة التقطت للكعبة،عام 1888 للمصور كريستان سنوك، الذي أطلق على نفسه اسم عبد الغفار، وتظهر في الصورة المباني المحيطة بالكعبة على الطراز الحجازي القديم، وقلعة عمر، وجميعها لم تعد موجودة اليوم.
تقول أديبة: "سيلاحظ الزوار غنى المعلومات عن المعرض ومقتنياته العائدة للمكتبة التراثية، فالمتاحف في كل دول العالم، تقدم تعريفًا بسيطًا عن كل قطعة، إلا أننا نقدم سردًا تاريخيًا لتكون الزيارة تجربة فريدة".
وتتابع: "ومن المصادر التاريخية المعروضة، مخطوط (فتوح الحرمين) لمحي الدين اللاري، الذي زار الأماكن المقدسة فوصفها ورسم منمنمة لها، لتصبح أول دليل إرشادي لزيارة الحرمين، وشاعت في العالم الإسلامي نحو 400 عام. ونلاحظ في المنمنمة كيف تطور الحرم المكي".
تتلقف بعدها الزائر في خزانة تالية سورة "الفيل" في المصحف الأثري المخطوط لأحمد القرّة حصاري، من أبرز خطاطي الدولة العثمانية، ويكمن جماله بالألوان التي استخدمها في خطّ آياته، وتقول أديبة: "اخترناه لأنه مصدر مهم للمسلمين، وتروي الآية قصة محاولة أبرهة الحبشي هدم الكعبة، في العام نفسه الذي ولد به الرسول".
وتضيف: "لدينا أيضًا بعض الكتب المهمة، من بينها (الإعلام بأعلام بيت الله الحرام) لقطب الدين النهروالي، كاتب من القرن الـ 16 الميلادي، يتحدث فيه عن الكعبة في زمن آدم، وعلاقتها ببداية الكون، وعن نوح وإبراهيم وإسماعيل، والقبائل المختلفة في شبه الجزيرة العربية، وقريش، وصولًا إلى الرسول محمد".
وتتابع: "نعرض أيضًا هذا المخطوط الذي يتضمن شرحًا عن المعلقات، والذي يؤكد أهمية الكعبة قبل البعثة، إذ اعتاد الشعراء في عكاظ أن يجتمعوا كل عام في ملتقى شعري، يتبارون فيه، ويكون للفائز حظ تعليق قصيدته على جدار الكعبة، ولذلك سميت هذه القصائد بـ المعلقات".
وتصور منمنمة فارسية معروضة في الخزانة قصة قيس وليلى، وكيف طلبت أم قيس منه أن يذهب ويتوسل الله ليخفف معاناته، فنرى قيسًا متعلقًا بأستار الكعبة، التي نجد صورها في الكثير من القصص والروايات الشائعة، على الرغم من أنها كانت ترسم أحيانًا من الخيال، إلا أنّ هذا يعطي فكرة عن تخيلات الناس عنها.
الكعبة بعد فتح مكة
في اللحظة التي فتح بها المسلمون مكة صار للعالم الإسلامي دور في بناء الكعبة، تقول أديبة: "استخدمنا لسرد الحكاية هنا، مصادر مختلفة، من بينها سورة النصر في مصحف مخطوط لأبي الحسن بن الوزير، وتحتفي الآية بفتح مكة، وأيضًا كتاب "الدرّة المكللة في فتح مكة المشرفة المبجلة"، الذي يتضمن شرحًا تاريخيًا جميلًا عما حصل عند دخول الرسول مكة، وقراره هدم كل الأصنام، وكيف طلب من علي بن أبي طالب أن يهدم أكبر صنم فوق الكعبة، وكيف صعد على كتف الرسول ليهدمه، مما يشكل مرجعًا تاريخيًا أنّ طول الكعبة لم يكن شاهقًا كما هي اليوم.
وتضيف: "نحتفظ هنا بكيس المفتاح من آخر تجديد للحرم المكي في عهد الملك فهد، وكتبت عليه الآية التي نزلت يوم فتح مكة "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها"، ونمتلك أيضًا صورة التقطها كريستان سنوك عام 1888 لأحد أفراد عائلة بني شيبة، من الشرفاء في مكة، وما زالوا يحتفظون بالمفتاح ويتولون رعاية الكعبة، وسموا بـ "سدنة الكعبة".
مكانة الكعبة لدى المسلمين
من بين مقتنيات هذا القسم كتاب "دلائل الخيرات" للإمام الجزولي، وفيه أذكار ومنمنمات عن الأماكن المقدسة، ويكمن جمالها بأنّ من رسمها، رسم الكعبة من الداخل ومن فوق، وكأنه في طائرة من دون طيار. وأيضًا أدوات علمية وفلكية وبوصلات تشير إلى القبلة، يعود تاريخ أحدها إلى بداية القرن الـ 18 الميلادي.
عمارة الكعبة
تقول أديبة: خصصنا هذا القسم لبناء الكعبة، وبدأناه بالآية: "وإذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"، فهي المصدر الأول بالنسبة لنا عن بناء الكعبة، وكيف رفع إبراهيم وابنه إسماعيل القواعد من جديد. ونعرض كتابًا لأحمد المكي من القرن 17 الميلادي، ويذكر فيه كيفية بناء الكعبة في عصر إبراهيم، ويشير إلى بئر كانت داخل الكعبة توضع فيها الهدايا التي تقدم للمكان، إضافة إلى كتب لعمارة الكعبة تبين أنها لم تكن كما نراها اليوم، كان لها بابان، ولم يكن لها سقف في عصر من العصور ما قبل الإسلامية.
وتتابع: يوجد لدينا أيضًا كتاب من أقدم المطبوعات لرجل اسمه دومينغو باذيّا، وأطلقوا عليه اسم "علي بيه العثماني"، وله رسمة من عام 1814 لداخل الكعبة، وهي قطعة أثرية جدًا لأنها طباعة حجرية.
الكعبة بأقلام زوارها من غير المسلمين
تقول أديبة: "اخترنا آية "وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر يأتين من كل فجّ عميق"، لنوضح أنّ الإسلام يوحد الناس، ووضعنا العديد من الكتب التي تعود لأشخاص بعيدين عن مكة، من بينها رحلة فارتيما إلى الجزيرة العربية، والذي طبع عام 1655، وتوفي هذا الرجل الإيطالي الذي سمى نفسه "الحاج يونس" عام 1517، وتعتبر رحلته من أقدم الرحلات إلى مكة حيث زارها ووصفها ودوّن كل ما رآه في الحج.
وتتابع: "نعرض أيضًا كتابًا للمؤرخ ريتشارد بيرتون، الذي سمى نفسه "عبد الله الأفغاني" عندما حج، وتحدث فيه عن مكة والمدينة والعديد من البلدان الإسلامية، وتعتبر دراساته مهمة جدًا في معرفة طبائع الناس في مكة في زمنه. كما نعرض "ترجمة معاني القرآن الكريم" لجورج سايل، المنشور عام 1734، وتبين الصورة التي أصدرها في كتابه كيف كانت الكعبة في القرن الـ 18، شكلها، الأستار، والقبب التي لم تعد موجودة الآن، فهاتان القبتان كانتا للهدايا ولجرات ماء زمزم. وأيضًا كتاب "رحلتي لمكة" لجوليوس كونتلمونت، والذي مكث في مكة مدة طويلة ووصفها وصورها ورسمها، وتعلم اللغة العربية.
جداريات المعرض... قطع نادرة
حجز المنظمون للمعرض جدارية لعرض قطعة من أندر المقتنيات، آخر كسوة للكعبة من العصر العثماني، خطّها عبد الله الزهدي بالذهب، وصنعت بالقاهرة، إذ كانت الكسوة تصنع هناك من العصر الأيوبي إلى أوائل القرن الماضي، قبل أن تنتقل صناعتها إلى مكة. وكان الحرير يجلب من مكان والخيوط من مكان آخر، وينقش عليها اسم الخليفة أو السلطان الذي يحكم العالم الإسلامي.
وفي جدارية مقابلة، يعرض قميص على الطراز العثماني مصنوع من الأقمشة الداخلية للكعبة، والتي تأخذها بعض العائلات من العالم الإسلامي، ويحولونها لقمصان تبرّكًا بها، وصرة الحرمين، حيث كانت الأموال التي تأتي من الأوقاف المختلفة إلى مكة في العصر العثماني، لتغطية مناسك الحج وغيرها، وتسجل في وثيقة معروضة أيضًا تحمل أختام الأمراء والسلطان.
وتزين إحدى جداريات المعرض "شهادات الحج" وتشرحها لنا أديبة فتقول: "تعلو المكانة الاجتماعية للمسلم عندما يحج، لذا ابتكر العالم الإسلامي نهاية العصر المملوكي، وثيقة تسمى "شهادة الحاج"، يستلمها الحاج من إمام في الحرم أو في مسجد قريب منه، وتعتبر هذه الوثيقة مصدرًا مهمًا لمعرفة الناس الذين حجوا ومع من ذهبوا، وما زلنا حتى اليوم نرى هذه الوثائق في بيوت الحجاج".