بطانة ديانا كرزون... بين مدرستي صابرين ورانيا يوسف

28 يوليو 2019
بطانات وزوابع موسمية لقتل الملل (فيسبوك)
+ الخط -
لم تختر المغنية الأردنية ديانا كرزون حتى هذه اللحظة مواجهة زوبعة الفستان الذي ظهرت به ليلة الخميس الماضي في حفلتها خلال مهرجان جرش.

ولا فرق بين خميس 2019 وجمعة 2017، فهما ليلتان جرشيتان غنت فيهما كرزون أمام السبعة آلاف أنفسهم، بفستانين يتشابهان، لجهة الخامة التي تشفّ عما تحتها، وتبرق بأعداد هائلة من الخرز.

لكن، ليلة 2017 مضت من دون زوابع، حتى جاءت ليلة 2019، ليشتعل هشيم مواقع التواصل بنيران أبعد عمقاً من هشيم الفنانة المصرية رانيا يوسف.

فستان رانيا يوسف الذي ظهرت فيه خلال اليوم الختامي لمهرجان القاهرة السينمائي ديسمبر الماضي يفيد بأنه بلا بطانة، وهذا بحسب ثلاثة محامين تقدموا ببلاغات للنائب العام يعني "التحريض على الفسق والفجور".

أما فستان كرزون فهو أكثر "إثارة للجدل" (هذه العبارة التي حتى الآن لم يأت رئيس تحرير عربي ويمنعها بحد السيف). إنه فستان ذو بطانة، لا يمكن لأحد أن يزعم بأنه مثل فستان يوسف.

غير أن لون البطانة الذي يطلق عليه "اللحمي" هو لون شرق أوسطي (التسمية الاستعمارية الاختزالية) ليس هو اللحمي الإسكندنافي، ولا الصيني، ولا الأفريقي. هو لون يتواضع عليه، وتنزل صورته بالاتفاق الجمعي، فلا تكون سوى لحم تعاينه فوراً إذا نظرت إلى جسدك الشرق أوسطي في الحمّام.

هو الأمر ذاته حين لا يشير لون الوجنة المتوردة إلا إلى نوع واحد من التفاح. الوجنة التفاحية يوجد أصل لها في سوق الخضار. تفاح ليس بأخضر ولا أصفر.

تركت ديانا كرزون جمهورها يدفع بالأذرع الناعمة هجمات مليشيات التواصل الاجتماعي، بالقول إنها لم تسر على طريق رانيا يوسف، لكنها دخلت في طريق الشبهات، بما يفسح المجال للقراءة أكثر من فستان رصيفتها الفنانة المصرية.

ربما يكون هذا من حظ رانيا يوسف التي وجدت عام 2019 من يشيل عنها حمل فستانها، بعد أن بلغ التضييق عليها ما بلغ، حتى إنها من فرط ما تركه فستانها من أثر، دفعها للنبش مجدداً فيما يمكن أن يكون العباد نسوه، فذهبت برجليها إلى ميدان "تويتر" وقالت "فستاني خدش الحياء العام، ودعا للرذيلة وعمل فعلاً فاضحاً في الطريق العام، ثم بلاغ من ثلاث صفحات للنائب العام، لكن التحرش لا".

كانت بهذا توجّه لسعتها إلى المؤسسة الرسمية الرياضية في بلادها، بل إلى طائفة من مجتمعها، سامحت اللاعب المتحرّش عمرو وردة، مع أنه أخلاقياً وقانونياً لم تكن له أي بطانة تستر ذكوريته الفاحشة.

حال ديانا كرزون محط تبادل وجهات نظر، ولكمات محسوب عنفها. فستان له بطانة، وجد ممن تعاطفوا معها نقداً يفيد بأن الفنانة كان ينبغي أن تكون أكثر ذكاء، وأكثر دراية بتقاليد مجتمع عربي ينطبق عليه ما جاء في رواية "ليون الأفريقي" في وصف شخص على جنبه خنجر، لا تعرف إن كان سيذبح لك أم يذبحك.

انتقدت كرزون من قبل طائفة منتقدين "موضوعيين"، رأوا أنه كانت تنقصها النباهة وحسن التدبير، بل ذهب البعض إلى السؤال عن صديقاتها وأصدقائها الخلّص الذين يتحملون المسؤولية، إذ لم يمحضوها النصيحة بشأن بطانة لحمية، كذلك بشأن مليشيات تواصل، لا تعرف متى تنام ومتى تستيقظ.

هذه المليشيات غضّت الطرف في 2017، لأنها كانت منشغلة في قضايا مجتمعية ووطنية وقومية، وفي عام 2019 أقفلت كل الملفات، وبات لدينا في الأردن ولأول مرة منذ 1921 طالب يحصل في الثانوية على معدل 100%، وعليه لدينا الوقت الكافي لنعد الخرز في فستان ديانا كرزون خرزة خرزة، ونفحص منسوبنا الأخلاقي، ولياقة حراسه، ونؤكد أننا ما زلنا قادرين على الذود عن حياضه، وإراقة التغريدات حتى يسلم الشرف الرفيع من الأذى.

ربما تمضي الزوبعة، وليس لها غالباً إلا أن تمضي؟ كرزون تعي أن الزوابع الموسمية مرت على فستان رانيا يوسف وهو بلا بطانة، وسيمضي كذلك مع فستان ببطانة لحمية.

وليس من المتوقع أن تلجأ كرزون إلى فتوى شيخ دين، كما لجأت الممثلة المصرية صابرين قبل سنوات، لتبرير ظهورها بالباروكة، نيابة عن الحجاب.

مدرسة صابرين تفيد بألا مانع من ارتداء باروكة، تخفي تحتها الشعر الحقيقي. بل إنها تفننت في ارتداء الباروكات، في إحدى تخريجات التدين الشكلي، إذ يقول: خذوا ما تريدونه من النص الحرفي، واتركوا لي لعبة الباروكة الشرعية. تعاملوا من فضلكم بجدية. الضحك ممنوع والسماجة بلا أطناب.

المدرسة الصابرينية لن تفيد كرزون، إذا ما فكرت باللجوء إليها. فمحيط الرأس الذي تستهدفه باروكة الممثلة المصرية هو خمسون سنتمتراً، وفي حالة كرزون فإن البطانة اللحمية المستعارة التي تخفي تحتها اللحم الحقيقي مسألة وعرة، للفارق المثير الذي تلاحقه مليشيات الأخلاق، المؤمنة بحقها الشرعي في نظرة واحدة، بيد أنها نظرة غير خاطفة، إنما ممتدة يرافقها الفم الفاغر، ولعاب يسيل من العينين.

وعليه، فإن كرزون لن تحتاج إلى فتوى تمرر هذا اللحم القماشي المستعار، بل إلى صمت تام كأن شيئاً لم يكن. هناك كوارث عامة طامة تجرف الأرض والبشر، ولا أحد يسمع صيحة الطفل في حكاية هانس أندرسون "الإمبراطور عار... الإمبراطور عار"، بلا حتى بطانة ولا هم يحزنون.

المساهمون