صانع الأحلام: هل قلتم خيال علمي عربي؟
بدأت الحلقات الأولى من مسلسل "صانع الأحلام"، لمخرجه محمد عبد العزيز، ومن بطولة توليفة من الممثلين العرب من جنسيات مختلفة. نتعرف في المسلسل إلى سامي عمران، "العالم"، ووريث قدرة أبيه على تفسير الأحلام، الذي يحاول إيجاد صيغة علميّة للتحكم بالأحلام وزراعتها في الدماغ، مازجاً التقنيات العلميّة مع المتخيل الشعبيّ في التعامل مع عوالم الأحلام، ليواجه كوابيسه الذاتيّة وعصابتين تحاولان سرقة ما توصل إليه من أبحاث.
قال المخرج عبد العزيز في المؤتمر الصحافي الترويجيّ للمسلسل إن العمل يحوي مستويين: "الأول خيالي علمي، والثاني اجتماعي، وليس من السهل التوليف بينهما، لكنها عملية ممتعة". ما يهمنا في العمل المقتبس عن رواية لـ هاني نقشبندي، هو تقليد الخيالي العلمي نفسه أو "SI-Fi tradition"، بوصف الخيال العلميّ نوعاً فنياً وأدبياً، وليد شروط تاريخيّة، وثقافة جماهيريّة تجعله قادراً على الحضور، لا فقط في قطاعات الترفيه والصناعة الثقافيّة، بل أيضاً في المؤسسات الأكاديميّة.
السياق "العربي" الذي تحضر ضمنه أحداث المسلسل، يجعلنا نسأل عن طبيعة النوع الفني (الخيال العلميّ في هذه الحالة) وعلاقة الجمهور به، سواء كانت هذه العلاقة قائمة على التصديق، أو التماهي الجماليّ، أو حتى المشاهدة الساخرة، خصوصاً أن الخيال العلمي العربي ما زالت تجاربه متواضعة، وتقتصر على نصوص قليلة جداً، ناهيك عن مسلسلات وإنتاجات ضخمة موجهة لـ"الجماهير".
يفترِض النوع الفنيّ، ليكون مألوفاً أو قابلاً للتصديق على المستوى الجماليّ، سياقاً ثقافياً وسياسياً يظهر ضمنه، ويجعل الاحتمالات الجماليّة ضمنه جديّة أو يمكن التماهي معها؛ ليتحوّل، إثر التكرار والإنتاج، إلى تقليد يدركه المتلقي ويستطيع فك شيفراته وتبنّي احتمالاته؛ أي يمكن تصديق السياق الأميركي والأوروبي الذي تظهر ضمنه منتجات الخيال العلميّ، كونها وليدة الشرط العلميّ الذي أنتجه المجتمع والسلطة السياسيّة، بعكس السياق العربي، الذي لا يحوي "علماً" وصل إلى مرحلة تجاوز الشرط البشريّ (السايبورغ)، أو حتى تهديد وجود البشريّة (قنبلة ذرية).
لا نتحدث هنا عن حالة منفردة، أي لا ننفي وجود علماء عرب، لكن نسائل ثقافة العلم نفسها، والظاهرة العلميّة على المستوى الشعبيّ، بأبسط أشكالها؛ إذ لا يوجد جدل حول الاحتباس الحراري مثلاً في المنطقة العربيّة، ناهيك عن أن المتخيّل العلميّ يرى فينا ضحاياه الأوائل؛ أي أن العلم الذي يمكن أن يغير من طبيعة الشرط البشريّ ليس موجهاً "لنا"، نحن من في المنطقة العربيّة التي ما زالت تحكمنا ديكتاتوريات، ما يعني أن العلم ومنتجاته ليس ديمقراطيّا، وأثره "النوعيّ" كالتحكم بالأحلام، إن تم تحقيقه، لن يكون ضمن مجتمعاتنا.
نعم، هناك أبحاث تسائل طبيعة الحلم وعلاقته مع الوعي وإمكانيّة التحكم به، لكن هل فعلاً سيصدق أو يتماهى من يشاهد "صانع الأحلام" مع ما يراه وهو يعيش في جغرافيات تمنع نظام الجي بي أس، أو خدمة الإنترنت فيها بطيئة، بل حتى لا تعترف بالحمض النووي؟ ما مدى مس التكنولوجيا لتكويننا كبشر؟ ونحن في أدنى سلم الاستهلاك، ضمن دول تمنع تحسين الأجنّة، والتلاعب بالجينات. الظاهرة العلميّة حين تتحول إلى تهديد ترتبط ببنية الثقافة العامة لتتحول إلى أسطورة يمكن أن يصدقها الواحد منّا، أي ألا يبدو ساخراً يظن الواحد منا أنه "نيو" من الماتريكس وهو يعلم أن الإنترنت في بلاده مراقب، بل وهناك مواقع محجوبة ويعلم بدقة من حجبها؟
لا ننفي التهميش وغياب صورة المنطقة العربيّة في منتجات الخيال العلميّ التقليديّة، ولا ننفي أيضاً وجود مؤلفات عربيّة متماسكة في تقديمها للخيال العلمي ضمن شروط المنطقة، لكن هذا لا يعني أن تبني احتمالات العلم "الغربي" ستكون مقنعة، ونؤكد على غربيّ الذي يشمل روسيا حتى والشرق الأقصى؛ لأنه مرتبط بتقاليد المنطق والعلم الذي بدأ مع ديكارت، وانتهى مع جدل الذكاء الاصطناعيّ الذي يحذّر منه إيلون موسك.
نعم، "صانع الأحلام" خيال علمي، لكنه لا ينتمي لـ"مخيلتنا"، التي لا تحوي تقليداً تاريخيّاً بدأ منذ اختراع القطار وبقي مستمرّاً حتى تكنولوجيا النانو. هذا التقليد المنطقي العلميّ بالذات، نفى الأحلام بوصفها لا منطقية، ثم أعادها في بداية القرن إلى ساحة العلم، والتداخل بينهما كان تقليداً طبيّاً علمياً، سواء كان منطقياً أو لا، نفيت إثره الثقافة الشعبيّة والشعوذة المتعلقة بتفسيره، ليتحول إما إلى "علم"، أو مجرد تنبؤات نراها في أشكال الفن المختلفة التي لا تدّعي الجديّة.
ما زال الحلم في السياق العربي ذا صبغة دينيّة، مرتبطاً بالتأويلات الماورائية. وحتى تقليد تفسير الأحلام علمياً شديد الهشاشة، مع ذلك له ارتباط مع التطور العلميّ، وهذا ما نراه في حلم القطار الشهير الذي فسره فرويد، وعلاقته مع تاريخ السينما التي التقطت عدستها في البداية قطاراً يمشي. هذه التقاليد التي تؤسس للنوع الفنيّ لا وجود لها في المنطقة العربيّة التي لم تخترع قطاراً ولم تخترع سينما، بل استوردتها جاهزة. نعم هناك إقناع في ما يتعلق بتأويلات الحلم الشعبيّة والحكايات المرتبطة بها، لكن تلك التي يحضر فيها "العلم" لا تبدو مقنعة، وقد نتحول إثرها إلى مشاهدين ساخرين، لا نصدق ما نراه، بل فقط نتهكم عليه.
نعم.. يمكن لعالِم "عربي" أن يكون عبقرياً، لكن لا يوجد سياق ليعمل ضمنه في المنطقة العربيّة، فالسؤال المتخيل: "ماذا لو تمكنا من صناعة الأحلام والتحكم بها؟" لا يرتبط فقط بالمخيّلة، بل بشرط الإقناع، بأول عتبة تصديق تتلاشى بمجرد رؤية جغرافيات مدينة عربيّة مصطنعة، فائقة الجمال، تشبه حلماً مستورداً. وهنا لا نتحدث عن الأحلام التي يصورها المسلسل، بل تلك الأحداث التي من المفترض أن تكون واقعية، ويمكننا على الأقل تصديق احتمال حدوثها، كالمؤتمر الذي تشهده الحلقة الأولى.
اقــرأ أيضاً
نعم هناك الكثير من الانتقادات التي ستوجه لفكرة حرية الخيال والفن، ولا سطوة على أحد في ما يؤلف أو يصنع من متخيّل، لكن، في النهاية، هناك شرط للتلقي، وشرط تاريخي يظهر ضمنه العمل الفنيّ، ليكون الجمالي اختزالاً للتاريخيّ والسياسي، ومن هنا ينشأ شرط التصديق. نعم نصدق أن الروبوتات يمكن أن تأخذ أعمال الناس في أوروبا وأميركا واليابان، لكن ليس في سورية أو مصر أو تونس، حيث الناس لا تجد بالأصل أعمالاً لتصادرها الروبوتات.
قال المخرج عبد العزيز في المؤتمر الصحافي الترويجيّ للمسلسل إن العمل يحوي مستويين: "الأول خيالي علمي، والثاني اجتماعي، وليس من السهل التوليف بينهما، لكنها عملية ممتعة". ما يهمنا في العمل المقتبس عن رواية لـ هاني نقشبندي، هو تقليد الخيالي العلمي نفسه أو "SI-Fi tradition"، بوصف الخيال العلميّ نوعاً فنياً وأدبياً، وليد شروط تاريخيّة، وثقافة جماهيريّة تجعله قادراً على الحضور، لا فقط في قطاعات الترفيه والصناعة الثقافيّة، بل أيضاً في المؤسسات الأكاديميّة.
السياق "العربي" الذي تحضر ضمنه أحداث المسلسل، يجعلنا نسأل عن طبيعة النوع الفني (الخيال العلميّ في هذه الحالة) وعلاقة الجمهور به، سواء كانت هذه العلاقة قائمة على التصديق، أو التماهي الجماليّ، أو حتى المشاهدة الساخرة، خصوصاً أن الخيال العلمي العربي ما زالت تجاربه متواضعة، وتقتصر على نصوص قليلة جداً، ناهيك عن مسلسلات وإنتاجات ضخمة موجهة لـ"الجماهير".
يفترِض النوع الفنيّ، ليكون مألوفاً أو قابلاً للتصديق على المستوى الجماليّ، سياقاً ثقافياً وسياسياً يظهر ضمنه، ويجعل الاحتمالات الجماليّة ضمنه جديّة أو يمكن التماهي معها؛ ليتحوّل، إثر التكرار والإنتاج، إلى تقليد يدركه المتلقي ويستطيع فك شيفراته وتبنّي احتمالاته؛ أي يمكن تصديق السياق الأميركي والأوروبي الذي تظهر ضمنه منتجات الخيال العلميّ، كونها وليدة الشرط العلميّ الذي أنتجه المجتمع والسلطة السياسيّة، بعكس السياق العربي، الذي لا يحوي "علماً" وصل إلى مرحلة تجاوز الشرط البشريّ (السايبورغ)، أو حتى تهديد وجود البشريّة (قنبلة ذرية).
لا نتحدث هنا عن حالة منفردة، أي لا ننفي وجود علماء عرب، لكن نسائل ثقافة العلم نفسها، والظاهرة العلميّة على المستوى الشعبيّ، بأبسط أشكالها؛ إذ لا يوجد جدل حول الاحتباس الحراري مثلاً في المنطقة العربيّة، ناهيك عن أن المتخيّل العلميّ يرى فينا ضحاياه الأوائل؛ أي أن العلم الذي يمكن أن يغير من طبيعة الشرط البشريّ ليس موجهاً "لنا"، نحن من في المنطقة العربيّة التي ما زالت تحكمنا ديكتاتوريات، ما يعني أن العلم ومنتجاته ليس ديمقراطيّا، وأثره "النوعيّ" كالتحكم بالأحلام، إن تم تحقيقه، لن يكون ضمن مجتمعاتنا.
نعم، هناك أبحاث تسائل طبيعة الحلم وعلاقته مع الوعي وإمكانيّة التحكم به، لكن هل فعلاً سيصدق أو يتماهى من يشاهد "صانع الأحلام" مع ما يراه وهو يعيش في جغرافيات تمنع نظام الجي بي أس، أو خدمة الإنترنت فيها بطيئة، بل حتى لا تعترف بالحمض النووي؟ ما مدى مس التكنولوجيا لتكويننا كبشر؟ ونحن في أدنى سلم الاستهلاك، ضمن دول تمنع تحسين الأجنّة، والتلاعب بالجينات. الظاهرة العلميّة حين تتحول إلى تهديد ترتبط ببنية الثقافة العامة لتتحول إلى أسطورة يمكن أن يصدقها الواحد منّا، أي ألا يبدو ساخراً يظن الواحد منا أنه "نيو" من الماتريكس وهو يعلم أن الإنترنت في بلاده مراقب، بل وهناك مواقع محجوبة ويعلم بدقة من حجبها؟
لا ننفي التهميش وغياب صورة المنطقة العربيّة في منتجات الخيال العلميّ التقليديّة، ولا ننفي أيضاً وجود مؤلفات عربيّة متماسكة في تقديمها للخيال العلمي ضمن شروط المنطقة، لكن هذا لا يعني أن تبني احتمالات العلم "الغربي" ستكون مقنعة، ونؤكد على غربيّ الذي يشمل روسيا حتى والشرق الأقصى؛ لأنه مرتبط بتقاليد المنطق والعلم الذي بدأ مع ديكارت، وانتهى مع جدل الذكاء الاصطناعيّ الذي يحذّر منه إيلون موسك.
نعم، "صانع الأحلام" خيال علمي، لكنه لا ينتمي لـ"مخيلتنا"، التي لا تحوي تقليداً تاريخيّاً بدأ منذ اختراع القطار وبقي مستمرّاً حتى تكنولوجيا النانو. هذا التقليد المنطقي العلميّ بالذات، نفى الأحلام بوصفها لا منطقية، ثم أعادها في بداية القرن إلى ساحة العلم، والتداخل بينهما كان تقليداً طبيّاً علمياً، سواء كان منطقياً أو لا، نفيت إثره الثقافة الشعبيّة والشعوذة المتعلقة بتفسيره، ليتحول إما إلى "علم"، أو مجرد تنبؤات نراها في أشكال الفن المختلفة التي لا تدّعي الجديّة.
ما زال الحلم في السياق العربي ذا صبغة دينيّة، مرتبطاً بالتأويلات الماورائية. وحتى تقليد تفسير الأحلام علمياً شديد الهشاشة، مع ذلك له ارتباط مع التطور العلميّ، وهذا ما نراه في حلم القطار الشهير الذي فسره فرويد، وعلاقته مع تاريخ السينما التي التقطت عدستها في البداية قطاراً يمشي. هذه التقاليد التي تؤسس للنوع الفنيّ لا وجود لها في المنطقة العربيّة التي لم تخترع قطاراً ولم تخترع سينما، بل استوردتها جاهزة. نعم هناك إقناع في ما يتعلق بتأويلات الحلم الشعبيّة والحكايات المرتبطة بها، لكن تلك التي يحضر فيها "العلم" لا تبدو مقنعة، وقد نتحول إثرها إلى مشاهدين ساخرين، لا نصدق ما نراه، بل فقط نتهكم عليه.
نعم.. يمكن لعالِم "عربي" أن يكون عبقرياً، لكن لا يوجد سياق ليعمل ضمنه في المنطقة العربيّة، فالسؤال المتخيل: "ماذا لو تمكنا من صناعة الأحلام والتحكم بها؟" لا يرتبط فقط بالمخيّلة، بل بشرط الإقناع، بأول عتبة تصديق تتلاشى بمجرد رؤية جغرافيات مدينة عربيّة مصطنعة، فائقة الجمال، تشبه حلماً مستورداً. وهنا لا نتحدث عن الأحلام التي يصورها المسلسل، بل تلك الأحداث التي من المفترض أن تكون واقعية، ويمكننا على الأقل تصديق احتمال حدوثها، كالمؤتمر الذي تشهده الحلقة الأولى.
المساهمون
المزيد في منوعات