"روزنا"... ساعة تارانتينو بتوقيت حلب

08 يونيو 2018
صُنعت ساعة الطويل في حلب كرمز للأصالة والوطنية (فيسبوك)
+ الخط -
قبل أن يدخل إلى حلبة الملاكمة، يغمض بوتش كودليج (بروس ويلس)، عينيه ليستعيد بذاكرته حكاية الساعة الذهبية، الساعة التي تمثل الإرث الحربي العريق لعائلته وأجداده، وورثها عن أبيه الذي مات في السجن من دون أن يراه، ووصلت إليه بعدما مكثت لسنوات في مؤخرات الجنود الأسرى، الذين بذلوا كل التضحيات ليحافظوا على الساعة التي ترمز للتاريخ الذي يحمله كودليج على عاتقه.

التاريخ الذي يمنعه في نهاية المطاف من الاستمرار باتفاقه مع سماسرة المراهنات، فينازل بشرف وينتصر بمباراته الأخيرة، ويهرب بالأموال والانتصار، مضحياً ببيته وحياته الهادئة. لكن المقاتل يعود ليواجه العصابة بعدما وصل إلى بر الأمان ليستعيد الساعة الذهبية، إذ يرفض التخلي عن آخر ما تبقى من إرث والده وزمن عائلته الحربي المشرف.

هذه الحكاية الخيالية التي يتناولها المخرج الأميركي، كوينتين تارانتينو، بهزلية في فيلمه "بالب فيكشن" Pulp Fiction، تنم عن سخرية مضمرة بالحكايات الخيالية الرخيصة التي تستند إليها أفلام "الآكشن". الآن، يقوم كل من الكاتب السوري جورج عربجي والمخرج عارف الطويل بإعادة صياغتها في مسلسل "روزنا" الذي يعرض على أغلب القنوات السورية، بقالب مغاير، يغلب عليه طابع التباكي.



فالنسخة السورية من "الساعة الذهبية" تحاول أن تخترق جدران الواقعية لتندمج فيها، من دون إقناع. تقول الحكاية إن رجل أعمال حلبي يدعى وفا (بسام كوسا)، يخسر كل أملاكه بسبب الحرب التي اندلعت في حلب قبل أعوام، ولا يبقى لديه شيء يربطه بزمن حلب الجميل سوى ساعة أبيه.

وفي لحظة ضعف واستسلام للواقع، يبيع وفا الساعة بثمن بخس، لكن ابنته رزان (هبة زهرة)، أو كما يلقبونها في المسلسل، "رزة"، ترفض أن تتخلى عن آخر ما تبقى من إرث عائلتها، فتبيع نفسها وتعرض على جود (عامر علي)، أن يتزوجها مقابل استعادة الساعة.



يأتي ذلك بعد صراع درامي دام 18 حلقة، ما بين عائلة "جود" التي تنتمي للطبقة الحاكمة في سورية، وبين عائلة "رزان" التي تنتمي للشعب الذي قدم دماء أبنائه للحفاظ على الوطن؛ لتكون استعادة الساعة، التي ترمز لتاريخ حلب الجميل، كصورة رمزية تبين ضرورة التصالح ما بين أبناء الطبقة الحاكمة والطبقة الشعبية في وجه أعداء الشعب السوري الحقيقيين، أي "تجار الأزمة".

ورغم أن الساعة التي يملكها "وفا" تقتصر قيمتها على القيمة المعنوية، كونه ورثها عن أبيه، لكن سبق أن حاول أحد الأشخاص شراءها بثمانية آلاف دولار أميركي في وقتٍ مضى، وتمكن من بيعها بـ800 دولار في وقت "الزنقة"، واستعادتها "رزان" بـ12 ألف دولار! علماً أن الساعة لم تصنع من الذهب، ولا تحمل تلك القيمة التاريخية التي تحملها الساعة في Pulp Fiction، فلا يعود تاريخ تصنيعها إلى زمن الحرب العالمية الأولى، ولم تشهد على أهوال وحروب تجعلها قابلة لأن توضع بمتحف.

هي مجرد ساعة يد، كان يرتديها والد "وفا"، لم تصنعها "رولكس" أو "رادو"، فهي صنعت في حلب، لترمز إلى أصالة الزمن ووطنيته! فتدل هذه الأرقام أن واقعية عارف الطويل مغرقة بـ"الخيال الرخيص" الذي سخر منه تارانتينو بفيلمه قبل 24 عاماً.


المساهمون