لماذا لم تحترف سعاد حسني الغناء؟

26 يونيو 2019
قدّمت بعض الأغاني في مناسبات وطنية (فيسبوك)
+ الخط -
قبل أيام، حلّت الذكرى الـ18 لرحيل الفنانة المصرية سعاد حسني. 18 عاماً ولم يتوقّف الجدل حول الغموض الذي لفّ موتها. هنا، لن ندخل في تفاصيل حياتها أو مماتها، وهي تفاصيل تعاد كل عام في هذه المناسبة، بل سنطرح سؤالاً رافق حياة الفنانة المصرية الاستثنائية: لماذا لم تحترف سعاد حسني الغناء؟ 

وُلدت حسني في بيت يحبّ ويُقدّر الفن سنة 1943. شاركت وهي طفلة في برنامج "بابا شارو"، فغنّت أغنية "أنا سعاد أخت القمر". وبدت وقتها كأنها ستسير على خطوات شقيقتها الأكبر الفنانة نجاة، لتسلك طريق الغناء. لكن الفتاة المتمرّدة جذبتها السينما والتمثيل.

في تلك الفترة (النصف الثاني من الخمسينيات) كانت السينما تعتمد بشكل أساسي على الفنانة الشاملة، أي البطلة التي تستطيع أن تمثل، وتغنّي، وترقص، وتقدّم الكوميديا والتراجيديا.
بداية سعاد حسني الفعلية كانت عام 1958 في فيلم "حسن ونعيمة" (كتابة عبد الرحمن الخميسي، وإخراج هنري بركات) مع المغني الصاعد وقتها محرم فؤاد. ثم سنة 1961، قدّمت فيلم "هاء 3" مع رشدي أباظة، وماهر العطار، وطروب. الفيلم لم يحقق النجاح المطلوب، وبالتالي فشلت الأغاني التي قدمتها حسني في العمل. هذا السقوط الجماهيري الأول جعلها تعيد حساباتها وخياراتها، لتقرّر التركيز على التمثيل والابتعاد عن الغناء. وبالفعل، شهدت الستينيات طوفاناً لأفلام سعاد حسني، فصوّرت خلال ذلك العقد ما يقارب الـ50 فيلماً.

بعض هذه الأعمال نجح نجاحاً كبيراً وبعضها فشل، لكن بقي فيلم "صغيرة على الحب" علامة فارقةً في مسيرتها كممثلة، وأيضاً كمغنية. إذ كانت تجربتها الأولى الناجحة في عالم الغناء والاستعراض. في ذلك الشريط، قدمت حسني استعراضاً مبهراً، تمكّنت من خلاله أن تثبت أنها هي أيضاً "فنانة شاملة" وقادرة على تقديم كل الأدوار، كما أنها صاحبة صوت جيد. وهو ما أكده ملحن أغاني الفيلم، محمد الموجي، في حوار له مع مجلة "الشبكة" اللبنانية، وقت تحضير الفيلم. إذ قال إن "سعاد حسني مؤدية جيدة وستصبح مطربة سينمائية كبيرة". وبالفعل لم تتأخر "السندريلا" في تحقيق نجاح كبير كممثلة ومغنية استعراضية في أفلامها: "حكاية 3 بنات" و"حلوة وشقية"، و"التلميذ والأستاذ"، و"الزواج على الطريقة الحديثة"، و"حواء والقرد"، و"فتاة الاستعراض". هذه هي حصيلة أفلام الستينيات التي غنت فيها حسني.

اكتفت حسني بالغناء في الأعمال الفنية تحت اسم وشكل الشخصية التي تجسدها. طبعاً مع بعض الاستثناءات القليلة في مناسبات "وطنية" أو عامة، فغنّت "دولا مين"، و"ما أخذ بالقوة"، و"سيداتي آنساتي" في حفل اليوبيل الفضي للتلفزيون المصري سنة 1985، و'لحظة سجودي" التي لم تسجلها. وقد غنّت هذه الأغنية الأخيرة في رثاء أبيها الروحي، صلاح جاهين، الذي رحل سنة 1987.

لكن لماذا فضّلت التمثيل على الغناء؟ جمع بعض المقتطفات من مقابلاتها، يكشف أنها كانت طيلة سنواتها تهرب من حياتها الحقيقية. تحاول ارتداء شخصيات كثيرة، تتقمصها وتجسدها ببراعة، فكان الفصل بين أدائها الفني وشخصيتها الحقيقية في السينما أمرا ممكنا ومحببا بالنسبة لها. أما في الغناء، فإن هذا الفصل بدا أصعب بكثر. استمرّ هذا الهروب من شخصيتها الفنية وشخصيتها الحقيقية، إلى اليوم الذي بدأت فيه العمل مع الشاعر صلاح جاهين في السبعينيات. في تلك الفترة قدّمت حسني أنجح أفلامها وأنجح أغانيها، أي "خلي بالك من زوزو"، و"أميرة حبي أنا"، و"شفيقة ومتولي"، و"المتوحشة"، ومسلسل "هو وهي" مع أحمد زكي. استطاعت في هذه الإنتاجات أن تجد المساحة المشتركة بين شخصيتها وبين الشخصيات التي تقدمها، وهو ما جعل أغاني هذه الأفلام تحقق نجاحاً كبيراً لم تعرفه السينما المصرية. ولعلّ الخلطة السحرية لهذا النجاح، كانت كلمات جاهين التي لحّنها ملحنون مثل كمال الطويل، وسيد مكاوي، وإبراهيم رجب، وعمار الشريعي. هؤلاء قدموا صوت حسني بشكل مختلف كلياً عن فترة الستينيات، وحولوها من مؤدية استعراضية إلى مغنية حقيقية صاحبة رصيد كبير من الأغاني المصرية التي لا تزال ناجحة حتى اليوم.
المساهمون