افتتاح "البرليناله 2019": رسائل إنسانية

08 فبراير 2019
من "طيبة الغرباء" (الموقع الإلكتروني للمهرجان)
+ الخط -
مساء أمس الخميس، 7 فبراير/ شباط 2019، افتُتحت الدورة الـ69 لـ"مهرجان برلين السينمائي الدولي (برليناله)"، بعرض "طيبة الغرباء" للدنماركية لون شيرفيغ (1959)، المشارك أيضًا في المسابقة الرسمية. وكعادة الأعمال المختارة لافتتاح دورات سابقة للمهرجان نفسه، كان الروائي الـ10 هذا لشيرفيغ متوسط القيمة في جوانبه كلّها، إذْ لا يحمل جماليات لافتة للانتباه، رغم أنه ليس مملاً.

ليست شيرفيغ ضيفة جديدة على "البرليناله"، فمشاركتها هذا العام هي الرابعة لها. الأولى كانت مع فيلمها الأول "رحلة عيد الميلاد" (1990) في قسم "بانوراما"؛ والثانية كانت مع "الإيطالية للمبتدئين" المُشارك في المسابقة الرسمية في دورة عام 2001، وفازت عنه بجائزتي "الدبّ الفضي" للجنة التحكيم، والاتحاد الدولي للنقاد. أما الثالثة، فكانت مع "تعليم"، الذي حقّق نجاحًا كبيرًا آنذاك، فعُرض في قسم "العروض الخاصة" عام 2009.

سيناريو "طيبة الغرباء" الذي كتبته المخرجة نفسها، تدور أحداثه في نيويورك، ويروي حكايات أفراد يعيشون في تلك المدينة الأميركية، وتتقاطع مصائرهم، بناءً على أحداث تجمعها صدفٌ مختلفة. للمكان (أحد المطاعم النيويوركية) دور في لقاءاتهم، هم الذين يواجهون مصاعب حياتية مختلفة. ورغم ذلك لا يتوانون، عندما يلتقون، عن تقديم العون بعضهم لبعض، وإبداء تعاطف إنساني في ما بينهم.

الفيلم ذو رسالة مباشرة، يسهل تلقّيها والتفاعل معها. ورغم قسوة الحياة في عالم مليء بمشاكل كثيرة، وبصراعات وعنف وسطوة القيم المادّية، لا يزال هناك من يحتفظ بـ"آدميّته"، ولا يتردّد عن تقديم المساعدة عند الضرورة، ويفعل ذلك بحبّ وأريحية. أحيانًا، يكون الغرباء هم الأكثر إدراكًا وتفهمًا وعونًا ورحمة، مقارنة بالأهل أو الأقارب، أو حتى القانون. ذلك باختصار ما أرادت لون شيرفيغ قوله في "طيبة الغرباء".

كلارا (زوي كازان) المحور الأساسي للقصّة، التي تُفتتح بهربها مع طفليها من منزلها، تاركة زوجها ريتشارد (إسبن سميد)، ضابط الشرطة، الذي يتبيّن لاحقًا أنه عدواني للغاية، وأنه يمارس عدوانيته على طفليه أيضًا، اللذين باتا يكرهانه. لفترةٍ وجيزة، تتابع القصّة رحلة الفرار تلك، والصعوبات التي تواجهها كلارا، وخاصة أنها وطفليها لا يملكون مكانًا يُقيمون فيه، فينامون في السيارة التي سرقتها كلارا من زوجها. ومع عدم توفر النقود التي تكفي لشراء المأكل والمشرب، تسرق كلارا من المحالّ والمطاعم للحصول على ما يُشبع الطفلين أساسًا.

أحد الأماكن التي تردّدت عليها كلارا، كان مطعم "قصر الشتاء"، الذي تلتقي فيه الشخصيات الرئيسية الأخرى: مارك (طاهر رحيم)، سجين سابق يرغب في بدء حياة جديدة نادلًا في المطعم؛ وأليس (أندريا ريسبوروغ) ممرضة محبطة من حالات كثيرة تواجهها في المستشفى؛ وفي أوقات فراغها تشرف على جلسات للعلاج النفسي لباحثين عن التعارف والصداقة والرحمة، ولنسيان ما مرّوا به من مصاعب في حياتهم، والبدء من جديد. في هذه الجلسات، يُشارك مارك وصديقه المحامي المحبط مهنيًا.

مع تتابع الأحداث، ومن دون افتعال فجّ أو تكلّف زائد، تلتقي الشخصيات التي تملك قدرًا كبيرًا من الطيبة والإنسانية. ومن دون معرفة سابقة بين الجميع، يتعاضدون ويدعم بعضهم بعضًا، ويوفّرون لكلارا وطفليها مأوى وحماية، وخصوصًا بعدما عثر ريتشارد عليها، وطالبها بالعودة إلى المنزل لأنه يحبها ويفتقد طفليه. مع الوقت، تنمو مشاعر بين كلارا ومارك، الذي يطلب من صديقه المحامي مساعدتها على طلاقها، والاحتفاظ بحضانة الطفلين. وهذا ما يحدث فعليًا في النهاية، مع إلقاء القبض على ريتشارد، بتُهمٍ متعلّقة بسلوكه وممارساته.

لا يوجد في "طيبة الغرباء" ما هو غير مألوف في البناء الدرامي والتصوير والقصة والأحداث والشخصيات. صحيح أن السيناريو مكتوب بحرفية شديدة، والشخصيات ذات أبعاد إنسانية مرسومة بعمق، والأداء جيّد أو متوسّط الحال؛ لكن لا شيء أكثر من هذا، باستثناء أن الفيلم يخلو من الملل. فهو مشوّق وممتع في لحظات عديدة. ربما الطيبة البالغة هي ما تعيبه، مفسدة واقعيته كثيرًا، وجاعلة عالمه وشخصياته مثالية جدًا. لذا، لم يكن غريبًا أن تكون نهايته سعيدة، وأن يكون فيلم افتتاح "مهرجان برلين السينمائي"، الذي يحرص في الآونة الأخيرة على توجيه رسائل سياسية واجتماعية وإنسانية، وإنْ على حساب الفنيّ أو التجريبيّ.

المساهمون