ليس من قبيل المبالغة القول إن السينما المصرية لم تشهد عاماً مثل 2019 طوال تاريخها. ففي وقت من الارتباك السياسي والأزمات الاقتصادية المتتالية التي تلت تعويم الجنية المصري عام 2017 وتأثيره على الحياة اليومية للمواطنين بشكل مباشر، فإن القطاع الترفيهي المتعلق بالسينما يشهد ازدهاراً - رقمياً على الأقل - لا مثيل له. خمسة أفلام منذ بداية 2019 تجاوزت إيراداتها الـ60 مليون جنيه: "الفيل الأزرق 2" (97 مليون جنيه حتى الآن)، و"ولاد رزق 2" (89.5 مليوناً حتى الآن)، و"كازابلانكا" (79 مليوناً)، و"الممر" (74.3 مليوناً)، وأخيراً "نادي الرجال السري" (60.3 مليوناً)؛ لتحضر هذه الأفلام في الأماكن الستة الأولى في الأكثر إيراداً تاريخياً، مع عرض أربعة منها منذ مطلع الصيف فقط، واقتراب اثنين لا زالا في دور السينما، هما "الفيل الأزرق" و"ولاد رزق"، من كسر حاجز الـ100 مليون جنيه في شباك التذاكر للمرة الأولى خلال وقت قريب.
إلى جانب تلك الأفلام، فهناك أعمال أخرى حققت إيرادات عالية أيضاً، مثل "سبع البرمبة" من بطولة رامز جلال (35 مليون جنيه)، و"ليلة هنا وسرور" لمحمد عادل إمام (35 مليوناً)، و"خيال مآتة" الذي يعتبر فشلاً كبيراً لأحمد حلمي ولكنه جلب أيضاً 34 مليوناً، وحتى فيلم الرعب "122" الذي لم يقم ببطولته أي ممثل صف أول بالمقاييس الجماهيرية (فقد تشارك بطولته أحمد داود وطارق لطفي وأمينة خليل)، فقد جلب هو الآخر 24 مليون جنيه إيرادات. لتتجاوز مجمل عائدات السينما المصرية هذا العام حاجز النصف مليار دولار.
بالنظر فقط لتلك الأرقام، ستبدو الصورة وردية للغاية، وحتى مع مراعاة عوامل التضخم وارتفاع سعر تذاكر السينما بشكل يضاعف الإيرادات تلقائياً، فإن السينما في مصر تشهد ازدهاراً استثنائياً من دون شك، ولكن بنظرة مقربة يمكن فهم سؤال: هل هذا الانتعاش يفيد السينما فعلاً؟
هناك صفات مشتركة بين كل الأفلام الناجحة هذا العام؛ ليس فقط في أن بطلها نجم جماهيري (وهو أمر بديهي)، ولكن الأمر الآخر المهم أنها كلها - وبلا استثناء - تحاول محاكاة الضخامة الهوليوودية في إنتاج الأفلام، فيلم حركة ومغامرات مثل "كازابلانكا"؛ فيلم حربي يحاول أن يكون مبهراً مثل "الممر"، أو فيلم إثارة وغموض كـ"الفيل الأزرق"، وفيلم حركة آخر كـ"ولاد رزق". تبيع تلك الأفلام "الضخامة" كسلعة، بمنطق أننا نستطيع تنفيذ ما يحبه الجمهور في الأفلام الأميركية بممثلين مصريين ولهجة مصرية. وباستثناء مشاهد قليلة في "ولاد رزق"، أو طابع مصري كوميدي في "نادي الرجال السري"، فإن أياً منها لا يحاول البحث عن هوية تخصه بشكل أكبر، وهو أمر قد يكون مقبولاً في سياق شديد التجارية.
اقــرأ أيضاً
لكن المشكلة هنا أن هذا المزاج العام المحرك للإنتاج في مصر صار لا يعترف بغير تلك الضخامة؛ بدلاً من أن تنتج أربعة أفلام بميزانيات متوسطة الإنتاج وبتجارب ومخاطرات مختلفة، وإتاحة الفرصة لمخرجين وكتاب وممثلين جدد، فإن المنتج يفضل الآن أن يضع كل الميزانية في فيلم واحد ضخم يراهن فيه على المضمون: نجم - مخرج معروف - حركة وانفجارات - مشاهد بمؤثرات خاصة، إلى جانب أحد مؤشرات تلك الحالة، وهو حفنة من ضيوف الشرف العابرين الذين يظهرون بمشهد واحد أو اثنين على الأكثر، ويظهرون في العروض الدعائية للفيلم كنوع من الجذب التجاري، من دون مساحة حتى لممثلين شباب جدد لأخذ فرصتهم، فالمهم هو بيع السلعة الفنية للمتفرج بأكثر شكل جاذب في تلك اللحظة.
بناء على ذلك، فما يحدث هو انتعاش بلا شك، وهو ما تدلل عليه الأرقام بشكل غير مسبوق، ولكن النقطة هنا أنه قد لا يفيد السينما بشكل حقيقي في ظل قراءته مع رقم آخر عن أن الأفلام المصرية التي عرضت تجارياً حتى الآن بلغت 18 فيلماً فقط! ولم تشهد مخرجين أو كتاباً جدداً، ولم تشهد عرضاً لأي من أفلامها في مهرجانات العالم الكبرى، وبالتالي فالمعادلة الآن هي التضحية بالتنوّع والمواهب الجديدة والتجارب المختلفة في مقابل احتكار الأسماء الكبيرة تجارياً (مروان حامد وشريف عرفة وطارق العريان وبيتر ميمي مثلاً).
لصنع أفلام تحاكي هوليوود بنوعيات سينمائية محددة، لخلق سنة تاريخية دون جدال ولكن انتعاشها مربك.. وربما واهم.
إلى جانب تلك الأفلام، فهناك أعمال أخرى حققت إيرادات عالية أيضاً، مثل "سبع البرمبة" من بطولة رامز جلال (35 مليون جنيه)، و"ليلة هنا وسرور" لمحمد عادل إمام (35 مليوناً)، و"خيال مآتة" الذي يعتبر فشلاً كبيراً لأحمد حلمي ولكنه جلب أيضاً 34 مليوناً، وحتى فيلم الرعب "122" الذي لم يقم ببطولته أي ممثل صف أول بالمقاييس الجماهيرية (فقد تشارك بطولته أحمد داود وطارق لطفي وأمينة خليل)، فقد جلب هو الآخر 24 مليون جنيه إيرادات. لتتجاوز مجمل عائدات السينما المصرية هذا العام حاجز النصف مليار دولار.
بالنظر فقط لتلك الأرقام، ستبدو الصورة وردية للغاية، وحتى مع مراعاة عوامل التضخم وارتفاع سعر تذاكر السينما بشكل يضاعف الإيرادات تلقائياً، فإن السينما في مصر تشهد ازدهاراً استثنائياً من دون شك، ولكن بنظرة مقربة يمكن فهم سؤال: هل هذا الانتعاش يفيد السينما فعلاً؟
هناك صفات مشتركة بين كل الأفلام الناجحة هذا العام؛ ليس فقط في أن بطلها نجم جماهيري (وهو أمر بديهي)، ولكن الأمر الآخر المهم أنها كلها - وبلا استثناء - تحاول محاكاة الضخامة الهوليوودية في إنتاج الأفلام، فيلم حركة ومغامرات مثل "كازابلانكا"؛ فيلم حربي يحاول أن يكون مبهراً مثل "الممر"، أو فيلم إثارة وغموض كـ"الفيل الأزرق"، وفيلم حركة آخر كـ"ولاد رزق". تبيع تلك الأفلام "الضخامة" كسلعة، بمنطق أننا نستطيع تنفيذ ما يحبه الجمهور في الأفلام الأميركية بممثلين مصريين ولهجة مصرية. وباستثناء مشاهد قليلة في "ولاد رزق"، أو طابع مصري كوميدي في "نادي الرجال السري"، فإن أياً منها لا يحاول البحث عن هوية تخصه بشكل أكبر، وهو أمر قد يكون مقبولاً في سياق شديد التجارية.
لكن المشكلة هنا أن هذا المزاج العام المحرك للإنتاج في مصر صار لا يعترف بغير تلك الضخامة؛ بدلاً من أن تنتج أربعة أفلام بميزانيات متوسطة الإنتاج وبتجارب ومخاطرات مختلفة، وإتاحة الفرصة لمخرجين وكتاب وممثلين جدد، فإن المنتج يفضل الآن أن يضع كل الميزانية في فيلم واحد ضخم يراهن فيه على المضمون: نجم - مخرج معروف - حركة وانفجارات - مشاهد بمؤثرات خاصة، إلى جانب أحد مؤشرات تلك الحالة، وهو حفنة من ضيوف الشرف العابرين الذين يظهرون بمشهد واحد أو اثنين على الأكثر، ويظهرون في العروض الدعائية للفيلم كنوع من الجذب التجاري، من دون مساحة حتى لممثلين شباب جدد لأخذ فرصتهم، فالمهم هو بيع السلعة الفنية للمتفرج بأكثر شكل جاذب في تلك اللحظة.
بناء على ذلك، فما يحدث هو انتعاش بلا شك، وهو ما تدلل عليه الأرقام بشكل غير مسبوق، ولكن النقطة هنا أنه قد لا يفيد السينما بشكل حقيقي في ظل قراءته مع رقم آخر عن أن الأفلام المصرية التي عرضت تجارياً حتى الآن بلغت 18 فيلماً فقط! ولم تشهد مخرجين أو كتاباً جدداً، ولم تشهد عرضاً لأي من أفلامها في مهرجانات العالم الكبرى، وبالتالي فالمعادلة الآن هي التضحية بالتنوّع والمواهب الجديدة والتجارب المختلفة في مقابل احتكار الأسماء الكبيرة تجارياً (مروان حامد وشريف عرفة وطارق العريان وبيتر ميمي مثلاً).
لصنع أفلام تحاكي هوليوود بنوعيات سينمائية محددة، لخلق سنة تاريخية دون جدال ولكن انتعاشها مربك.. وربما واهم.