حبّ من النظرة الأخيرة

05 أكتوبر 2014
حبّ بلا آلام الوداع (Getty)
+ الخط -
غالباً ما يكتب الشعراء ويتفاخر العشّاق بالحبّ من النظرة الأولى. يحكي هذا أنّه وقع في غرام زوجته منذ رآها. ويروي آخر أنّه منذ لقائهما الأوّل عرف أنّه يريد أن يكمل حياته معها. حتّى بات الحبّ من النظرة الأولى منتشراً أكثر من أنواع الحبّ الأخرى. لكنّ أحداً لم يخبرنا عن الحبّ من النظرة الأخيرة.

هكذا، حين تلمح فتاة جميلة، في السيّارة المجاورة، على تقاطع إشارات المرور، في زحمة خانقة. حين تلمحها، وتقع عيناك على عينيها، فتنظرُ إليكَ، وتنظرُ إليها.
ثوانٍ قليلة، تخرجكَ من الزحمة، من غضبكَ على كلّ شيء، من يومكَ السيّء. هكذا، نظرة واحدة، وسريعة، تجعلك تقع في غرام الفتاة الغامضة التي قبالتك، التي لا تعرف عنها شيئاً، التي لن تعرف يوماً عنها شيئاً، وربّما هذا هو السرّ.

نظرة واحدة، خاطفة، سريعة، غادرة، وقبل أن تفكّر في أن تسألها عن اسمها، عن لون عينيها، عن أحلامها وأفكارها، قبل أن تتذكّر أنّك متزوّج، أو في علاقة جديّة، وقبل أن تتذكّر هي أنّ ابنتها، أو زوجها، يبعث أحدهما إليها رسالة على الواتساب، قبل أن يخطفها الرنين إلى حياتها الأصلية، وقبل أن يخطفك ضميرك إلى يومك السيّء مجدّدا... تسمع زمامير تشير إليك بأنّ الإشارة اخضرّت، وأنّ غرامكَ الطارئ والعابر والغابر والفائت قد احمرّت إشارته. وأن: شكراً جرّب مرّة أخرى.

الحبّ من النظرة الأخيرة غالبا ما تنساه. لكنّه الحبّ الوحيد الذي بلا آلام. قد يفاجئك في مقهى، لدقائق، قبل أن تدفع الفتاة الحساب وتغادر. في سيّارة أجرة، حيث تخاف أن تصدّكَ تلك التي تبادلك نظرات الحبّ المقطوع من شجرة الأمل. أو مثلاً على الطريق، على الرصيف، في لمحة واحدة، وإما أن تغادر حاملاً رباطة جأشكَ و"واقعيّتكَ" أو أن تحاول فتح حديث قد ينتهي بطريقة مأساوية. كأن تصدّك أو تستغرب من تقدّمك إلى الحديث معها من دون سابق معرفة أو إنذار...

الحبّ من النظرة الأخيرة هو حبّ حقيقيّ. أحياناً تمشي بكَ السيّارة بعد اخضرار الإشارة واحمرار اللحظة الجميلة. فتروح تفكّر في تلك الفتاة (أو الرجل بالنسبة إلى الفتيات). تفكّر في تلك الفتاة، في أنّكَ لو لحقت بسيّارتها، وحدّثتها عن مشاعركَ، وقرّرتما معاً أن تهربا، كلّ من حياته، وأن تبدآ حياة جديدة، في بلد جديد، وفي مهنة جديدة، وفي قصّة حبّ جديدة. لكنّه لن يكون حبّاً من النظرة الأخيرة. ستكون "النظرة الأولى" وليس الأخيرة. هكذا ستصير قصّة عادية، عن حبّ من النظرة الأولى.

الحبّ من النظرة الأخيرة هو الحبّ الوحيد الحقيقيّ، لأنّه بلا وداع. بلا نهاية، وأصلاً بلا بداية. تصادفه حين لا تكون مستعدّاً، وهذا من شروط لعبته. لا يخيّب لك أملاً، ولا يلزمكَ بشيء، ولا يؤذي أحداً. هكذا، بخفّة ووداعة، هانئاً وبلا وعود، يصيبكَ في مقتلٍ جميل، يجعل ضربات قلبكَ ترتفع، وفوران أعصابكَ ينخفض، يهدّئك، يروّضك، ويرحل، كما جاء، "بَلا وَلَا شِي".






دلالات
المساهمون