في فيلمه القصير الثاني "مداد أخير" (2020) ـ المشارك في الدورة الـ21 (28 فبراير/ شباط ـ 7 مارس/ آذار 2020) لـ"مهرجان الفيلم الوطني بطنجة"، والفائز بجائزة السيناريو (منصف ويزيد القادري) في مسابقة الأفلام القصيرة، وجائزة الأندية السينمائية ـ تناول المخرج المغربي الشاب يزيد القادري حكاية بسيطة، مستلّة من عوالم واقعية على مستوى الاجتماع، وفيها ميتافيزيقية على مستوى التخيّل.
عبر تلك الحكاية، غاص القادري في دفء مكانِ البسطاء وحياتهم، محاولاً مزج الواقعي بالمُتخيّل، في قصّة شيخٍ يكتب شواهد القبور، يلتقي ذات صباح برجل كأنّه ملك الموت، الذي يترك له خبراً عند المتعلّم، يُفيد أنّه سيتوفّى في تاريخ محدّد من الشهر نفسه.
منذ المَشاهد الأولى للفيلم، تتبدّى الرغبة الجامحة ليزيد القادري في استخدام كاميرا راقصة ومتموّجة في فضاءات ضيقة، وفي التقاط تفاصيل صغيرة من النور والظلال المُنعكسة على جداريات المدينة القديمة. كما يحلو له اللعب بالمؤثّرات الطبيعية للمَشاهد، التلقائية والمُنسابة عبر اللاوعي، محاولاً سبر أغوار الروح الباطنية للمكان، وعلاقتها بالنفس البشرية لحظة اقتراب الموت، إذْ يصبح المرء أكثر رحمة واقتراباً من ذاته وأفعالها الإنسانية الحقّة.
صُورة الموت في "مدد أخير" مقرونة بجماليّات يُحدّدها الألم ويَصوغها، بمفهومه الصُوفي، الذي يُشكِّل عنصراً مهمّاً في فهم طوبوغرافية الفيلم وعناصره الفنية الخفية، خاصة أنّ اللغة الصوفية في الفيلم تُضمر أكثر مما تُظهر، وتعتمد على الرمز والإيحاء والنبش في المُدهش والغريب في ماهية جسد الإنسان، وتعطي الموت صبغة روحية وجمالية، تُشبه سفراً إلى حقيقتها الوجودية، من خلال نفي العقل، الذي هو مُجرّد حجاب للحقيقة كما يقول الصوفيّون، والجسد يعمل كمقابلٍ للعقل، وأيضاً كبنية خفية مؤسِّسة للخطاب الجمالي في الفيلم، لتفجير مكنوناته وخَلجاته، التي لا يستطيع العقل التعبير عنها، لأن العشق لغة حسّ لا فهم.
منذ الدقائق الأولى، يَغلب النَفَس الروائي بسردٍ واضحٍ وصُوَرٍ خطّية مترادفة في حكيها، مطبوعةً بجماليّات الرمز في المنزل ومكان العمل وأزقّة المدينة. تتّضح الرؤية شيئاً فشيئاً، وتلتقط الكاميرا عناصر المكان وشخصياته، مع التنبّه إلى ذكاء المخرج ورهاناته الجمالية في لعبة الظلّ والنور، بشكل مُكثف وغنيّ، التي تجعله يدفع إمكانياته البصرية ولغته السينمائية إلى الإدهاش وغرابة المكان وحُسن الخطّ المُترنّح على اللوحة، وغيرها من الجماليّات البصرية التي تزخر بها المَشَاهد. فالقادري يُحاول إعطاءها صبغة روحانية وصوفية، تتميّز بنوع من الصمت، الذي يكسره ـ بين حين وآخر ـ صوت ناي حزين، بما يحمله من دلالات صوفية في التراث الموسيقي العربي والفارسي.
بالإضافة إلى رموزٍ وعلامات مرئية، مُستلّة من الحضارة العربية الإسلامية بزخمها الجمالي، إذْ ارتأى القادري أنّها تُشكّل النسيج الفني الخفي، الذي تشتغل داخله المَشاهد السينمائية. فإذا حُذفت هذه الصُور والعلامات والرموز البصرية، تنحلّ مَشاهد الفيلم، لأنّها تغذّيه جمالياً، فلا يصبح الموت حدثاً عادياً، كما في أيّ فيلمٍ مغربي آخر.
السياق الدلالي والفكري، الذي تتحرّك فيه الصُورة، يمنح الموت تلك الخصوصية، ويتيح للصُورة إمكانية التفكير في مستوياتها الجمالية في السياق الفني، الذي أُنتجت فيه. فالفيلم، عموماً، يتشكّل من نظامٍ تسلسلي من هذه الصُور، المسترسلة والمتطابقة في معانيها ودلالاتها، التي يستحيل أن تخرج من سياقها الواقعي المولودة فيه. فهذه العلامات البصرية تمنحُ المَشاهدَ واقعيّتها، والكتابة السيناريستيكية حبكتها ودقّتها في اختيار الأشخاص والأماكن.
كما أنّ جماليّات الصُورة، في "مداد أخير"، تُعبّر عن كيانٍ رمزي، مُتشعّب ومُتجذّر في الثقافة العربية والفارسية، لكنه غير مُفكَّر به سينمائياَ. بالتالي، لا يُمكن لقراءته وتفكيك ميكانيزماته الفنية، ذات العلاقة التي يطبعها التأثّر بالتاريخ والواقع، أنْ تخرج عن الانتماء السوسيوثقافي للفيلم.
منذ المَشاهد الأولى للفيلم، تتبدّى الرغبة الجامحة ليزيد القادري في استخدام كاميرا راقصة ومتموّجة في فضاءات ضيقة، وفي التقاط تفاصيل صغيرة من النور والظلال المُنعكسة على جداريات المدينة القديمة. كما يحلو له اللعب بالمؤثّرات الطبيعية للمَشاهد، التلقائية والمُنسابة عبر اللاوعي، محاولاً سبر أغوار الروح الباطنية للمكان، وعلاقتها بالنفس البشرية لحظة اقتراب الموت، إذْ يصبح المرء أكثر رحمة واقتراباً من ذاته وأفعالها الإنسانية الحقّة.
صُورة الموت في "مدد أخير" مقرونة بجماليّات يُحدّدها الألم ويَصوغها، بمفهومه الصُوفي، الذي يُشكِّل عنصراً مهمّاً في فهم طوبوغرافية الفيلم وعناصره الفنية الخفية، خاصة أنّ اللغة الصوفية في الفيلم تُضمر أكثر مما تُظهر، وتعتمد على الرمز والإيحاء والنبش في المُدهش والغريب في ماهية جسد الإنسان، وتعطي الموت صبغة روحية وجمالية، تُشبه سفراً إلى حقيقتها الوجودية، من خلال نفي العقل، الذي هو مُجرّد حجاب للحقيقة كما يقول الصوفيّون، والجسد يعمل كمقابلٍ للعقل، وأيضاً كبنية خفية مؤسِّسة للخطاب الجمالي في الفيلم، لتفجير مكنوناته وخَلجاته، التي لا يستطيع العقل التعبير عنها، لأن العشق لغة حسّ لا فهم.
منذ الدقائق الأولى، يَغلب النَفَس الروائي بسردٍ واضحٍ وصُوَرٍ خطّية مترادفة في حكيها، مطبوعةً بجماليّات الرمز في المنزل ومكان العمل وأزقّة المدينة. تتّضح الرؤية شيئاً فشيئاً، وتلتقط الكاميرا عناصر المكان وشخصياته، مع التنبّه إلى ذكاء المخرج ورهاناته الجمالية في لعبة الظلّ والنور، بشكل مُكثف وغنيّ، التي تجعله يدفع إمكانياته البصرية ولغته السينمائية إلى الإدهاش وغرابة المكان وحُسن الخطّ المُترنّح على اللوحة، وغيرها من الجماليّات البصرية التي تزخر بها المَشَاهد. فالقادري يُحاول إعطاءها صبغة روحانية وصوفية، تتميّز بنوع من الصمت، الذي يكسره ـ بين حين وآخر ـ صوت ناي حزين، بما يحمله من دلالات صوفية في التراث الموسيقي العربي والفارسي.
بالإضافة إلى رموزٍ وعلامات مرئية، مُستلّة من الحضارة العربية الإسلامية بزخمها الجمالي، إذْ ارتأى القادري أنّها تُشكّل النسيج الفني الخفي، الذي تشتغل داخله المَشاهد السينمائية. فإذا حُذفت هذه الصُور والعلامات والرموز البصرية، تنحلّ مَشاهد الفيلم، لأنّها تغذّيه جمالياً، فلا يصبح الموت حدثاً عادياً، كما في أيّ فيلمٍ مغربي آخر.
السياق الدلالي والفكري، الذي تتحرّك فيه الصُورة، يمنح الموت تلك الخصوصية، ويتيح للصُورة إمكانية التفكير في مستوياتها الجمالية في السياق الفني، الذي أُنتجت فيه. فالفيلم، عموماً، يتشكّل من نظامٍ تسلسلي من هذه الصُور، المسترسلة والمتطابقة في معانيها ودلالاتها، التي يستحيل أن تخرج من سياقها الواقعي المولودة فيه. فهذه العلامات البصرية تمنحُ المَشاهدَ واقعيّتها، والكتابة السيناريستيكية حبكتها ودقّتها في اختيار الأشخاص والأماكن.
كما أنّ جماليّات الصُورة، في "مداد أخير"، تُعبّر عن كيانٍ رمزي، مُتشعّب ومُتجذّر في الثقافة العربية والفارسية، لكنه غير مُفكَّر به سينمائياَ. بالتالي، لا يُمكن لقراءته وتفكيك ميكانيزماته الفنية، ذات العلاقة التي يطبعها التأثّر بالتاريخ والواقع، أنْ تخرج عن الانتماء السوسيوثقافي للفيلم.