إلغاء "سري للغاية"... فشل السيناريو والإخراج يوقف فيلم السيسي

16 سبتمبر 2018
كان سيؤدي أحمد السقا دور شخصيّة السيسي (فيسبوك)
+ الخط -
علمت "العربي الجديد" أن وزارة الدفاع المصرية قررت جمْع كل المواد المصورة الخاصة بفيلمٍ كان من المزمع إنتاجه عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتخلص منها نهائياً بعد أن وجدوا بعد 4 ساعات تصوير صورها المخرج محمد سامي أنه "لا يوجد فيلم من الأساس". من جهته اتصل، كامل أبوعلي، أحد منتجي الفيلم، بكاتب السيناريو وحيد حامد ليرجوه أن يذهب ليشاهد المادة المصورة، وبحسب مصدر مقرب من أبو علي فإنه قال لوحيد حامد "فلوسنا كلها في الأرض".

وكان اسم مشروع وحيد حامد الأصلي "أيام الثورة والغضب"، ثم تحول إلى "سري للغاية"، بعد أن ذهب الورق إلى وزارة الدفاع ومنها إلى السيسي، الذي أجرى الكثير من التعديلات على السيناريو. وبحسب مصدر تحدث إلى "العربي الجديد"، فقد ذهب وحيد حامد إلى إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة ومقرها مصر الجديدة، ليشاهد 4 ساعات من التصوير كان رأيه أنها بلا فن ولا سياسة، وأن الممثلين في أسوأ أحوالهم رغم الأموال الطائلة التي تقاضوها، فسأله كامل أبو علي، "هل تستطيع فعل شيء؟"، فرد وحيد حامد "بالطبع لا، وأنا قلت لك من البداية إن الفيلم لن ينجح بهذا الشكل".

وبحسب المصدر، فإن حامد كان قد ذهب إلى منزل السيسي والتقى به وبأسرته، وجلس طويلاً مع قرينته انتصار، ثم وضع السيناريو الأوّلي بعنوان "أيام الثورة والغضب"، وكان سيناريو حامد في نسخته الأولى يتعلق بالعام الذي حكم فيه الرئيس المعزول، محمد مرسي، فقط. ولكن يبدو أن نسخة السيناريو التي صاغها حامد، لم تنل إعجاب السيسي، والذي قام بالكثير من التعديلات، حيث تحول إلى كاتب سيناريو فجأة، وهو لم يلق قبولاً عند حامد، والذي صادف مرضه في هذا التوقيت وسفره إلى ألمانيا لتلقي العلاج. وفي هذا التوقيت علم الأخير من الصحافة أن الفيلم يتم تصويره، وتم تغيير عنوانه، والكثير من بنائه الدرامي حيث تم حذف شخصيات وإضافة أخرى، وهي التعديلات التي أجراها محمد سامي المخرج، والذي لم يختره حامد من الأساس بل تم فرضه من رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة.
لم يقبل وحيد حامد ما جرى معه، خصوصاً أنها ليست المرة الأولى التي يتم تكليفه بصياغة عمل من قبل أجهزة أمنية. ولكن كل شيء كان يتم بطريقته ومن دون تدخلات، لذلك خرج وأعلن أنه يتبرأ من هذا العمل وأن لا علاقة له بما يتم تصويره، من قريب ولا بعيد. ومع نشْر تصريحات حامد تلقّى المنتج كامل أبو علي، وهو صديق مقرب منه، تعليمات واضحة بأن يصمت تماماً ولا يتحدث في الموضوع. وقال لوحيد "أنا عندي مصالح معاهم ولو أنت مش قلقان على نفسك في السن دا، أنا خايف".
استمر تصوير مشاهد الفيلم والتي وصلت لأربع ساعات لا يعرف عنها حامد شيئاً، وفوجئ منتجو العمل، وهم "إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة"، والتي استعانت بالمنتج كامل أبو علي كواجهة، بحيث لا يقال إن الفيلم أنتجه الجيش، بأن المشاهد التي تم تصويرها من الصعب جداً تركيبها في المونتاج كفيلم سينمائي واضح الملامح أو يحمل قصة درامية. وهنا وقع فريق العمل في "حيص بيص"، ولجأوا إلى حامد الذي كرر كلامه أن ما تم تصويره لا يمت له بصلة، وتحت ضغط كامل أبو علي، ذهب حامد إلى المونتاج، وكلما شاهد مشهداً كان ينظر إلى المخرج محمد سامي متسائلاً "أنا كتبت دا؟" فيرد سامي "لا".

وبحسب المصدر، فإن وحيد حامد قال للمسؤولين بإدارة الشؤون المعنوية "إن المادة لا يصلح تركيبها كفيلم"، وبناء على رأيه تم جمْع نسخة العمل التي لفقها محمد سامي وعرضت على السيسي وكبار الضباط والمسؤولين في الشؤون المعنوية، ولم تنل إعجاب أحد. وتابع، أيضاً، بأن تصوير تلك المادة التي ألغيت بجرة قلم وكلمة واحدة من السيسي، تكلف نحو المليار جنيه (حوالي 56 مليون دولار)، وأنه تم التصوير في قصور الرئاسة التي فتحت أبوابها أمام طاقم الفيلم، وهذا لا يحدث عادة.
وبحسب المصدر، أيضاً، قام الفنان محمود حميدة بتجسيد شخصية مرشد جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع، كما قام الفنان نبيل الحلفاوي بدور وزير الدفاع السابق المشير محمد حسين طنطاوي، بينما جسّد أحمد السقا شخصية الرئيس السيسي، فيما يؤدي الفنان أحمد رزق دور الرئيس المعزول محمد مرسي، والفنان عبد العزيز مخيون يجسد دور اللواء محمد العصار عضو المجلس العسكري، كما يقوم الفنان خالد الصاوي بدور خيرت الشاطر نائب مرشد جماعة الإخوان.

وأكد المصدر لـ"العربي الجديد"، أن السيناريست وحيد حامد، كان قد كتب سيناريو عن سنة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، لكنه لم يعجب السيسي ومدير مكتبه آنذاك اللواء عباس كامل والذي يشغل منصب رئيس جهاز الاستخبارات العامة حالياً، وبناء على ذلك قام مدير إدارة الشؤون المعنوية آنذاك ومدير مكتب السيسي الحالي اللواء محسن عبد النبي ومحل ثقة عباس، بإحضار المخرج محمد سامي إلى الرئاسة، وقدموه إلى السيسي، وقالوا له "ده المخرج اللي كسر الدنيا بمسلسل الأسطورة، كان بيقعّد الناس تتفرج عليه على القهاوي في رمضان، وهيعملنا حاجة زي الأسطورة".
وكان من المقرر بحسب المصدر أن يتم عرض فيلم "سري للغاية"، والذي يتناول الأحداث التي مرت بها مصر منذ ثورة يناير/كانون الثاني في العام 2011، وحتى انقلاب الثلاثين من يونيو/حزيران 2013، قبل الانتخابات الرئاسية التي أجريت هذا العام.


وتداول نشطاء في يناير/كانون الثاني الماضي صوراً من الفيلم، ونشر الكاتب خالد منتصر، بعض الصور من الفيلم عبر حسابه على موقع "فيسبوك"، وظهر الفنان عادل إمام في مشهد عبارة عن مؤتمر صحافي لعبد الفتاح السيسي، وحضره الممثل المصري بشخصيته الحقيقية.
الجدير بالذكر أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان قد خاطب الفنان أحمد السقا "يا أستاذ أحمد أنت والأستاذة يسرا، والله هتتحاسبوا على ده، أيوه هتتحاسبوا، عايزين ندّي للناس أمل في بكرة، ونحسّن قيمنا وأخلاقنا، وده مش هييجي غير بيكم، كل قطاع من قطاعات الدولة له دور في ذلك". وكان ذلك خلال احتفالية عيد الشرطة، يناير/كانون الثاني 2015. وبالفعل بعده مباشرة بدأ التفكير في "فيلم السيسي".

وكشف حديث السيسي إلى الفنانين آنذاك عن رؤيته وتصوراته عن الفن وعلاقته بالسياسة، إذ إنه يرى السينما والفن مجرد أداة في يد السلطة عليها الترويج لسياسات النظام الحاكم أو الدولة، وذلك ما أكده السيسي نفسه أكثر من مرة، وحتى قبل احتفالية الشرطة في 2015، فخلال لقائه بوفد الفنانين، في مايو/ أيار 2014، ناشد السيسي الفنانين بضرورة تشكيل وعي المواطنين، قائلاً "الأمم المتقدمة تسوّق صورتها للعالم من خلال الفن والرسالة الإعلامية الهادفة". مشيراً إلى أن "الوضع الراهن يحتاج إلى اصطفاف حقيقي من المصريين، وأهل الفن والثقافة قادرون على تشكيل وعي حقيقي لما يدور حول المواطن من تحديات"، ودعا الفنانين إلى "ضرورة تشجيع المواطنين وتعبئتهم للمشاركة في الانتخابات الرئاسية".

وفي مقابل ذلك، تسابق الفنانون الموالون للنظام على تأييد رؤية السيسي، إذ قال عادل إمام "الجيش هو عماد الشعب من أيام الفراعنة، كل عباقرة الثقافة كانوا جايين من الجيش، كل رموز التنوير كانوا جايين من الجيش"، وقال الفنان محمد صبحي إنه "لا قيمة للديمقراطية والحرية في مجتمع يسيطر عليه الانفلات الأخلاقي". أما الفنانة صابرين فأكدت أنها "حضرت اللقاء لمعرفة ما يمكن أن تقدمه لمصر خلال المرحلة المقبلة، والدور الذي يمكن من خلاله استعادة الريادة المصرية في المجالات المختلفة". وكان السقا أيضًا حاضراً اللقاء، وعندما طلب منه السيسي أن يتحدث، اكتفى بالقول إنه لن يطلب أي شيء قبل أن يصبح السيسي رئيساً بشكل رسمي.

المساهمون