الفيلم القصير "لا يهمّ إنْ نفقت البهائم" للمغربيّة صوفيا علوي، فاز بالجائزة الكبرى للجنة التحكيم، في الدورة الـ36 (23 يناير/ كانون الثاني ـ 2 فبراير/ شباط 2020) لـ"مهرجان ساندانس للفيلم"، لبساطته وانسيابية صُوَره، خاصة أنّ المُخرجة لا تبغي ركوب موجات طاولت المجتمع المغربي في السياسة والاجتماع، بقدر ما تُخرج مفهوم العمل السينمائي من ذاتها بألمٍ، كأنّها في مخاض ولادة.
في الفيلم، تمتزج بلاغة الواقع بغرائبيّة المكان، وسُخرية الحكي بمرارة عيش أناسٍ في مغربٍ منسيّ على تخوم جبال وعرة. يروي الفيلم قصّة رجل يعيش مع أبيه مُنعزِلَين في جبال الأطلس، تدفعه احتياجات يومية إلى الذهاب إلى قرية مجاورة للتبضّع. يكتشف أنّ كائنات فضائية غزت القرية، فهرب سكانّها خوفاً على أنفسهم.
تُقيم صوفيا علوي نوعاً من الحفر في أنثروبولوجيا المكان والمخيال المغربيين، خاصة أنّ الأماكن البعيدة والموحشة والمنعزلة تحرسها دائماً، في المخيال المغربي، كائنات عجيبة، تستوطن المكان، وتمنحه بعض أمان من أي غزو خارجي. هذا ليس جديداً في الفيلموغرافيا المغربية، التي اشتغل بعض نماذجها في هذا المنحى. لكن قيمة "لا يهمّ إنْ نفقت البهائم" تكمن في مُتع بسيطة، ترتبط بجماليّات الضوء والتصوير، وبانسياب الموسيقى التصويرية، وسطوة الأسلوب الأميركي على المشاهد، ما يجعله قيمة إضافية إلى سينما مغربية مُرتبكة لكثرة التكرار والتقوقع حول أسئلة مُرتبطة بالهوية والتراث والهجرة، وأسئلة أخرى ذات علاقة وطيدة بالواقع المغربي.
التعامل مع هذا كله يتمّ بواقعية فجّة وتضخيم ميكانيكي، ينقلان الواقع من دون العمل على تخييله ووضعه في قالب فني وجمالي، تصبح فيه الصُورة ذات أبعاد رمزية ودلالية وفكرية مُركّبة، وذات تأثير كبير على سرد الفيلم، وعلى خطابه الجمالي والأيديولوجي. هذا الأخير، الذي مهما تبرّم مُخرجٌ منه، يظلّ يمارس سحره ونضارته على السيناريو، عاملاً على تأثيث المَشاهد، ومُساهماً في صوغ حبكة فنية، تُعبّر عن ارتجاج الذات، وقلق الكائن ومأساته الدائمة إزاء واقعه.
يأتي مفهوم الغرائبية في الفيلم كطريقة جمالية، تُحاول صوفيا علوي عبرها التنصّل من سلطة الأفلام الواقعية، عاملة على مُجاوزة واقع طبقة اجتماعية مُعدمة في المغرب داخل فضاء بعيد ومهمّش، هو جبال الأطلس. لكن الغرائبية لا تتّخذ بعداً استشراقياً، كما تبلور المفهوم في أدبيات فكرية، ترتكز أولاً على ممارسة نوع من التحقير على ذاتية المغربي ونمط تفكيره، بقدر ما تتّخذ (الغرائبية) مع علوي نزوعاً فنياً وجمالياً، يقوم على كشف العالم من جوانبه البشعة، واختبار مدى قوّة الإنسان وضعفه وعجزه أمام سلطة الطبيعة وجبروتها.
لكن المُلاحظة الوحيدة التي تُسجَّل على صوفيا علوي، هي عدم نجاحها في إنتاج خطاب فكري لأنماط صُورها المتخيّلة، ما يجعل "لا يهم إن نفقت البهائم" تحريضاً على الدرس والتحليل والمساءلة الفكرية، القائمة على إبداع المفاهيم، من دون الركون إلى المُتعة الحسية العابرة، التي يُتيحها الفيلم. فالسينما، في بعض ملامحها الأولية، تقوم على مفهوم المُتعة، وما تمنحه من شعور جمالي في ذات المشاهد، الذي يجد نفسه دائماً يُكرّر مُشاهدة الفيلم أكثر من مرة، بسبب سحر يُمارس عليه جرّاء ذلك.
اقــرأ أيضاً
في الفيلم، تمتزج بلاغة الواقع بغرائبيّة المكان، وسُخرية الحكي بمرارة عيش أناسٍ في مغربٍ منسيّ على تخوم جبال وعرة. يروي الفيلم قصّة رجل يعيش مع أبيه مُنعزِلَين في جبال الأطلس، تدفعه احتياجات يومية إلى الذهاب إلى قرية مجاورة للتبضّع. يكتشف أنّ كائنات فضائية غزت القرية، فهرب سكانّها خوفاً على أنفسهم.
تُقيم صوفيا علوي نوعاً من الحفر في أنثروبولوجيا المكان والمخيال المغربيين، خاصة أنّ الأماكن البعيدة والموحشة والمنعزلة تحرسها دائماً، في المخيال المغربي، كائنات عجيبة، تستوطن المكان، وتمنحه بعض أمان من أي غزو خارجي. هذا ليس جديداً في الفيلموغرافيا المغربية، التي اشتغل بعض نماذجها في هذا المنحى. لكن قيمة "لا يهمّ إنْ نفقت البهائم" تكمن في مُتع بسيطة، ترتبط بجماليّات الضوء والتصوير، وبانسياب الموسيقى التصويرية، وسطوة الأسلوب الأميركي على المشاهد، ما يجعله قيمة إضافية إلى سينما مغربية مُرتبكة لكثرة التكرار والتقوقع حول أسئلة مُرتبطة بالهوية والتراث والهجرة، وأسئلة أخرى ذات علاقة وطيدة بالواقع المغربي.
التعامل مع هذا كله يتمّ بواقعية فجّة وتضخيم ميكانيكي، ينقلان الواقع من دون العمل على تخييله ووضعه في قالب فني وجمالي، تصبح فيه الصُورة ذات أبعاد رمزية ودلالية وفكرية مُركّبة، وذات تأثير كبير على سرد الفيلم، وعلى خطابه الجمالي والأيديولوجي. هذا الأخير، الذي مهما تبرّم مُخرجٌ منه، يظلّ يمارس سحره ونضارته على السيناريو، عاملاً على تأثيث المَشاهد، ومُساهماً في صوغ حبكة فنية، تُعبّر عن ارتجاج الذات، وقلق الكائن ومأساته الدائمة إزاء واقعه.
يأتي مفهوم الغرائبية في الفيلم كطريقة جمالية، تُحاول صوفيا علوي عبرها التنصّل من سلطة الأفلام الواقعية، عاملة على مُجاوزة واقع طبقة اجتماعية مُعدمة في المغرب داخل فضاء بعيد ومهمّش، هو جبال الأطلس. لكن الغرائبية لا تتّخذ بعداً استشراقياً، كما تبلور المفهوم في أدبيات فكرية، ترتكز أولاً على ممارسة نوع من التحقير على ذاتية المغربي ونمط تفكيره، بقدر ما تتّخذ (الغرائبية) مع علوي نزوعاً فنياً وجمالياً، يقوم على كشف العالم من جوانبه البشعة، واختبار مدى قوّة الإنسان وضعفه وعجزه أمام سلطة الطبيعة وجبروتها.
لكن المُلاحظة الوحيدة التي تُسجَّل على صوفيا علوي، هي عدم نجاحها في إنتاج خطاب فكري لأنماط صُورها المتخيّلة، ما يجعل "لا يهم إن نفقت البهائم" تحريضاً على الدرس والتحليل والمساءلة الفكرية، القائمة على إبداع المفاهيم، من دون الركون إلى المُتعة الحسية العابرة، التي يُتيحها الفيلم. فالسينما، في بعض ملامحها الأولية، تقوم على مفهوم المُتعة، وما تمنحه من شعور جمالي في ذات المشاهد، الذي يجد نفسه دائماً يُكرّر مُشاهدة الفيلم أكثر من مرة، بسبب سحر يُمارس عليه جرّاء ذلك.
رغم ذلك، يظلّ مفهوم الخطاب عاملاً مؤسِّساً لجوهر الصورة السينمائية. به، تنطبع المَشاهد، وتكتمل معها لذة الحكي ومُتعة المشاهدة، المرتبطة بالانفعالات والتمثّلات الذاتية، من دون نسيان إمكانية النظر العقلي والتأمّلي في صوغ خطاب العمل السينمائي، أي بين المُشاهدة الحميمة وتحريض الفكر على قول ما لا يقال.
هذه مشكلة حقيقية لا ترتبط بفيلم صوفيا علوي فقط، بل بإشكالية تطاول نماذج كثيرة في الفيلموغرافيا المغربية، للأفلام القصيرة والطويلة معاً.