بعدما ترشح المخرج السوري فراس فياض لجائزة الأوسكار بفئة الأفلام الوثائقية، عن فيلمه "آخر الرجال في حلب". وبعدما اختارته مجلة "Good" الأميركية، واحداً من بين مئة شخصية مؤثرة وملهمة في المجال الإبداعي في العالم، بات فياض أحد الأسماء البارزة في الفن السوري، بسبب حصوله على الاهتمام الغربي، وذلك بعدما عاش سنوات طويلة مهمشاً بعيداً عن الأضواء.
"العربي الجديد" التقت بالمخرج فراس فياض، وعند سؤالنا له عن شغفه بالسينما وكيف تكون، عاد فياض بذاكرته للحديث عن أبيه، فقال: "درس أبي في الجامعة الأميركية في بيروت، وكان لديه شغف خاص بالكتابة، وبدأ بالكتابة وتجميع عدد من الكتب التي تخصّ المسرح والأدب العالمي، واستطاع إنشاء مكتبة في ذلك الوقت. نحن من قرية تدعى داديخ، وهي قرية صغيرة تبعد عن حلب ما يقارب 60 كيلومتراً، وتقع على طريق حلب - دمشق، وتاريخياً تعود تلك القرية لأربعة آلاف عام، فهي تعد الملحق لمملكة "أيبلا"، وعدد سكانها قليل، إذْ تقطنها خمس أو ست عائلات، وعدد المتعلمين هناك قليل جداً. وكان أبي واحداً من الأشخاص الثلاثة الذين استطاعوا التعلم في تلك القرية. وأصبح في النهاية أستاذاً يُدرّس في المرحلة الابتدائية. وبسبب الظروف والمتغيرات السياسية التي كانت سائدة حينها، في ظل حكم البعث وصعود حافظ الأسد للحكم، قام أبي بحرق كل كتبه، خوفاً من تسبب تلك الكتابات باعتقاله، وخوفاً على حياة عائلته. ومنذ ذلك الوقت توقف أبي عن الكتابة. ومرت الأيام، وتعلمت الخوف من التعبير عن رأيي، سواء بالكتابة أو بوسائل أخرى، وكيف أنه من الممكن أن ينتهي بي الأمر بالسجن كما حلّ بأقربائي، الذين تم اعتقالهم ووضعهم في سجن تدمر وصيدنايا. فأبي كان الناجي الوحيد في عائلته من الاعتقال، ويعود السبب لتخلصه من كل ما لديه من كتابات، وأيضاً لأنه لم ينخرط بحزب سياسي، فقد كان مخلصاً لشغفه بالكتابة فقط".
ويضيف فياض: "كنا في المنزل نملك مكتبة ضخمة. حرق أبي جزءاً كبيراً منها حين حرق كتاباته. وكنا الوحيدين في القرية الذين نملك جهاز "فيديو كاست" وتلفزيون، وهذا أتاح لي الفرصة لأن أشاهد أفلاماً بعمر صغير، وأدرك ما هي السينما. ولكن المرة الأولى التي دخلت فيها لصالة سينما، كانت لمّا توجهت إلى المدينة للدراسة وغادرت القرية، كان عمري حينها 19 عاماً. أتذكر حينها أن الفيلم الذي شاهدته كان بشعاً، إلا أنني كنت منبهراً بطريقة تحرك الأشياء أمامي، ولم أعر اهتماماً لقصة الفيلم السخيف، إلا أنني كنت منبهراً بتشكيل الحياة عن طريق الصوت والإضاءة والحركة. وحينها بدأ يتسرب إلى حياتي شغف هذه المهنة، وقمت بدراستها. ولكن الدراسة لم تكن بأهمية ممارسة المهنة".
وعن القضايا التي جذبته في البداية، يقول فياض: "كان لدي رغبة بالكتابة عن العلاقات الاجتماعية وأهميتها والخوف من خسارتها؛ الفترة التي نشأت بها كانت فيها تهديدات من صدام حسين لإسرائيل بضربها بالكيماوي، وحرب الخليج، والانحسار الاقتصادي لسورية، فكان هناك آلاف التغيرات السياسية. وعام 1984 حين ولدت، كان الخوف من سيطرة حزب البعث بأوجه. في الفترة بين الثمانينيات والتسعينيات، كان أوج الخوف والرعب في سورية، وكانت تدور في رأسي العديد من التحذيرات والممنوعات، فكنت أجد نفسي دائماً خائفاً، وأحاول البحث عن طريقة للتحرر من هذا الخوف. ونتيجةً للدراسة، قمت بصناعة عدد من الأفلام القصيرة. وتلك التجربة، كانت اختباراً لأدوات عرفت من خلالها قول ما أريد بالصوت والحركة. ولا أعتبر تلك الأفلام ذات أهمية كبيرة".
وعن تأثير الثورة والوضع في حلب على تشكيل هويته الفنية، يقول فياض: "تلك الظروف ساهمت في نضجي بشكل أكبر، وساهمت بدفعي إلى اتخاذ قرارات مصيرية في حياتي. وفي تلك المرحلة، بدأ دوري الحقيقي كصانع أفلام للتعبير عن آرائي خارج الخوف. فكل ما كنت أفكر فيه قبل الثورة كان محكوماً بالخوف وإطارات الرعب والخوف من كتابة الشيء الحقيقي. فلا طريق أمامك إلا الهرب إلى الكذب، ويجب عليك أن تكون أقوى أو لديك محيط يدعمك كي تنجو. وأنا لم أكن كذلك؛ فأنا لم آتِ من عائلة فنية، وليس هناك من يساعدني أو يدعمني إذا تعرضت لاعتقال، ولم أكن محط اهتمام محلي أو إعلامي، من الممكن أن يضغطوا في حال حدث لي مكروه. ولأنني كنت فقيراً أيضاً، كنت دائماً أخاف من الكتابة أو تقديم أي شيء.
اقــرأ أيضاً
ويضيف فياض: "كنا في المنزل نملك مكتبة ضخمة. حرق أبي جزءاً كبيراً منها حين حرق كتاباته. وكنا الوحيدين في القرية الذين نملك جهاز "فيديو كاست" وتلفزيون، وهذا أتاح لي الفرصة لأن أشاهد أفلاماً بعمر صغير، وأدرك ما هي السينما. ولكن المرة الأولى التي دخلت فيها لصالة سينما، كانت لمّا توجهت إلى المدينة للدراسة وغادرت القرية، كان عمري حينها 19 عاماً. أتذكر حينها أن الفيلم الذي شاهدته كان بشعاً، إلا أنني كنت منبهراً بطريقة تحرك الأشياء أمامي، ولم أعر اهتماماً لقصة الفيلم السخيف، إلا أنني كنت منبهراً بتشكيل الحياة عن طريق الصوت والإضاءة والحركة. وحينها بدأ يتسرب إلى حياتي شغف هذه المهنة، وقمت بدراستها. ولكن الدراسة لم تكن بأهمية ممارسة المهنة".
وعن القضايا التي جذبته في البداية، يقول فياض: "كان لدي رغبة بالكتابة عن العلاقات الاجتماعية وأهميتها والخوف من خسارتها؛ الفترة التي نشأت بها كانت فيها تهديدات من صدام حسين لإسرائيل بضربها بالكيماوي، وحرب الخليج، والانحسار الاقتصادي لسورية، فكان هناك آلاف التغيرات السياسية. وعام 1984 حين ولدت، كان الخوف من سيطرة حزب البعث بأوجه. في الفترة بين الثمانينيات والتسعينيات، كان أوج الخوف والرعب في سورية، وكانت تدور في رأسي العديد من التحذيرات والممنوعات، فكنت أجد نفسي دائماً خائفاً، وأحاول البحث عن طريقة للتحرر من هذا الخوف. ونتيجةً للدراسة، قمت بصناعة عدد من الأفلام القصيرة. وتلك التجربة، كانت اختباراً لأدوات عرفت من خلالها قول ما أريد بالصوت والحركة. ولا أعتبر تلك الأفلام ذات أهمية كبيرة".
وعن تأثير الثورة والوضع في حلب على تشكيل هويته الفنية، يقول فياض: "تلك الظروف ساهمت في نضجي بشكل أكبر، وساهمت بدفعي إلى اتخاذ قرارات مصيرية في حياتي. وفي تلك المرحلة، بدأ دوري الحقيقي كصانع أفلام للتعبير عن آرائي خارج الخوف. فكل ما كنت أفكر فيه قبل الثورة كان محكوماً بالخوف وإطارات الرعب والخوف من كتابة الشيء الحقيقي. فلا طريق أمامك إلا الهرب إلى الكذب، ويجب عليك أن تكون أقوى أو لديك محيط يدعمك كي تنجو. وأنا لم أكن كذلك؛ فأنا لم آتِ من عائلة فنية، وليس هناك من يساعدني أو يدعمني إذا تعرضت لاعتقال، ولم أكن محط اهتمام محلي أو إعلامي، من الممكن أن يضغطوا في حال حدث لي مكروه. ولأنني كنت فقيراً أيضاً، كنت دائماً أخاف من الكتابة أو تقديم أي شيء.
ولكن الثورة حررتني من الخوف الذي نشأت وحكمت به، حررتني من التهميش. فأنا ولدت في قرية، وعندما كنت أذهب للدراسة في قرية أخرى، كنت أعاني من التنمر والضرب يومياً، وفي المدينة كنت منبوذاً لكوني ابن قرية. وكان الناس يعتقدون أنّ أبناء القرى لا يمكنهم أن يقدموا شيئاً. إلا أن الثورة أتاحت لي الفرصة للخروج عن التوقعات؛ إذْ كنت مهمشاً بالكامل، وأفتخر بكوني من الهامش، واستطعت الوصول وتحقيقَ شيء بحياتي. نعم، أنا سعيد بكوني دمرت فكرة المستحيل، فمن التهميش إلى الأوسكار، أشعر دائماً بأنني طفل صغير. واليوم هناك الكثير من الأطفال السوريين يعيشون في بيئة مهمشة سواء بسبب التهجير أو النزوح، لديهم آلاف المخاوف والعوائق في حياتهم، ومن الممكن أن يسمعوا هذه القصة يوماً ما، ويدركوا أنه ليس هناك مستحيل في تحقيق إنجاز مهم في الحياة".