تحضر فلسطين في أفلامٍ تعرضها منصّات ومواقع عربية وأجنبية حالياً. تنويع المنصّات والمواقع يترافق مع تنويع الأشكال السينمائية والمواضيع المختارة. مهرجان الفيلم الوثائقي في سويسرا، "رؤى الواقع"، يُصرّ على تواصله السنوي مع متابعيه ومريديه، فيُقدّم في دورته الـ51 (17 إبريل/نيسان ـ 2 مايو/أيار 2020) فيلمي "صيف غير عادي" (2020) لكمال الجعفري (عرض عالمي أول)، و"عن الأرض والخبز" لإيهاب طربيه، المعروض سابقاً في "عرض عالمي أول" أيضاً، في الدورة الـ32 (20 نوفمبر/تشرين الثاني ـ 1 ديسمبر/كانون الأول 2019) لـ"مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية".
منذ 18 إبريل/نيسان 2020، يُعرض "نكبة المناهج" للّبنانية رين متري على شاشة "الجزيرة الوثائقية"، مُنتجة الفيلم الباحث في تفاصيل المسار التاريخي لمناهج التعليم في المدارس الفلسطينية و"شروطها" الإسرائيلية. بينما يستعيد موقع "أفلامنا أونلاين" فيلم "كأنّنا عشرون مستحيل" (2003) لـ آن ماري جاسر، وموقع "آفاق (الصندوق العربي للثقافة والفنون)" فيلم "194، نحنا ولاد المخيم" (2017) لسامر سلامة (إنتاج "بدايات للفنون السمعية البصرية"). استعادة تُتيح مُشاهدة فيلمين يتشاركان في قراءة همّ فلسطينيّ، الأول في صراعه اليومي ضد المحتلّ الإسرائيلي، والثاني في مواجهته أهوال الاحتلال نفسه، وسلطة النظام الأسديّ وحربه ضد السوريين والفلسطينيين المُقيمين في مخيم اليرموك.
يتفرّد "صيف غير عادي" بسرده مقتطفات من "سيرة شخصية" لمخرجٍ يعثر، في قبو المنزل العائلي، على أشرطة تسجيل عائدة إلى عام 2006، تعكس جوانب من يوميات أناسٍ يمرّون أمام كاميرا المراقبة الموضوعة أمام المنزل نفسه، لكشف من يُحطّم زجاج سيارة الأب مراراً. السيرة الشخصية مفتوحة على تفاصيل يومية تمتدّ 80 دقيقة، تتحوّل فيها الكاميرا إلى شاهدٍ لن يبقى أسير اليوميّ الفلسطيني العادي، بقدر ما يُثير مسألة العلاقة بالأهل والمدينة والذاكرة. هذا شبيهٌ بـ"عن الخبز والأرض" ("العربي الجديد"، 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2019)، إلى حدّ ما: الاستعانة بكاميرات المراقبة لتبيان أفعال جنود إسرائيليين بحقّ فلسطينيين. مع أنّ إيهاب طربيه غير مكتفٍ بهذه الكاميرات، فمشروعه يبدأ عام 2007: إعطاء كاميرات فيديو لمتطوّعين فلسطينيين بهدف تصوير الاعتداءات الإسرائيلية على فلسطينيين، وتحديداً على الأطفال الفلسطينيين، إلى جانب الاستعانة بأشرطة كاميرات المراقبة، الموزّعة في شوارع وأزقّة مختلفة.
لكاميرات المراقبة والفيديو دور أساسي في توثيق ذاكرة وتاريخ، فرديين وجماعيين. التوثيق حاضرٌ في "نكبة المناهج"، الذي يكشف أحد أخطر أفعال الاحتلال الإسرائيلي، المنتبه تماماً إلى دور المناهج التربوية في تغييب التاريخ الفلسطيني، وفرض تاريخ دولة الاحتلال بالقوّة. في مقابل هذا، يملك فلسطينيون (باحثون وأساتذة وأكاديميون وناشطون، يظهر بعضهم في الفيلم) وثائق تكشف حقوقاً فلسطينية في التاريخ والجغرافيا، مع وعي فلسطيني إلى أنّ "التاريخ يُغيِّر الجغرافيا"، وهذا تفعله إسرائيل ويواجهه الفلسطينيون بحزمٍ وثبات.
والتوثيق يجد في "كأنّنا عشرون مستحيل" مكاناً له في انعدام الحدّ الفاصل بين المتخيّل والواقع. فـ آن ماري جاسر تُعيد صوغ وقائع التعامل العنفي الإسرائيلي (لفظياً ومادياً) مع الفلسطيني، فتصنع فيلماً يبدو وثائقياً مع أنّه روائي، إذْ تعتمد على ممثلين يؤدّون أدواراً بشكل وثائقي. لعبة سينمائية تبدو كأنّها تُشير إلى أنّ انعدام الفواصل الفنية في اشتغال كهذا متأتٍ من انعدام الحدّ بين الواقع والمتخيّل في يوميات المواجهة: فالإسرائيلي يصنع جحيماً أرضيّاً، أو هكذا يُخيَّل إليه؛ والفلسطيني يتحدّى الإسرائيلي يومياً، بشكلٍ لن يتوقّعه المحتلّ غالباً.
منع فريق تصوير من المرور على حاجز إسرائيلي في منطقة جانبية للطريق العامّة، يكشف آلية عمل المحتلّ: فصل الفلسطينيين بعضهم عن البعض الآخر، بالارتكاز على بطاقات هوية كلّ واحد من أعضاء الفريق، الذي يضم فلسطينيين يحمل بعضهم جنسية إسرائيلية وأميركية، بينما البعض الآخر ممنوع عليه التجوّل في بلده المحتلّ. هذا اختصار لنصٍّ أعمق من مجرّد تفسير. أسلوب آن ماري جاسر، الذي يُلغي الحدّ بين الروائي والتوثيقي، يمنح الصورة مساحةً أكبر للبوح والكشف، بكاميرا غير ثابتة، فهي جزء من غليان اللحظة وأبعادها.
الكاميرا المهتزّة تظهر في "194، نحنا ولاد المخيّم" أيضاً، في لقطات عدّة توثّق محاولات فلسطينيين عديدين تنفيذ "حقّ العودة" إلى بلدهم المحتلّ، عبر الحدود مع سورية. الرقم في العنوان هو قرار صادر عن الأمم المتحدّة في 11 ديسمبر/كانون الأول 1948، بخصوص عودة اللاجئين الفلسطينيين (وتقرير وضع القدس). والمخيّم هو "مخيّم اليرموك" في دمشق. والزمن يترافق مع بداية "الثورة السورية" ضد نظام بشّار الأسد. قبل شهرٍ على بداية تلك الثورة، السلمية والمدنية والعفوية، يجد المخرج نفسه أمام وضعٍ صعب: عليه التزام خدمة عسكرية فلسطينية في سورية، في ظلّ خرابٍ يعتمل في نفوس وأرواح فلسطينيين يسألون عن بلدٍ محتلّ، وعن مخيّم يعاني أهوال الحرب الأسدية، وعن عودة معطّلة، وعن هجرة تُصبح حلاًّ يتمثّل في خلاصٍ ما.
في هذا كلّه، تعكس الأفلام شيئاً من يوميات فلسطينية لأفرادٍ يروون، بالكاميرا ومعها، بعض الحميميّ والانفعاليّ في عيشهم داخل فلسطين المحتلّة، وخارجها.
يتفرّد "صيف غير عادي" بسرده مقتطفات من "سيرة شخصية" لمخرجٍ يعثر، في قبو المنزل العائلي، على أشرطة تسجيل عائدة إلى عام 2006، تعكس جوانب من يوميات أناسٍ يمرّون أمام كاميرا المراقبة الموضوعة أمام المنزل نفسه، لكشف من يُحطّم زجاج سيارة الأب مراراً. السيرة الشخصية مفتوحة على تفاصيل يومية تمتدّ 80 دقيقة، تتحوّل فيها الكاميرا إلى شاهدٍ لن يبقى أسير اليوميّ الفلسطيني العادي، بقدر ما يُثير مسألة العلاقة بالأهل والمدينة والذاكرة. هذا شبيهٌ بـ"عن الخبز والأرض" ("العربي الجديد"، 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2019)، إلى حدّ ما: الاستعانة بكاميرات المراقبة لتبيان أفعال جنود إسرائيليين بحقّ فلسطينيين. مع أنّ إيهاب طربيه غير مكتفٍ بهذه الكاميرات، فمشروعه يبدأ عام 2007: إعطاء كاميرات فيديو لمتطوّعين فلسطينيين بهدف تصوير الاعتداءات الإسرائيلية على فلسطينيين، وتحديداً على الأطفال الفلسطينيين، إلى جانب الاستعانة بأشرطة كاميرات المراقبة، الموزّعة في شوارع وأزقّة مختلفة.
لكاميرات المراقبة والفيديو دور أساسي في توثيق ذاكرة وتاريخ، فرديين وجماعيين. التوثيق حاضرٌ في "نكبة المناهج"، الذي يكشف أحد أخطر أفعال الاحتلال الإسرائيلي، المنتبه تماماً إلى دور المناهج التربوية في تغييب التاريخ الفلسطيني، وفرض تاريخ دولة الاحتلال بالقوّة. في مقابل هذا، يملك فلسطينيون (باحثون وأساتذة وأكاديميون وناشطون، يظهر بعضهم في الفيلم) وثائق تكشف حقوقاً فلسطينية في التاريخ والجغرافيا، مع وعي فلسطيني إلى أنّ "التاريخ يُغيِّر الجغرافيا"، وهذا تفعله إسرائيل ويواجهه الفلسطينيون بحزمٍ وثبات.
والتوثيق يجد في "كأنّنا عشرون مستحيل" مكاناً له في انعدام الحدّ الفاصل بين المتخيّل والواقع. فـ آن ماري جاسر تُعيد صوغ وقائع التعامل العنفي الإسرائيلي (لفظياً ومادياً) مع الفلسطيني، فتصنع فيلماً يبدو وثائقياً مع أنّه روائي، إذْ تعتمد على ممثلين يؤدّون أدواراً بشكل وثائقي. لعبة سينمائية تبدو كأنّها تُشير إلى أنّ انعدام الفواصل الفنية في اشتغال كهذا متأتٍ من انعدام الحدّ بين الواقع والمتخيّل في يوميات المواجهة: فالإسرائيلي يصنع جحيماً أرضيّاً، أو هكذا يُخيَّل إليه؛ والفلسطيني يتحدّى الإسرائيلي يومياً، بشكلٍ لن يتوقّعه المحتلّ غالباً.
منع فريق تصوير من المرور على حاجز إسرائيلي في منطقة جانبية للطريق العامّة، يكشف آلية عمل المحتلّ: فصل الفلسطينيين بعضهم عن البعض الآخر، بالارتكاز على بطاقات هوية كلّ واحد من أعضاء الفريق، الذي يضم فلسطينيين يحمل بعضهم جنسية إسرائيلية وأميركية، بينما البعض الآخر ممنوع عليه التجوّل في بلده المحتلّ. هذا اختصار لنصٍّ أعمق من مجرّد تفسير. أسلوب آن ماري جاسر، الذي يُلغي الحدّ بين الروائي والتوثيقي، يمنح الصورة مساحةً أكبر للبوح والكشف، بكاميرا غير ثابتة، فهي جزء من غليان اللحظة وأبعادها.
الكاميرا المهتزّة تظهر في "194، نحنا ولاد المخيّم" أيضاً، في لقطات عدّة توثّق محاولات فلسطينيين عديدين تنفيذ "حقّ العودة" إلى بلدهم المحتلّ، عبر الحدود مع سورية. الرقم في العنوان هو قرار صادر عن الأمم المتحدّة في 11 ديسمبر/كانون الأول 1948، بخصوص عودة اللاجئين الفلسطينيين (وتقرير وضع القدس). والمخيّم هو "مخيّم اليرموك" في دمشق. والزمن يترافق مع بداية "الثورة السورية" ضد نظام بشّار الأسد. قبل شهرٍ على بداية تلك الثورة، السلمية والمدنية والعفوية، يجد المخرج نفسه أمام وضعٍ صعب: عليه التزام خدمة عسكرية فلسطينية في سورية، في ظلّ خرابٍ يعتمل في نفوس وأرواح فلسطينيين يسألون عن بلدٍ محتلّ، وعن مخيّم يعاني أهوال الحرب الأسدية، وعن عودة معطّلة، وعن هجرة تُصبح حلاًّ يتمثّل في خلاصٍ ما.
في هذا كلّه، تعكس الأفلام شيئاً من يوميات فلسطينية لأفرادٍ يروون، بالكاميرا ومعها، بعض الحميميّ والانفعاليّ في عيشهم داخل فلسطين المحتلّة، وخارجها.