المأساة الفردية والجماعية: الأفلام حين تنحاز إلى الشخصي

01 سبتمبر 2018
من فيلم "دنكيرك" (يوتيوب)
+ الخط -
لعلنا تساءلنا يومًا: لماذا يحصل طفل واحد أو شخص واحد في أوقات الحروب على الأضواء كاملة، ويصبح رمزًا لمأساة معينة، مع أن هناك أناسا آخرين قد تعرضوا لمصير أسوأ. لماذا يحصل هو على كل هذا الانتباه؟ وقد حصل هذا مؤخرًا في السياق الفلسطيني مع عهد التميمي وقبله في سورية مع الطفل إيلان الكردي. ولعلنا تساءلنا أيضًا، لماذا يستجيب الناس للأفراد ولا يتفاعلون مع موت المئات في الحروب؟ لماذا حادث قتل فردي قد يحصل على تعاطف عالمي أكثر من حادث قتل جماعي قد يودي بحياة العشرات أو المئات؟

من زاوية علم النفس
قال جوزيف ستالين مرة: "عندما يموت شخص، فهي مأساة، ولكن عندما يموت مليون شخص، فهي مُجرد إحصائيات". وقالت الأم تيريزا أيضًا: "إذا نظرتُ إلى الصورة الكاملة، فلن تراني أتأثر أو أتفاعل". يتبيّن لنا أن ظاهرة تعاطف البشرية مع المأساة الفردية أكثر من الجماعية، هي ظاهرة علمية وموثقة كذلك، فقد وصفت ديبورا سمول وبولس سلوفك هذه الظاهرة بانهيار التعاطف. عندما ترتفع أعداد الضحايا، فإن مقدار التعاطف الذي يشعر به الناس ينخفض بشدة وتنخفض معها كذلك الرغبة في التبرع بالمال أو الوقت للمساعدة.
الدراسات الحديثة التي أجراها كيث بين مع داريل كاميرون سلطت الضوء على سبب حدوث ذلك. وجدت الأدلة أن ارتفاع عدد الضحايا، يدفع لإخماد مشاعر التعاطف لدينا. فعندما يتعرض المشاهد لمأساة جماعية أمامه، فستجده يسعى ليخفض من حجم انفعالاته خوفًا على نفسه من الصدمة، ويحدث هذا لاإراديًا قطعًا.

في الأفلام
عندما نناقش قضية المأساة الفردية والجماعية في الأفلام، فعلينا أن نراجع قدرة البشرية على رواية القصص، لأن الأفلام ليست إلا تعبيراً بصرياً عن قصة مكتوبة. عندما نروي القصص لأطفالنا، سواء كانت هذه القصص تاريخية أو قومية أو حتى دينية، فسنرى أنها تتمحور حول شخصية رئيسية "البطل/الشرير"، ورحلته في الخلاص، سواء بالانتصار أو الهزيمة، وقلّما أو حتى تكاد تنعدم القصص في التراث البشري التي تتحدث عن جماعة كاملة من دون التركيز على "شخصية مفردة" والتركيز على انفعالاتها مع الواقع والظروف، وهو ما انعكس لاحقًا في الأفلام، حيث كان التركيز دائمًا على الشخصية الفردية للتعبير عن المأساة الجماعية. استمرت الأفلام في عملية صناعة الأيقونة أو الرمز الجزئي والذي يعبر عن الكل، وهو ما يكون أقرب للطبيعة البشرية لاستجلاب تعاطفها ودفعها للتحرك تجاه القضايا المطلوبة.
ظهر هذا جليًا في رحلة هوليوود في السينما، فإذا نظرنا مثلًا إلى فيلم Saving Private Ryan سنجده يسلط الضوء على شخصية الجندي الأميركي ريان الذي مات كل أخوتهِ في الحرب، وأن على باقي فريقه أن يحافظ عليه حيًا وأن يعيدهُ إلى أمه بخير، من وسط معركة نورماندي في فرنسا في أثناء الحرب العالمية الثانية. يناقش هذ الفيلم أهمية الناجي الوحيد من العائلة وأهمية هذه العاطفة عند العائلات التي خسرت أبناءها في الحرب، وأنّ الجيش الأميركي يهتم بهذه القضية على وجه الخصوص. التركيز على شخصية الجندي ريان حقق هذه الغاية، حتى لو عنى ذلك قتل بعض الشخصيات في الفريق الذي كان في مهمة الإنقاذ، المهم أن تبقى الشخصية الرئيسة بخير، وهو ما يعني تحسين صورة الجيش وأن لديه جانبا إنسانيا يسعى لإنجازه. نجح الفيلم نجاحًا باهرًا، حيث كان من بطولة توم هانكس ومات ديمون ومن إخراج ستيفين سيلبيرغ
ناقشت هوليوود هذه الثيمة وهذا الموضوع أكثر من مرة مؤكدة الظاهرة التي أكدها العلم والتاريخ. في فيلم The Book Thief على سبيل المثال، حاول المخرج التركيز على قضيتين مهمتين، وهما القراءة ورواية القصص ومأساة اليهود في الحرب العالمية الثانية. نُوقشت هاتان القضيتان بشكل فردي وجزئي في محاولة لشرح الصورة الكاملة وكسب التعاطف المطلوب، فكانت شخصية ليزلي هي "سارقة الكتب" والتي سُمي الفيلم والكتاب قبله باسمها، وأيضًا شخصية "ماكس فاندنبورغ"، وهو شخصية اليهودي المختبئ في قبو عائلة ليزلي والذي يُشكل رمزًا للمأساة الجماعية لليهود في تلك الفترة. وفي نفس سياق مأساة اليهود، فإن فيلم The Pianist يعد من الأفلام الأيقونية التي تناقش القضية بالتركيز على شخصية واحدة وهي شخصية العازف اليهودي البولندي من بطولة أدريان برودي.

المأساة الجماعية
عند الحديث عن المأساة الفردية في هوليوود، فإن الحديث لا ينتهي. أما عند الحديث عن الأفلام التي تلغي الدور الفردي وتركز على البطولة الجماعية، محاولة إظهار الأفراد على أنهم "ترس" في آلة أكبر، فهي أفلام لا تناشد العاطفة عند المشاهد وإنما الحِس التاريخي فقط. عندما يغيب الفرد على حساب الجماعة، يصير الفيلم فيلمًا وثائقيًا، ولا يمكن له أن ينجح وأن يحقق نجاحًا في الساحة الكبيرة مثلما تفعل أفلام البطولة الفردية، ولنا خير مثال على هذا، فيلم Dunkirk من إخراج كريستوفر نولان، والذي يروي قصة استخراج جنود الحلفاء العالقين في خليج دنكيرك. أحداث الفيلم مبنية على قصة حقيقية، وفي نفس الوقت لم يكن هناك تركيز على أي شخصية مُعينة أو على تفاعلاتها من عملية الاستخراج أو حتى بعلاقاتها مع الأشخاص والمكان من حولها، أو حتى بتفاعلات الشخصية مع نفسها.
غياب البطل، أدى إلى حجب التفاعل العاطفي مع الفيلم، وهو عكس ما أراد نولان إيصاله (أو هكذا نظن)، فهو الذي أخرج ثلاثية باتمان وعدد كبير من الأفلام التي تركز على الشخص الواحد أو البطل الواحد أو "الشرير" الواحد.
المساهمون