المطبخ التركي: ثقافة طعام تجلب السائحين والمال

18 ديسمبر 2019
اللحم مِن أسس المطبخ التركي (العربي الجديد)
+ الخط -
اقتصاد تركيا احتل المرتبة السادسة عشرة عالمياً، وجيشها احتل المركز السابع عالمياً، وتسعى البلاد للدخول إلى نادي الدول العشر الأقوى في العالم، في ذكرى تأسيس الجمهورية عام 2022. لكنّ السياسة والاقتصاد والقوة العسكرية ليست كلّ شيء في بلاد أتاتورك، بل تعتمد أيضاً على الدراما والسياحة.

وربما بهذه "القوى الناعمة" والممتعة، يستكمل الحلم التركي، فالدراما التي تدخل المنازل في نحو 150 دولة حول العالم، عززت السياحة. كما عززت السياحة، عززت من دور الدراما، فبات المتلقون، أو معظمهم، يربطون بين ما شاهدوه في تركيا وما يتابعونه على الشاشات الفضية. أما الطعام التركي، فكانت خدمته من كلتا القوتين الناعمتين، إلى حدّ بات معه المطلب الأهم ربما، وينافس المواقع الأثرية.

للطعام التركي قصص عدة، منها الجدال حول الفضل الأول أهو للأتراك أم للسوريين، لا سيما الحلبيين. ومنها قصص انتقال مأكولات تركية إلى المطابخ العالمية، ويدافع الأتراك عن حقوق ملكيتها، كما يدافعون عن تاريخهم وأمجادهم العثمانية. وكان محافظ أضنة محمود دميرتاش، قد ذكر خلال مهرجان طعام أضنة العام الماضي أنّه "عندما نرى دولاً تتبنى أكلات ليست من حضارتها، نعلم أنّنا نحتاج إلى حماية أكلاتنا التقليدية التي اخترعها أجدادنا، ولهذا فإنّ المهرجان سيعطي الفرصة للعالم كي يروا أكلات أضنة كلّها في مكان واحد".

ما بذلته تركيا على الطعام خلال القرن الماضي، تعدى ما كان يعرف عنها من ذي قبل، عندما ارتبطت ثقافة الطعام بمعيشة سكانها وطبيعة بلادهم، فاقتصرت على اللحوم والحبوب، فلم يعرف عن المطبخ القديم، سوى الحساء ومشتقات الألبان واللحوم، والفاصوليا الجافة والحمص والبرغل. وذلك قبل أن تتأثر بطعام وحلويات الدول التي حكمتها في إطار الدولة العثمانية، وقبل أن تخصص كليات لتعليم فنون الطعام، بل تخصص مهرجانات واسعة، ليس للطعام عموماً فقط، بل هناك مهرجانات لأنواع محددة مثل "مهرجان أضنة المختص بالكباب".

وقبل أن نأتي على ذكر أهم الأكلات التركية أو الطباخين الذين نالوا شهرة عالمية، سنعرج سريعاً على إنفاق السائحين على الطعام والشراب، فهيئة الإحصاء التركية قالت قبل أيام، إنّ عدد السائحين الذين زاروا تركيا خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، اقترب من 40 مليون سائح، وبلغ إنفاقهم على الغذاء والمشروبات 5.1 مليارات دولار أميركي، بل شكلت نفقات السياحة الوافدة على الغذاء والمشروبات، نحو 19.2 في المائة من إجمالي إيرادات السياحة في تلك الفترة والبالغة 26.6 مليار دولار. وإنفاق السياح على الطعام هذا العام، ليس طارئاً، ففي العام الماضي، توافد إلى تركيا 46 مليون سائح، 10 في المائة منهم كانوا عرباً، وأنفقوا نحو 5.5 مليارات دولار على الطعام، وبلغ الإنفاق على الطعام من سائحي عام 2017 نحو 6 مليارات دولار.

يعتبر مختصون أنّ شهرة بعض الطهاة الأتراك مثل نصرت، وبوراك، زادت من سياحة الطعام في تركيا والسعي لالتقاط صور مع نجمي مواقع التواصل الاجتماعي، بل تأكيد الوفود السياحية على البرامج التي تتضمن زيارة مطاعم نصرت وبوراك، ربما اقتداء بزعماء العالم الذين يؤكدون على زيارة تلك المطاعم وأخذ الصور مع مالكيها.

حلويات تركية (العربي الجديد) 

















نصرت غوكشيه أو "حبيب الملح" كما تنعته الوسائل الإعلامية، تعدى بشهرته تركيا، ففتح فروعاً لمطاعمه في قطر والإمارات والولايات المتحدة، بعدما سلط الإعلام الضوء على نجاحاته عبر الحركة التي اشتهر بها وهو يرش الملح على الطعام والطريقة التي يقطع بها اللحم، وهو يلعب بالسكين بطريقة استعراضية مثيرة.

لا يقل بوراك أوزدمير أو "حبيب العرب" كما يصفه الإعلام، شهرة عن نصرت، خصوصاً بعد مقاطع الفيديو التي يشاركها وطريقته الاستعراضية في طهي الطعام بأحجام وكميات مهولة، وزيارة نجوم وزعماء عالميين مطاعمه، ومن بينهم الممثلة الأميركية، سفيرة الأمم المتحدة الإنسانية، أنجيلينا جولي، ولاعب كرة القدم البرازيلي رونالدينيو، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ثم أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني. يستهدف بوراك العرب بشكل أكبر، خصوصاً أهل الخليج العربي، وقد حاول التحدث بالعربية في أحد لقاءاته الصحافية، كما أنّ قائمة الطعام في فرع "إتلير" الذي يوجد فيه الشيف بوراك مكتوبة باللغة العربية.

حققت تركيا انتشاراً دولياً من خلال علامات غذائية معروفة، ومن بينها سلسلة مطاعم "مادو" ومحلات حلويات "حافظ مصطفى" التي تعود إلى العهد العثماني، ومقهى "عشق" على مضيق البوسفور، ومطعم "أولوس" وسط حديقة أولوس المرتفعة والمطلة على مضيق البوسفور، وغيرها عشرات من المطاعم التي بلغت شهرتها العالمية.
تأتي اللحوم في مقدمة الطعام التركي المشهور، كالكباب الأضني، والأورفلي، واللحم بعجين، وكيدي باتماز (اللحم الأحمر ودقيق الذرة يضاف إليه الجوز)، وكاز باشي (قطع من لحم الخروف الكبيرة المشوية على الفحم)، والشاورما التركية، وأديامان طافاسي (لحم الخروف مع خضر كالباذنجان والطماطم والفليفلة والبصل)، وأرز بخارى (قطع لحم الخروف والأرز والحمص يضاف إليها كثير من البهارات)، والمومبار (أمعاء العجل) والكركات (أمعاء الخروف الدقيقة تنظف جيداً وتحشى بالأرز)، وأنالي كزلي (حبات من الكفتة المحشوة باللحمة الناعمة، وتشتهر في كلّ من أنطاكية، وغازي عنتاب، وقيصري، وتوكات، وتشوروم، لكنّ أصلها من مدينة أضنة)، فضلاً عن الكفتة بأنواعها وأشهرها، فلاح كوفتسي (حبات الكفتة تصب فوقها صلصة الطماطم والفليفلة والثوم).
تشتهر تركيا بالكبة بأنواعها؛ مقلية ومشوية ونيئة، وبأنواع كثيرة من الشوربات، مثل شوربة قمحي (تحضر من القمح المنزوع القشر واللحم الأحمر) وشوربة العدس، وشوربة مايير (تتكون من اللبن والحمص والباذنجان والبصل).
وربما تأتي الحلويات في مقدمة إغراءات الطعام التركي، منها بيجي بيجي، وصاري بورما، وقراقوش، وطوباق، والبقلاوة، وشيليك، وتريليتشا، وشامبلا (راحة الحلقوم)، والكنافة التركية، مع الإشارة إلى أنّ العديد من الحلويات التركية يصنع بالعسل الطبيعي، والفواكه، والمربى، ودبس التوت البري الأحمر، بطريقتها التقليدية التي كان يصنعها الأتراك قديماً، بشكل يسهل تخزين الحلويات، ليسهل التنقل والترحال بها.

عربة مخبوزات في الشارع (العربي الجديد) 

















مأكولات الشوارع جزء آخر من المطبخ التركي. يأتي السميط في مقدمتها، وهي مخبوزات مغطاة بالسمسم ومحشوة بالجبن أو من دونه، وتنتشر على عربات الباعة بالشوارع التركية. وهناك البوريك التركي، والكفتة النيئة، وشطائر السمك المنتشرة بإسطنبول والمدن الساحلية، وكوكوروتش التي تتكون من أمعاء الخروف لكن من دون حشوها بالأرزّ أو اللحم، بل تشوى وتقطع إلى قطع صغيرة مع البصل والليمون والبهارات وتلفّ في شطائر. وهناك الكومبير، وهي حبة بطاطا مشوية كبيرة الحجم تحشى بحسب الطلب بحشوات مختلفة مثل الخضر والسلطات، وهناك البطاطا المهروسة والمخللات، بالإضافة إلى التافوك بيلاف وهي عبارة عن أرزّ وحمص مضاف لهما اللحم أو صدر الدجاج مع صلصات بحسب الطلب. كذلك، فإنّ الكستناء المشوي المحمص ينتشر مع حلول فصل الشتاء.
دلالات
المساهمون