الأكل التراثي القطري: موائد رمضانية افتراضية

15 مايو 2020
مدفع رمضان في "سوق الواقف" الشعبي (Getty)
+ الخط -
أدّى حلول شهر رمضان هذا العام، مع انتشار فيروس كورونا، إلى التقليص من طقوس وعادات تميّز بها شهر الصيام على مر السنين، أبرزها الموائد الرمضانية التي تجمع الأسرة والأهل والأقارب، وأثّرت الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة في قطر لمواجهة فيروس كورونا، وأبرزها التباعد الاجتماعي، على نوعية المائدة الرمضانية قياساً مع السنوات السابقة، فقد أغلقت المطاعم والمقاهي أبوابها، وغابت عن الفنادق والمطاعم الخيام الرمضانية، ما دفع أهل قطر إلى إعداد الطعام المنزلي، لتتصدر المأكولات التراثية موائد الإفطار والسحور، وتحوّلت "الغبقة"، وهي الوليمة التي تجمع الأهل والأصدقاء بعد منتصف الليل، إلى لقاء عبر الشاشات فقط.

وشهدت "غبقة البوحليقة" السنوية تجربة جديدة من نوعها منذ انطلاقتها قبل ثلاثة عشر عاماً، إذ عقدت من خلال برنامج ZOOM الرقمي لتصبح أول تجربة لغبقة إلكترونية على مستوى البلاد، وشارك فيها 10 متحدثين وتابعها العشرات.

يقول الباحث في التراث الشعبي القطري، صالح غريب، الذي شارك في الغبقة، لـ"العربي الجديد": "الغبقة الرمضانية الشعبية تقليد رمضاني موغل في القدم، اشتهر به أهل الخليج عامة وقطر خاصة، وهو عشاء رمضاني في وقت متأخر من الليل يسبق فترة السحور يجتمع فيه الرجال في مجلس والنساء في آخر، على ولائم رمضانية أطلق عليها اسم «الغبقة» المشتق من الغبوق، أي شرب حليب الإبل ليلاً وعكس الغبوق الصبوح، وهو الحليب الذي يشرب في ساعات الصباح الأولى".

يشير غريب إلى حرص أهل قطر على إحياء هذا الموروث الشعبي والتقليد الرمضاني طيلة أيام الشهر، وهناك من ينظمّ هذه العادة فتكون دورية لدى أهالي "الفريج" الواحد بحيث تكون "الغبقة" كل يوم عند فرد، وهكذا حتى انتهاء الشهر الفضيل. يضيف الباحث: "في ظل الجهود المبذولة لمواجهة جائحة فيروس كورونا، اختلفت الغبقة الرمضانية هذا العام، وأخذت الشكل الإلكتروني، عن بُعد، كما حدث في "غبقة البوحليقة" التي شاركت فيها حول الجانب الثقافي والاجتماعي مع عدد من الشخصيات القطرية، باستخدام تقنية الاتصال المرئي عبر برامج البث، فقد ظهرنا معاً في "الغبقة" كصورة وكأننا في المجلس نتحاور وجهاً لوجه، وهذا شكل من أشكال التطويع للوضع الراهن الذي شمل مختلف مجالات الحياة، وإن كنت شخصياً أحنّ "للغبقة" التي عشت طول عمري أشاهدها وأحضرها وأقيمها، سواء في المجلس أو المطاعم والفنادق التي بدأت قبل سنوات بإقامة الغبقات عبر الخيم الرمضانية، وتقدم فعاليات موسيقية وبوفيهات حديثة، إلا أن الغبقة الشعبية هي الأهم، خصوصاً غبقة السمك بالرز، ويعرف بـ "عيش محّمر" بسمك الصافي أو صالونة الكنعد وغيرها".



وإذا كانت الغبقة قد أصبحت إلكترونية، تحت وطأة كورونا، فعلى العكس تماماً، عادت المأكولات الشعبية إلى صدارة الموائد القطرية. وتقول الباحثة القطرية، ميرفت إبراهيم، لـ "العربي الجديد"، إن الأكلات التراثية تُضفي على المائدة نكهة خاصة تزيد من بهجة الأجواء الرمضانية، وهذا العام نتيجة الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا، أصبح وجود هذه المأكولات أساسياً ويومياً، ويجرى تحضيرها داخل المنزل، رغم إمكانية طلبها من المطاعم أو المطابخ التي ما زالت تعمل في إطار الطلبات الخارجية فقط، مع وجود خدمة التوصيل.
وعن هذه الأطباق التراثية التي عادت بقوة إلى الموائد القطرية، تشير إبراهيم إلى أن "الثريد" و"الهريس" و"المجبوس" و"البرياني" مأكولات ثابتة وفي صدارة مائدة الإفطار، إلى جانب "المضروبة" و"السمبوسة" بأنواعها، سواء مع اللحم أو الدجاج أو الخضار، فضلاً عن الأطباق الجانبية، مثل "الجريش" والشوربات والسلطات، وكذلك الحلويات وفي مقدمتها "اللقيمات" و"الخنفروش".

تشرح سيدة الأعمال مكونات أشهر المأكولات القطرية، فـ"الهريس" يصنع من القمح المهروس مع اللحم ويضاف إليه السمن البلدي والدارسين "القرفة" المطحونة، أما "الثريد" فهو خبز رقيق يحضر بواسطة "التاوة"، وهي صفيحة من الحديد السميك دائرية الشكل غالباً، تقوم المرأة بمسح طبقة رقيقة من العجين فوقها بعد أن تحمى جيداً، ويقطع الرقاق قطعاً صغيرة ثم يسكب عليه مرق اللحم المصحوب عادة بقطع من البطاطا وغيرها.

كذلك تقدم القهوة العربية بنكهة قطرية، وغالباً ما يجرى تصنيعها يدوياً في البيت وتتميز عن القهوة العربية المعروفة بلونها الفاتح ويضاف إليها الهيل، وتترافق مع التمر.
ومن الحلويات "اللقيمات" التي تصنع من الحليب والهيل والسمن والزعفران والعجين المختمر، تقطع وتقلى حتى الاحمرار ثم توضع في سائل السكر أو الدبس. أما "الخنفروش" فيُحضّر من مكوناتٍ بسيطة، من أهمها الطحين والبيض، وتضاف إليه النكهات المختلفة، ويكون على شكلِ دوائرَ صغيرة مَقلية أو محمّرة فوق صاج حديدي.



وتوضح إبراهيم أن العودة إلى المأكولات التراثية لا يعني غياب المأكولات الشهيرة الأخرى، كالحمام المحشي أو الدجاج المحمر أو المعكرونة والأرز والأسماك غير ذلك، لكن الفرق هو أن إعداد الطعام أصبح منزلياً مائة بالمائة في ظل انتشار فيروس كورونا.
المساهمون