بريجيت باردو وزملاؤها... الجزائر حين تخرج اليمين عن طوره

18 يوليو 2019
باردو مصدومة (Getty)
+ الخط -
لا يبدو أن الجرح الذي سببته الجزائر في مخيلات الفرنسيين، وخاصة اليمين المتطرف وكل من يستبد بهم الحنين إلى الزمن الكولونيالي الغابر، سيندمل سريعاً. وفي كل مرة يكون فيها الحديث عن الجزائر، تنتفض أصواتٌ منددة بالجزائريين، مستذكرة تاريخاً من توتر العلاقات بين البلدين. ليس غريباً أن تكون بريجيت باردو، الممثلة السابقة، والتي هي زوجة لأحد مسؤولي حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، سباقة إلى وصم العرب والجزائريين، خصوصاً أن لها مواعيد سنوية منتظمة لدى مسلمي فرنسا، حين يتعلق الأمر بأضحية العيد، وهو ما لن يتأخر. 

شاءت المصادفة فقط أن يتأهل الفريق الجزائري لكرة القدم لنهائي كأس أفريقيا لكرة القدم، يوم احتفال فرنسا بعيدها الوطني، فعبر الجزائريون عن فرحتهم، وقد فعلوها، أيضاً، أثناء تأهل فريق بلدهم لنصف النهائي. ومثل كل تظاهرة كبرى، قد تحدُث أعمال شغَب، وقد جرت، واستطاعت قوى الأمن الفرنسية السيطرة على الوضع. لكن باردو، رأت في الأمر أكثر مما يمكن تفسيره، فغردت: "أنا مصدومة أن يتحول 14 يوليو/تموز إلى عيد وطني جزائري".


ليست باردو وحدها من التقط المناسبة، فها هو جوليان أودول، القيادي في حزب "التجمع الوطني"، يستبق مقابلة الجزائريين ضد النيجيري، فيغرد، بشكل وقح: "من أجل تجنب أعمال عنف ونهب، ومن أجل تجنب بحر من الأعلام الوطنية الجزائرية، ومن أجل الحفاظ على عيدنا الوطني، لن ننتظر شيئاً من وزير الداخلية، ولنضع ثقتنا في 11 لاعباً نيجيرياً. أدعم نيجيريا..". لكن اللاعبين النيجيريين، بفضل عزيمة الجزائريين، خذلوه.

ثم يعود جوليان أودول ليتهم الجزائريين بأنهم متعودون على العنف: "أستنتج، مثل ملايين الفرنسيين، أن نفس الأشخاص هم من يتسببون في مشاكل. أمس، كانت ثمة مقابلة مع السنغال، فلم يحدث شيء مع السنغاليين".  وفي نفس اللجوء إلى الاتهامات والوصم، يغرد: "متى ستدركون أن كرة القدم، بالنسبة لهؤلاء "المشجعين" الجزائريين، ليست سوى مبررٍ للتعبير بكثافة وعنف عن رفض لفرنسا ولِقِيَمها؟ إن كل مقابلة للجزائر هي هزيمةٌ للجمهورية (الفرنسية)".


يعلق هذا المسؤول السياسي على تصريح ساخر ومنفعل لمشجع جزائري يقول فيه: "لقد استولينا على باريس أسرع من الألمان، في ثلاث ساعات"، فيغرد، في مبالغة مكشوفة: "المقارنة مرعبة. إن هذا الفرد وكل من يدافع عن كلامه، يَعتبرون "الفرنسيين" من أصول جزائرية مثل جيش احتلال".

هذا الكم من الحقد، عبرت عنه، أيضاً، مارين لوبان، التي سارعت للتعليق على خبر كاذب مفاده أن سائق سيارة جزائري وهو مشجع للفريق الوطني الجزائري دهس سيدة، فغردت: "وفاة أم دهسها مشجع جزائري: إلى هنا يقود تسامح الدولة وغياب حركتها"، بينما ثبت، لاحقاً، أن السائقَ من أصول مغربية ولا علاقة له بكرة القدم.

أما القيادي الآخر في الحزب، جوليان سانشيز، فقد انتقد ما اعتبره تواطؤ وسائل الإعلام الفرنسية مع الجزائريين، فغرد، معلقاً على ما نشره داميان ريو، تحت وصف "صور غزوات لا ترونها في وسائل الإعلام"، بالقول: "بالنسبة للعديد من وسائل الإعلام (الفرنسية)، فالأمر يتعلق بأجواء مَرحة".

وعوْداً إلى ما جرى في جادة الشانزيليزيه ومدن فرنسية أخرى، كمارسيليا وليون، بعيد تأهل الفريق الجزائري للنهائيات، غرد الفائز الأكبر في الانتخابات الأوروبية، جوردان بارديلا، من حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف: "القنوات الإعلامية تسبح من أجل إخفاء "السوق" الجزائري الضخم الذي تقمصته مدنُنُا، في يوم عيد وطني فرنسي، نظرياً".

الطريف أن القيادي من أصول مصرية، في "التجمع الوطني"، جان مسيحه، كان أكثر ثرثرة وأكثر قسوة في انتقاد الجزائريين، فغرد منتقداً ما اعتبره تواطؤاً من وسائل الإعلام في تغطية ما جرى، معتبراً إياها "أخباراً كاذبة". ولم يفته تصريح المشجع الجزائري عن السيطرة على باريس في ثلاث ساعات، فعلق مسيحه: "إن هؤلاء الأغبياء ينسون أنه في سنة 1944 طُرد الألمان خارج فرنسا، كما يجب.. ".
وأضاف في تغريدة أخرى: "عش كما لو كنت في الجزائر، عش في الجزائر، عش من أجل الجزائر.. ولكن أن تعيش في فرنسا وتحطم وتحرق فرنسا، وتعتدي في فرنسا، وتسب فرنسا و"تغتصب" الفرنسيين وتمتص الإعانات والمساعدات الاجتماعية. سنوقف هذا سنة 2022"، في تلميح إلى أمل الحزب اليميني المتطرف في الفوز في رئاسيات 2022.

في تغريدة أخرى، يستعيد جان مسيحه تاريخ فرنسا الكولونيالي في الجزائر: "لقد تخلينا عن الجزائر الفرنسية سنة 1962، من دون شك لم يكن ممكناً تجنب الأمر. ولكن تصرفات العديد من الجزائريين والفرنسيين-الجزائريين في فرنسا تبرهن على أنه لديهم النية في إنشاء فرنسا جزائرية. فهل من الممكن تجنب هذا؟ نعم، مع حزب التجمع الوطني".

يواصل القيادي في "التجمع الوطني"، انتقاده للمشجعين الجزائريين، ويتساءل عن سبب غياب مواجهات وشغب هؤلاء المشجعين في مصر، وفي الجزائر. ثم يسخر من قادة فرنسيين يصفون الأمر بـ"حماس شعبي". ثم يتساءل في تغريدة أخرى، إن كانت فرنسا: " أصبحت بلداً أفريقياً"، وعن غياب "أي إدانة من طرف السلطات الجزائرية".

لقد نجحت الإنجازات الكروية الجزائرية في مصر وتشجيعات الجزائريين في فرنسا والفرنسيين من أصول جزائرية، وبعض تجاوزاتهم غير المقبولة، في إخراج اليمين المتطرف والعنصري من أطواره. وهو ما يؤكد أن نُدوب الاحتلال والخروج "القاسي" و"المؤلم" من الجزائر لا تزال عصية على الالتئام.
دلالات
المساهمون