يروي الفيلم الذي أخرجته وكتبته الراهب، قصة طفلة سورية في الـ11 من عمرها (ماري الصفدي)، تقطن مع عائلتها في مخيم للاجئين السوريين في لبنان، وتستيقظ يوميًا على كوابيس تعكس حجم العنف المخزن في ذاكرتها، تضاف إليها المعاناة اليومية التي تتكبدها مع أسرتها، إذ تفرض الحياة القاسية عليهم العمل في الحقول المجاورة.
عمل شاق لأوقات طويلة بأجور زهيدة لا يبرر التقاعسَ عنه، عجزُ الأب (مكسيم خليل)، الذي يتنقل على عكاز، أو تكورُ بطن الأم (نجلاء خمري)، في شهرها الأخير من الحمل، أو مقعدٌ مدرسي لأطفالهم... رسائل مكثفة حاولت الراهب إيصالها في فيلمها بإمكانيات محدودة، وفي زمن قصير لا يتجاوز ربع ساعة.
عنف الحياة المتراكم على كاهلي الأب والأم، والسعي الدؤوب لتأمين أجرة الخيمة التي يسكنون فيها، وتراكم الديون يدفع بهما لتزويج طفلتهما لابن جارتهما (واحة الراهب)، الذي يكبرها بـ25 عامًا، بعدما أجادت إقناعهم "كلنا تزوجنا أطفال وربينا شباب، عرسان شباب ما عاد في، انقتلوا بالحرب أو هجوا برات البلد".
تقول الراهب في تصريح خاص لـ"العربي الجديد": "يعكس الفيلم ما آل إليه حال السوريين من تشرد وضياع وفقر في مخيمات اللجوء، بشكل كرّس اضطهاد المرأة والطفلة والإنسان السوري بشكل عام"، وتضيف: "هو صرخة للتحذير من تفشي ظاهرة زواج القاصرات، المخالفة للدستور والقوانين السورية والإنسانية، وتعرية أسبابها كنتيجة للحرب الهمجية، والذهنية المتخلفة التي تطفو على السطح في الأزمات".
وتشير الراهب إلى الوضع المعيشي السيئ الذي يكابده السوريون اللاجئون في لبنان يوميًا، بالقول: "يزعم كثيرون أن الاقتصاد اللبناني يُهدر على اللاجئين السوريين، في الوقت الذي يعيش فيه مواطنونا داخل خيم من النايلون أرضيتها من الإسمنت، ويضطرون لدفع أجرتها من عملهم وعمل أطفالهم في الحقول"، متساءلةً: "أين مساعدات الأمم المتحدة إذًا؟!".
أكدت الراهب أن الفيلم جاهز إلا أنها ستتروى في عرضه لمنحه فرصة المشاركة في المهرجانات، آملة بأن يساهم في إيصال صوت السوريين إلى العالم، وأن يكون له دور فعال في دعم حملات التوعية لقضايا العنف ضد المرأة، والحد من ظاهرة زواج القاصرات.
توضح الراهب لـ"العربي الجديد"، بالقول: "ينتمي الفيلم لفئة أفلام حقوق الإنسان، التي تحظى بفرص ضئيلة في المشاركة بالمهرجانات الكبرى، بسبب ميزانيتها الضعيفة". وتضيف: "لم تساعدني الميزانية على صناعة الفيلم بالطريقة التي كنت أطمح أن أصنعه بها، وخاصة أن من قرأوا واختاروا النصوص أجمعوا على أهمية السيناريو، لكنّ الميزانية لم تكن كافية للمواقع العديدة التي صور فيها الفيلم، والممثلين الكثر الذين شاركوا فيه".
كما أشارت الراهب إلى الصعوبات التي واجهتهم خلال التصوير، في مخيم "بر الياس" في البقاع اللبناني، وقالت: "كان الوضع بائسًا للغاية في مخيم اللجوء، وصورنا هناك بصعوبة كبيرة، بسبب الإجراءات الروتينية التي تتطلبها العملية".
وتابعت: "واجهتنا تعقيدات أيضًا بسبب الميزانية المحدودة، كان من الممكن أن أصور أيامًا أكثر، وأشعر بالراحة أكثر من ناحية التعامل مع الأجهزة والإضاءة، لإضفاء سوية أفضل للفيلم، لو توفرت الميزانية المناسبة". وأضافت: "بعض الفنانين السوريين فضّل التبرع بأجره، مثل الفنان مكسيم خليل، الفنانة نجلاء خمري بدورها، كذلك حاولت التبرع بأجرها حتى اللحظة الأخيرة"، وأشارت الراهب إلى أنها عملت كممثلة ومخرجة وكاتبة ومنتجة منفذة من دون أجر أيضًا.
يذكر أنّ واحة الراهب كاتبة ومخرجة وممثلة سورية، حصلت على إجازة في الفنون الجميلة من جامعة دمشق، ودبلوم دراسات عليا في السينما من باريس، مثلت عدة أدوار رئيسية في أعمال سورية سينمائية وتلفزيونية ومسرحية هامة.
حازت على عدة جوائز عن أفلام ألفتها وأخرجتها، من بينها الميدالية الفضية في مهرجان "قليبية" بتونس، عن فيلمها الأول "منفى اختياري"، والجائزة البرونزية وجائزة المرأة في مهرجان "دمشق السينمائي" عام 1991، عن سيناريو فيلمها الروائي التسجيلي القصير "جداتنا"، وجائزة الشعلة البرونزية بمهرجان "بيونغ يانغ السينمائي الدولي"، عن فيلمها السينمائي الطويل "رؤى حالمة"، الذي اقتُني في متحف وأرشيف السينما اليابانية العالمية، كأول فيلم سوري عربي يحفظ لـ4 قرون.