يقال إن الفن رسالة، وإن الفنانين أكثر تأثيراً في الشعوب من السياسيين والكتاب والصحافيين. ويروي التاريخ قصصاً عن فنانين ساهموا في تغييرات كبيرة في دولهم، وآخرين دخلوا عالم السياسة ليتمكّنوا من تحقيق أحلامهم ونشر أفكارهم. ولعلّ حملة كشف المتحرشين الأخيرة حول العالم، والتي أطلقتها فنانات قرّرن كسر حاجز الصمت والخوف، دليل إضافي على تأثير الفنانين/ات على الرأي العام. لكن ماذا عن العالم العربي؟
يرتبط أغلب فناني العالم العربي، تحديداً هؤلاء الذين يتمتعون بشهرة واسعة، بالحكام والأنظمة في دولهم. ونتيجة لهذا الارتباط، يصبح صعباً جداً التعويل على مواقفهم الإنسانية أو الأخلاقية أو السياسية. ولعلّ الأشهر الثلاثة الأخيرة تعكس بشكل واضح حجم تملّق هؤلاء واستخدامهم للمواقف الإنسانية والسياسية بما يخدم مصالحهم ومصالح الأنظمة التي يرتبطون بها:
التحرّش الجنسي
مع انتشار موجة كشف المتحرشين في عالم صناعة الفن حول العالم، خرجت مئات الفتيات العربيات أيضاً عن صمتهنّ وبدأن بالكشف عن تعرضهنّ للتحرش، من خلال تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي. وكان من بين المفضوحين، شخصيات شهيرة على مواقع التواصل.
بموازاة هذا الحراك الإلكتروني، التزمت الفنانات العربيات الصمت بشكل مريب، علماً أن أكثر من واحدة بينهنّ سبق وتحدّثت عن التحرش الجنسي. لكن تحت أضواء الإعلام ومواقع التواصل، رفضن الانضمام إلى موجة كشف المتحرشين. حتى الفنانة التونسية هند صبري، التي اشتهرت بنشاطها الاجتماعي والإنساني، اكتفت بالقول إن هناك تحرشاً جنسياً في الوسط الفني العربي، رافضة الكشف عن الأسماء أو عن أية حوادث حصلت.
حادثة أحلام
بين أغنية "قولوا لقطر" التي غنّتها مجموعة من الفنانين الإماراتيين بهدف مهاجمة قطر، وبين تغريدة أحلام التي انتقدت فيها بطريقة مبطّنة وهادئة الأغنية (التي قيل إنها أوبريت)، وبعد أقل من ساعات، انتهت بفصل الفنانة الإماراتية أحلام من عملها في mbc كعضوة في لجنة تحكيم برنامج "ذا فويس". ماذا حصل بعدها؟ ولا أي شيء حقيقي. لم يتضامن معها أي فنان، حتى هؤلاء الذين كانوا زملاءها في لجنة تحكيم "ذا فويس"، أو أولئك الذين رافقوها على مدى سنوات في لجنة تحكيم "آراب آيدول". التزم كل الفنانين الصمت، خوفاً من غضب إماراتي أو سعودي، أو من غضب قناة mbc نفسها.
القدس
منذ بدء حصار قطر، في شهر يونيو/حزيران الماضي، أغرق الفنانون السعوديون والإماراتيون حساباتهم بتغريدات معادية لقطر، وصولاً إلى أدائهم أغنيتين تهاجمان قطر والقطريين (علّم قطر، وقولوا لقطر). مع إعلان دونالد ترامب القدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، التزم أغلب هؤلاء الفنانين الصمت، في تماشٍ واضح مع سياسات أنظمتهم: رابح صقر، ماجد المهندس... وغيرهما من الفنانين، لم يكتبوا عن القدس. في حين كتب عبد المجيد عبدالله: "اللهم احفظ لنا الأقصى وأهله وآمنا في أوطاننا وأدم علينا نعمة الأمن والأمان. اللهم من أراد بلادنا بسوء فأشغله بنفسه ورد كيده في نحره واجعل تدبيره في تدميره".
Twitter Post
|
الأعمال الإنسانية
مقابل كل هذا النفاق، نجد فنانين عربا يقومون بأعمال خيرية وإنسانية، لتتحوّل فقط إلى صور تُنشر في الإعلام. فيما يبحث آخرون عن لقب فقط مثل "سفير النوايا الحسنة"، من دون أي إنجاز حقيقي على أرض الواقع. وعلى خط موازٍ لهذا الاستعراض الإنساني، نرى تماهياً بين أغلب الفنانين وأنظمتهم، فتوجّه للقادة تحيات في الحفلات وعند استلام الجوائز، وتغنّى لهم الأغاني. نذكر، على سبيل المثال، ما يحصل في مصر، من تدجين لأغلبية الفنانين (باستثناء قلة قليلة)، وما يحصل في سورية.
(العربي الجديد)