المدن الذكية في العالم العربي

08 ابريل 2015
التطور لإنشاء مدن ذكية ( تيم روبارتس/Getty)
+ الخط -
تعتبر المدينة رقعة جغرافية حضارية، تقطن بها كثافة سكانية كبيرة تحظى باهتمام بالغ من طرف الدول من خلال تحديد سياسات لتطوير وتنمية المدينة والارتقاء بالمجال الحضاري، باعتباره ملاذاً خصباً توجد فيه مؤسسات الدولة ويتمتع بتنوع اقتصادي يدعم ريادية الأعمال من حيث الاستثمار والتشغيل. تتميز المدينة بنظام إداري يضبط معادلة الأمن والحرية ويوفر مرافق خدمية تسهل الحياة اليومية على المواطن.

وفي هذا النطاق، يعيش العالم تغييرات جذرية من تزايد سكاني، تهديدات أمنية، عولمة اقتصادية، تقدم تكنولوجي، تنافس في الأسواق وسرعة في اتخاذ القرار، الأمر الذي يحث المدينة على مواكبة هذه التطورات، بل استباقها من حيث التخطيط والتنبؤ عبر التحلي بمستلزمات ومفاتيح النجاح التي تجعل المدينة فضاء للتعايش الآمن والتقدم الاقتصادي وجودة الحياة وصديقا للبيئة.


ومما يجب التوقف عنده، أن هناك قفزات كبيرة للمدن الذكية على مستوى العالم، إذ تشير بعض التقارير إلى أن قيمة صناعة المدن الذكية ستصل إلى أكثر من 400 بليون دولار عام 2020، معتبرة أن هذه النوعية من المدن هي الحل المناسب لمواجهة تحديات التمدن من توسع حضاري، تزايد سكاني، إدارة الموارد و الطاقة وكذلك مسايرة التطور التكنولوجي، خاصة أن سكان المدن سيشكلون سنة 2050 ما يقارب 80 %من سكان العالم.

وعلى هذا المنوال، تشكل المدن الذكية فرصاً استثمارية هائلة لتكثيف الأنشطة العمرانية وتجهيز المدن بالوحدات السكنية و الخدمات العامة التي من المتوقع أن تصل إلى مليار وحدة بحلول العام 2020، وإيصال المؤسسات الاقتصادية والتجارية وكذلك المنازل السكنية بشبكات البنية التحتية بما يمثل 65 % من إجمالي الشبكات المستخدمة عام 2020. وهنا، لا بد من التأكيد على أن المدن الذكية تدخل في إطار منظومة واسعة ومنسجمة تتعلق بالاقتصاد الذكي، الإدارة الذكية، الحكومة الذكية، تستخدم وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات وتسعى بشكل متسارع إلى إقامة مشاريع تنموية تهم الأمن الإنساني و التنمية البيئية.

وفي العالم العربي، تعاني العديد المدن من تشوهات بنيوية كالتلوث البيئي، الاكتظاظ السكاني والبناء العشوائي، مما يضر بواجهة المدينة ويجعلها بؤرة للفقر، العوز والبطالة وكذلك تنامي الجريمة. فبعد الفترة الاستعمارية، اتجهت المدن العربية و خاصة الكبرى منها إلى المزاوجة بين الأصالة والتحديث، فأصبحت ذات ازدواجية متناقضة لمظاهر الحياة، فصحيح أن شعوب الدول العربية تسكن بالمدن خاصة مع التزايد السكاني وارتكاز السياسات التنموية على المدن من حيث التعليم، الصحة، النقل و التشغيل، إلا أن الكثير من المدن العربية يعاني من انتشار العشوائيات وضعف البنية التحتية والاقتصاد غير المنظم وتزايد الهجرة القروية.

في هذا الصدد، يعمل العديد من المدن العربية على مواكبة الركب الحضاري العالمي عبر تشييد مدن ذكية قادرة على تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، وإشراكهم في صناعة القرار من خلال جعلهم قوة اقتراحية تسعى إلى إرساء مبادرات فعالة تعزز رونقها الثقافي وتدمج ساكنيها وتحسسهم بروح الانتماء، كما تتبنى الإبداع في جميع الميادين.


و على هذا الأساس، أصبحت المدن الذكية بوابة المستقبل بالنسبة للدول العربية، وذلك بضمانها لحياة كريمة تستغل الموارد المتوفرة وتشجع على التمدن. وقد كانت دولة الإمارات العربية المتحدة سباقة إلى تخطيط المدن الذكية وأطلقت أولى المبادرات عام 2007 في دبي، ثم تلتها دول خليجية أخرى كقطر والمملكة العربية السعودية. وانتقلت فيما بعد مشاريع المدن الذكية لمصر والمغرب.

إن سعي الدول العربية إلى امتلاك مدن ذكية، أمر مطلوب للتغلب على التغييرات الجارية على نمط الحياة في العمل والتجارة والدراسة والترفيه، كما أن الزيادة السكانية المتوقعة بحلول سنة 2050 عبر إضافة ملياري نسمة إلى سكان المدن حسب الأمم المتحدة، يحتم على المدن العربية العمل على تنمية وحوكمة المدن، للحد من إشكالية البطء المؤسسي للمخططات التنظيمية.

باحث وأكاديمي مغربي

إقرأ أيضا: المدن الصناعية في الخليج: آفاق تتطلّع نحو العالمية
المساهمون