هل يحقق رفع الأجور النمو الاقتصادي التونسي أو العجز؟

20 مايو 2015
من اليمين معز الجودي وصادق جبنون (العربي الجديد)
+ الخط -

تدور في تونس نقاشات واسعة حول رفع مستوى الأجور، بعض المحللين يرى في هذا الإجراء خراباً اقتصادياً، والبعض الآخر يجده ضرورة لتحريك عجلة الإنتاج وتحقيق النمو. فهل يحقق رفع الأجور النمو الاقتصادي التونسي أو العجز؟

معز الجودي: الأجور تستنزف الميزانية العامة
قال الخبير الاقتصادي التونسي معز الجودي، إن إصرار الحكومات المتعاقبة في تونس على الرفع من أجور الموظفين، سوف يدخل البلاد في دوامة خطيرة، ويهدد اقتصادها المأزوم بالسير نحو الهاوية.

وبرر الخبير الاقتصادي في تصريحه إلى "العربي الجديد" موقفه، بارتفاع كلفة تسديد أجور الموظفين في القطاع العام في تونس، والتي تستنزف، بحسب رأيه، ميزانية ضخمة من المالية التونسية.

وأوضح: "يوجد في تونس 800 ألف موظف في القطاع العام، وهو رقم يعادل عدد الموظفين في دولة متقدمة اقتصادياً مثل ألمانيا، يصرف عليهم 12 مليار دينار تونسي (أكثر من ستة مليارات دولار)، وحجم الميزانية في تونس قرابة 28 مليار دينار (أكثر من 14.5 مليار دولار)، تذهب منها ستة مليارات دينار (نحو ثلاثة مليارات دولار) نفقات على خدمات الديون، وأربعة مليارات دينار (قرابة ملياري دولار) على دعم المواد الأساسية. بعملية حسابية بسيطة يظهر أن لا شيء يبقى من الميزانية لدعم وتشجيع الاستثمار، وخلق الثروة في تونس".
واعتبر المتحدث ذاته، أن تونس تعيش ومنذ أربع سنوات حالة من الركود الاقتصادي، ونفور المستثمرين الأجانب والمحليين بسبب عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية والأمنية، إضافة إلى بقاء معدلات النمو الاقتصادي عند سقف ما بين 2 و2.5%، وهي نسبة، بحسب معز الجودي، غير كافية لتحقيق التوازن على مستوى ميزانية الدولة.

ووصف الجودي سياسة رفع أجور الموظفين بـ "الحلول الترقيعية"، لأنها تخضع فقط للتوافقات السياسية ولمنطق الرضوخ للجهات الاجتماعية التي تضغط من منطلق إرضاء المنتمين لها، عوض التفكير في المصالح الاقتصادية للبلد.

واعتبر الخبير الاقتصادي التونسي أن الرفع من أجور الموظفين أفرز وضعية تضخم، أمام استمرار العجز في الميزانية والذي يصل إلى 7%.

وشدد على أن التفكير في تحسين القدرة الشرائية للمواطن التونسي، يجب أن تمر عبر تعزيز دور القطاع الخاص، وتشجيع توظيف الأموال فيه، للرفع من قدرته على توفير فرص شغل كافية وأجور محترمة للعمال والموظفين، مع تعزيز شرط بلوغ النمو الاقتصادي نسبة تفوق على الأقل الـ 3%. وبعد ذلك، أضاف المتحدث ذاته، يمكن السير بسياسة الرفع من الأجور جنباً إلى جنب مع سياسة إصلاح الاقتصاد، ووضع حد للتضخم، وعدم اللجوء المستمر للاستدانة الخارجية من أجل تسديد أجور الموظفين، عوض توظيف الأموال الضخمة التي تجمعها تونس سنوياً من الديون في تعزيز الإنتاجية وتحسين النشاط التجاري التونسي، والذي يعاني بدوره من زحف الاقتصاد الموازي الذي يضيع على الدولة مداخيل ضخمة.

إلى ذلك قال الخبير الاقتصادي التونسي معز الجودي، "نعم التونسيون في حاجة إلى تحسين ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، خاصة أن القدرة الشرائية للمواطنين شهدت منذ سنة 2011 وإلى غاية سنة 2014 انخفاضاً يقدر بـ 40%. لكن الأسباب الرئيسية لهذه الوضعية، تكمن في عدم اتخاذ الحكومات التونسية المتعاقبة منذ الثورة لقرارات سياسية واقتصادية حاسمة، إضافة إلى عدم توفرها على الكفاءات الاقتصادية اللازمة للتفكير في إيجاد الحلول الممكنة للخروج من حالة الركود الاقتصادي".

وختم الجودي حديثه إلى "العربي الجديد" بالقول: "يجب تحقيق التوازن بين ثلاثة عناصر وهي: "الاستثمار، الحركة التجارية الداخلية والخارجية، ونسب استهلاك متوازنة، وأي حل تقدم عليه الحكومة بمعزل عن العناصر الثلاثة، سوف يفاقم الأزمات الاقتصادية لتونس، ويجعلها دوماً رهينة الاستدانة من الخارج لتسديد النفقات عوض توظيف الأموال في الإنتاجية".

صادق جبنون: زيادة الرواتب تعزز القدرة الشرائية
قال الخبير الاقتصادي التونسي صادق جبنون، إن الدخل الفردي في تونس يعد من الأدنى في المنطقة العربية، ولا يتجاوز معدله سنوياً 4200 دولار. وأضاف أن القدرة الشرائية للمواطن التونسي عرفت منذ أربع سنوات تقهقراً خطيراً، وأصبح من شبه المستحيل توفير متطلبات الحياة اليومية للمواطن، وذلك ما دفع الحكومة التونسية إلى زيادات متتالية في أجور الموظفين.

وأوضح المتحدث ذاته في تصريحه إلى "العربي الجديد"، أن المشكل لا يكمن في سياسات رفع الأجور، بل في غياب إجراءات مصاحبة، تعزز من القدرة الشرائية للمواطنين، وتعمل على تحفيزهم أولاً بمراقبة الأسعار وضبطها، ومواجهة احتكار الأقلية للعديد من القطاعات الإنتاجية، ما يجعل الكثير من المواد الأساسية تحت سيطرة توجهاتهم، ثم رفع التحفيز بزيادة الرواتب لمواجهة التكاليف المعيشية اليومية.

وأضاف الخبير الاقتصادي التونسي أنه منذ سنة 2011، عرف الدينار التونسي تراجعاً مستمراً، وانحصر النشاط الاقتصادي والتجاري في تونس، ورغم رفع الأجور ظلت أسعار المواد الأساسية في ارتفاع مستمر، ما يعني دخول البلاد في نفق التضخم المالي.

وعن مستويات الأجور في تونس وقدرة المواطن على تسديد نفقاته اليومية بها، شدد الخبير صادق جبنون، على أن أساسيات الحياة اليومية للمواطن لا تتوافق مع قيمة الأجر. وأعطى مثالاً عن عدم إمكانية شراء التونسيين للمسكن، حيث وصف الأمر بـ "شبه المستحيل"، نظراً لارتفاع أسعاره وتشدد المصارف في منح قروض السكن بسبب الوضع الاقتصادي التونسي.

وقال جبنون في ختام حديثه إلى "العربي الجديد"، إن سياسة الرفع من الأجور في القطاع العام، يجب أن يصاحبها رفع من القدرة الإنتاجية للاقتصاد، وتركيز هذا القطاع على تحسين المردودية الإنتاجية للثروات الوطنية، وتوجهه نحو استثمارات في البنى التحتية، مع فتح المجال أمام القطاع الخاص للمساعدة على احتواء النقص الحاد في فرص الشغل.

وأضاف: "يجب على الحكومة أن تراقب الأسعار، وتعود إلى التقرير الأخير لمجموعة البنك الدولي (ثورة غير مكتملة)، والذي يشرح جيداً الوضعية الاقتصادية والاجتماعية في تونس، ومن بين أبرز ما ذكره التقرير سيطرة القطاع غير المهيكل على السوق التجارية التونسية، والتي أصبحت بدورها سوقاً مغلقة، بالتزامن مع تراجع القدرة الإنتاجية في البلاد".

إقرأ أيضا: قطر تنفق 15 مليار دولار على "صناعة المستقبل"



المساهمون