في فيلمها التجريبي "نوبة نساء جبل شنوة"، تقوم الكاتبة الراحلة آسيا جبار بالاستعانة بلوحة للفنان الجزائري محمد خدة "انعكسات وشجيرات"، التي رسمها عام 1976، ويجمع فيها بين تقنيات الرسم الغربية وسيولة الكتابة العربية، فخدة الذي تمر ذكرى ميلاده اليوم يمثل جيلًا من الفنانين الجزائريين الذين نسجوا معًا التراث الحروفي العربي والأمازيغي والجماليات البربرية والوشوم التقليدية إلى جانب لغة التجريد الغربي خلال الخمسينيات.
كان ابن مدينة مستغانم في الغرب الجزائري (1930-1991) يسعى مع مجموعة من زملائه الفنانين إلى صياغة ممارسة فنية جزائرية مغايرة وذات خصوصية وهوية في أعقاب استقلال البلاد عن الاستعمار الفرنسي عام 1962.
وجد الفنان المنخرط سياسياً أن العلامة اللغوية هي الأساس للتعبير عن هوية الجزائر بعد الاستعمار، ملتزماً بالتجريد ورافضاً "الواقعية" أو السرد البصري في الرسم، مطلقاً اسم "عدم التصوير" على مدرسة التجريد.
جسّدت جبار الصدمة التي كانت قائمة بعد حرب التحرير والشفاء منها باللغة؛ بالكلام الذي كان يدور بين النساء في الفيلم، بتبادل الحديث كأساس للتحول، دون أن يخفى أن هذا الحديث يظهر أيضاً التناقض في لغة وهوية ما بعد الاستعمار.
وهذا ما كان يفعله خدة في لوحاته أيضاً، وربما لهذا حضر عمله في فيلم جبار، وقد أجرت الباحثة نتاشا ماري لورينز، أستاذة فلسفة تاريخ الفن في جامعة كولومبيا، دراسة مطولة عن علاقة فيلم جبار بلوحة خدة.
كانت التحولات السياسية الكبرى في البلاد قد جلبت معها تيارات تشكيلية مختلفة، ومن بينها "مدرسة الإشارة" التي كان خدة أحد مؤسسيها، وتقوم على إنشاء تراكيب ملموسة تُلصق الكتابة العربية والخط على اللوحات المجردة.
في عام 1953، سافر الفنان الجزائري إلى باريس وتلقى تعليماً بإشراف بابلو بيكاسو الذي عرّفه على التكعيبية التي أثرت بشكل كبير في رؤية خدة الفنية، قضى عقدًا في فرنسا قبل أن يعود إلى الجزائر، وهناك شرع في تأسيس "الاتحاد الوطني للفنون البصرية"، عام 1964، وشارك في إنتاج عدد من الجداريات الجماعية خلال السبعينيات.
من يتأمل لوحاته، يدرك أن مزّاجة خدة مليئة بالألوان المشتقة من لون الأرض، البنيات هيمنت بشكل كبير على معظم أعماله، إلى جانب زرقة السماء الجزائرية كخلفية وأفق لغالبية رسوماته للطبيعة، فموضوعه كان دائماً الجزائر بتفاصيلها العمرانية والمعمارية وبأشجارها وطبيعتها صحراء وساحلاً وغابة.
محرك "غوغل" اليوم استذكر الفنان الراحل الذي جمع أعماله في كتابين هما "صفحات متناثرة مترابطة"، و"معطيات من أجل فن جديد"، ورسم لوحات لأعمال الروائي رشيد بوجدرة، وصمم سينوغرافيا وأزياء العديد من المسرحيات الجزائرية، وأعماله حاضرة اليوم في "متحف الفن الحديث" في باريس، وفي "المتحف الوطني للفنون الجميلة" بالجزائر.