سحْب قرار الاستيطان: مصر الرسمية طرف غير محايد

26 ديسمبر 2016
السيسي سيكون منفذاً لسياسة ترامب (دومينيك رويتر/فرانس برس)
+ الخط -

ما تزال أصداء سحب مصر لمشروع قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مستمرة، خصوصاً مع عدم تقديم القاهرة مبررات منطقية لهذه الخطوة. ولم يتوقع المراقبون، بعد طلب القاهرة تأجيل التصويت على مشروع القرار، اتخاذ خطوة سحبه تماماً، لكن التوقعات رجّحت تجميد مشروع القرار وعدم طرحه. خطوة سحب القاهرة مشروع قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي، كانت صادمة، سواء داخل مصر أو خارجها، لما لها من انعكاسات كبيرة على علاقتها بأشقائها العرب، فضلاً عن تأثيرات محتملة على القضية الفلسطينية في الأساس، باعتبار القاهرة شريكاً أساسياً في محادثات السلام. ويعتبر مراقبون أن الضغوط الثنائية التي مارستها الولايات المتحدة وإسرائيل، والأولى جاءت عبر الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، تشكك في إمكانية أن يكون للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي أي دور في حل القضية، بما يخدم الفلسطينيين.

وقال الدبلوماسي المصري، إبراهيم يسري، إن موقف مصر في مجلس الأمن تجاه قضية الاستيطان، يصعب معه أي تحليل لهذا التوجه الغريب، في ظل عدم توافر المعلومات الواضحة والمنطقية حول ملابسات قرار سحب مشروع القرار. وأضاف يسري، لـ"العربي الجديد"، إن سحب مشروع القرار، وطلب تأجيل التصويت عليه بعد الضغوط الأميركية، يعتبر انتكاسة حقيقية لمصر، وتحولاً خطيراً في ملف مثل القضية الفلسطينية، موضحاً أن لمصر ثوابت طوال العقود الماضية، بينها رفض الاستيطان الإسرائيلي، لكن يبدو أن هناك تحولات حدثت في ظل النظام القائم، لا أحد يعلمها. ولفت إلى أنه سيكون بالتأكيد لقرار مصر انعكاس على دورها في القضية الفلسطينية، في ظل حالة الغضب العربي، خصوصاً الفلسطيني، من هذا الموقف.

وحول الانعكاسات السلبية لسحب مصر مشروع قرار الاستيطان، قال خبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية، إنه يجب التأكيد على أكثر من نقطة في هذا الصدد، حيث أنه لا يمكن التعويل على حل "مؤقت" للقضية الفلسطينية في القريب العاجل، من دون موقف عربي موحد وقوي، وإنهاء الانقسامات الداخلية. وأشار إلى أن موقف مصر في مجلس الأمن أخيراً يؤكد أنها ستكون تابعة لرغبات ترامب، الذي يتفاخر بدعم إسرائيل وسيقف معها أكثر من إدارة الرئيس باراك أوباما. وتابع أنه بعد 20 يناير/كانون الثاني المقبل ستكون العلاقات بين أميركا وإسرائيل وصلت إلى مرحلة جديدة من التناغم والقوة، مع حديث ترامب عن نقل مقر السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة. ولفت إلى أن السيسي وجد أنه سيخسر الإدارة الأميركية الجديدة، بعدما عانى من تجاهل أوباما له، فضلاً عن خسارة حليف جديد، وهي إسرائيل، فارتمى في أحضانهما. وشدد الخبير على أنه ليس من المتوقع من السيسي، الذي يلبي رغبات إسرائيل وأميركا، الضغط بقوة للتوصل إلى حل "مؤقت" للقضية الفلسطينية، أو يفعل خلاف ما يُملى عليه، لافتاً إلى أن قرار سحب مشروع القرار من مجلس الأمن، يعد مؤشراً خطيراً على سير أي مفاوضات لحل القضية في المستقبل، على الأقل خلال فترة ولاية ترامب.


من جانبها، قالت مصادر فلسطينية في القاهرة، إنه بلا شك فإن توجه مصر الجديد تجاه الاستيطان الإسرائيلي وسحب مشروع قرار يدينه، يعتبر نقطة تحول في الرؤية، خصوصاً وأن قضية المستوطنات الإسرائيلية محل رفض دولي. وأشارت المصادر إلى أنه لم يكن هناك تواصل بين القيادة المصرية والسلطة الفلسطينية خلال الأيام القليلة الماضية، للتنسيق حول مشروع القرار الذي قدمته القاهرة ثم قررت سحبه من مجلس الأمن. وأشارت إلى أن الشارع الفلسطيني، وليس السلطة فقط، مصاب بحالة من الذهول، بعد تحركات مصر أخيراً في مجلس الأمن، خصوصاً وأن الولايات المتحدة لم تستخدم حق النقض (الفيتو)، وإلا لكانت استخدمته مع مشروع مماثل من الدول الأربع التي تقدمت به الخميس الماضي.

وأشارت المصادر الفلسطينية إلى أن الحديث عن تقديم السيسي تنازلات، وأنه رضخ للضغط مقابل عدم نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، أو حتى كي يكون لهذه الخطوة تأثير إيجابي على استئناف مباحثات السلاح وحل القضية الفلسطينية، أمر غير مقنع. وشددت على أن مصر طرف وشريك رئيسي في المفاوضات، سواء قدمت مشروع القرار أم لا، فضلاً عن أن حل القضية الفلسطينية لن يكون في عهد ترامب الذي يدين بالولاء الكامل لإسرائيل. ولفتت إلى أن خطوة سحب مشروع القرار من مجلس الأمن، يرجع في الأساس لعِلم مصر بأن الإدارة الأميركية الانتقالية، برئاسة باراك أوباما، لن تستخدم حق النقض، وبالتالي سيمر المشروع، وهو ما أكدته مصادر في الخارجية الأميركية للقيادة الفلسطينية. وحول تأثير سحب مشروع القرار بعد مزايدة بعض الدول على موقف مصر، حسبما أعلن مندوب مصر في مجلس الأمن، تعجّبت المصادر الفلسطينية، من مثل هذه التصريحات، قائلة "هو يرفض المزايدة، ولذلك يضر بسمعة بلاده والأهم بالقضية الفلسطينية، بأي منطق يتم ترجيح كفة المزايدة على مكاسب لقضية العرب". وأكدت أن القيادة المصرية مطلوب منها تقديم مبررات لما حدث في مجلس الأمن، ليس فقط للسلطة الفلسطينية ولكن للدول العربية، على الأقل في الغرف المغلقة.

وتوقعت المصادر ذاتها تعثر أي مفاوضات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي حول أي تسوية، خصوصاً في ظل التأييد المطلق من الإدارة الأميركية الجديدة، والسيسي لن يكون إلا منفذ لهذه الرؤية، وهو ما ظهر في أزمة مشروع قرار الاستيطان في مجلس الأمن. وكان مجلس الأمن تبنى القرار 2334، الذي يدين الاستيطان الإسرائيلي، بتصويت 14 عضواً، وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت ودون استخدام حق النقض. ويطالب القرار رقم 2334 بوقْفٍ فوري لكافة الأنشطة الاستيطانية في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. كذلك ينص على "أن المستوطنات ليس لها أي شرعية قانونية، وتعتبر انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي". ويعتبر أن الأنشطة الاستيطانية هي السبب في تعثُّر حل الدولتين، ويدعو إلى اتخاذ خطوات عملية فورية لعكس الأوضاع السلبية على الأرض الناتجة عن الأنشطة الاستيطانية.