البريطانيون في سورية... تعويض عن وقت كاميرون الضائع

18 اغسطس 2016
بريطانيا في قلب الدمار السوري (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
بدأت بريطانيا بتغيير طريقة تعاطيها مع الملف السوري، منذ تولي تيريزا ماي رئاسة الحكومة في 13 يوليو/تموز الماضي، عقب استقالة ديفيد كاميرون، بعد نتائج الاستفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي (23 يونيو/حزيران الماضي). وفي هذا الصدد، أكد وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون دعم بلاده لعملية الانتقال السياسي في سورية، في الوقت الذي كشفت فيه وسائل إعلام عن وجود قوات بريطانية في جنوب شرق سورية.

في مسألة دعم جونسون لعملية الانتقال السياسي، كشف الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أن رئيسه أنس العبدة تلقى، يوم الثلاثاء، رسالة من جونسون، أكد فيها التزام حكومة بلاده في دعم عملية الانتقال. وأشار الائتلاف إلى أن "جونسون شدّد على أن الانتقال السياسي المستند إلى القرار الدولي رقم 2254 وبيان جنيف، هو الطريق الوحيد لوضع حد لمعاناة الشعب السوري".

وكان جونسون قد ذكر في رسالته، أنه "من الأساسي تعزيز وقف حقيقي للأعمال العدائية في سورية، وتأمين ممرات كاملة ودائمة لإيصال المساعدات الإنسانية لمن هم في حاجة لها". وأفاد بأن "بلاده تغتنم كل فرصة في مجلس الأمن، وفي المحافل الأخرى للتعبير عن قلقها العميق من هجمات نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد على حلب وداريا جنوب غرب دمشق"، معتبراً أن "هذه الهجمات غير مقبولة على هذه المناطق". وطالب بإنهاء هذه الهجمات على المدنيين، متعهّداً بمعالجة الوضع المأساوي في حلب، مشدداً على أن "ذلك يُعدّ أولوية بالنسبة لبريطانيا والمجتمع الدولي".

وسبق لجونسون أن دعا إلى تنّحي الأسد عن السلطة، في أولى مواقفه عن سورية، في 19 يوليو/تموز الماضي، مضيفاً: "سأكون واضحاً في التعبير عن رأيي، بأن معاناة الشعب السوري لن تنتهي ما دام الأسد في السلطة".
مع العلم أن العاصمة البريطانية لندن، تحتضن أواخر الشهر الحالي اجتماع وزراء خارجية مجموعة "أصدقاء الشعب السوري"، تعرض خلاله الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية رؤيتها الكاملة للحل السياسي في سورية، التي تم إعدادها على يد خبراء سوريين.





وتأمل المعارضة السورية في أن تجد رؤيتها للحلّ ترحيباً من قبل المجتمع الدولي، وأن تحظى بدعم من الاتحاد الأوروبي، الذي يحاول بين وقت وآخر، القيام بمبادرات في الملف السوري، الذي ظلّ لفترة طويلة حكراً على الولايات المتحدة وروسيا، اللتين أجهضتا أكثر من تحرك أوروبي على هذا الصعيد.

في هذا الإطار، يؤكد النائب السابق لرئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة هشام مروة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المعارضة تعوّل على الحكومة البريطانية الجديدة في تفعيل الدور الأوروبي". وتُعّد دول الاتحاد الأوروبي أكبر المتضررين من التداعيات السلبية للحرب الدائرة رحاها في سورية، بعد تدفق اللاجئين عام 2015، على الشواطئ الأوروبية، ما تسبّب بخلق أزمات إنسانية في دول أوروبية عدة، لم تستطع استيعاب هذا العدد الكبير من اللاجئين.

وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الدور الأوروبي في العديد من قضايا الشرق الأوسط "مشلولاً"، تحديداً في القضية السورية. وترى مصادر في المعارضة أن أمام دول الاتحاد الأوروبي "فرصة مهمة" لأداء دور متميز في سورية، في ظلّ التناحر الروسي الأميركي، ومحاولات موسكو وواشنطن إبعاد الأوروبيين عن الملعب السوري.




وتضيف المصادر في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الأوروبيين باتوا يشعرون أن مغانم ما يجري في سورية، تذهب إلى موسكو وواشنطن، فيما يتحمّل الاتحاد الأوروبي تبعات التهجير". وتلفت المصادر إلى أن "موسكو وواشنطن سفكتا الدم السوري، وأدّتا دوراً في إطالة عمر القضية، بدعم الأولى لنظام الأسد بشكل مباشر، من خلال تأمين غطاء جوي لقواته، وقصف على فصائل المعارضة السورية، وحاضنتها الاجتماعية، ما أدى إلى مقتل وإصابة مئات السوريين. كما اتبعت الثانية سياسة التراخي، وعدم اتخاذ موقف حازم وحاسم حيال المأساة السورية المستمرة منذ سنوات، في حين لا تزال دول الاتحاد الأوروبي ذات سجل نظيف في الملف السوري، وهي طرف ذو مصداقية لدى السوريين"، وفق المصادر.

ولم يقتصر التحرك البريطاني تجاه الملف على الجانب السياسي، بعد أن فوجئ مراقبون بما نشره موقع إذاعة "بي بي سي" البريطانية، يوم الثلاثاء، من صور لجنود بريطانيين، قال إنهم كانوا يؤمّنون محيط قاعدة عسكرية تتبع للمعارضة في قرية التنف السورية الحدودية مع العراق، وذلك بعد تعرّضها لهجوم من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

وبحسب "بي بي سي"، تعتبر هذه الصور، التي التقطت في شهر يونيو/حزيران الماضي، الأولى من نوعها لجنودٍ في زيّ القوّات الخاصة البريطانية، وهم يعملون على الأرض في سورية، إذ تظهر الصور مركبات "ثالاب" المدرّعة، والمعتمدة من الجيش البريطاني، وهي تقوم بدوريات في محيط إحدى مواقع المعارضة. كما ذكرت "بي بي سي"، أنّ "الجنود هم أفراد من القوات الخاصة البريطانية المكلّفة بمهمات دفاعية، وتظهرهم الصور وهم يحملون صواريخ مضادة للدروع، وبنادق قنص، وبحوزتهم مدفعية ثقيلة".

وبيّنت الإذاعة أن متحدثاً باسم "الجيش الحرّ" أقرّ بأن القوّات الخاصة البريطانية قدّمت لهم التدريب، والأسلحة، ومعدّات أخرى. ويتمركز في منطقة التنف، جنوب شرق حمص، قرب مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية، "جيش سورية الجديد"، الذي أُعلن عن تشكيله في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من قبل جبهة "الأصالة والتنمية"، التابعة للجيش السوري الحر. ويضمّ هذا الجيش عدداً من المقاتلين الذين اضطروا للخروج من محافظة دير الزور، إثر سيطرة "داعش" عليها منتصف عام 2014. وتلقى هذا الجيش تدريبات داخل الأراضي الأردنية، قبل أن يندفع مطلع شهر مارس/آذار الماضي، للسيطرة على معبر التنف، الذي كان "داعش" مسيطراً عليه سابقاً.

وحاول الجيش بعدها، استعادة بلدة البوكمال على الحدود السورية العراقية من "داعش"، أواخر يونيو/حزيران الماضي، إلا أنه فشل في ذلك، بعد مقتل عدد كبير من مقاتليه بسبب عدم توفير غطاء جوي لهم من طيران التحالف الدولي. وهو ما أدى إلى وصول قوات بريطانية إضافية لحماية المنطقة من محاولات "داعش" الاستيلاء عليها مرة أخرى، ويشكّل ضرباً من محاولات الاقتراب أكثر من معاقل التنظيم في شرق سورية.

ويرى المحلل العسكري السوري العقيد أديب العليوي، أن "بريطانيا تريد موطئ قدم لها في سورية"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ما هو أصغر من بريطانيا أصبح له موطئ قدم في سورية، فنحن تحت أنواع من الاحتلال، حيث توجد قواعد روسية، وأخرى أميركية. إن الجميع يبحث عن حصته على حساب الدم السوري".


المساهمون