مصر: اعتقال وتشهير لقمع المعارضة

29 نوفمبر 2015
تعمّد النظام تسريب صور اعتقال دياب (العربي الجديد)
+ الخط -

أراد النظام المصري إيصال رسالة واضحة بالقبض على رجل الأعمال المصري، ومؤسس جريدة "المصري اليوم"، صلاح دياب، وتصويره مقيّد اليدين أمام مدرعات قوات الأمن، لتتداولها وسائل الإعلام المصرية الموالية للنظام على نطاق واسع. وهي الرسالة التي لم يمْحُها اعتذار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن التضييق على رجال الأعمال والمستثمرين، بعد ذلك.

الرسالة نفسها التي تحمل مضامين "التشهير والإذلال"، سبق أن تعمّد النظام المصري إيصالها، في وقائع القبض على قيادات جماعة "الإخوان المسلمين"، في أعقاب مذبحتي رابعة العدوية والنهضة، في 14 أغسطس/آب 2013، إذ عمد إلى تصوير قيادات "الإخوان" مكبلين ومساقين إلى النيابات العامة والأقسام، وتقديمها لوسائل الإعلام المصرية الموالية للنظام، لتنشرها وتتداولها.

يشير ممثل مؤسسة "الكرامة لحقوق الإنسان"، أحمد مفرح، إلى أن إقدام وزارة الداخلية المصرية وكذلك الإعلام على التشهير بالمعارضين للنظام العسكري، وتقديمهم إلى الرأي العام باعتبارهم "إرهابيين وخطرين وتكفيريين"، "هي محاولة لترهيب المجتمع من استخدام أي حق من حقوق التعبير عن الرأي في معارضته للنظام العسكري القائم في مصر منذ الثالث من يوليو/تموز 2013".

ويضيف مفرح: "يجد المتابع للصفحة الرسمية لوزارة الداخلية المصرية، أو غيرها من الصفحات التابعة لمديريات الأمن والموجودة على وسائل التواصل الاجتماعي، المئات من حالات التشهير بالمعتقلين وتقديمهم للرأي العام على أنهم إرهابيون ومتهمون بالعديد من الاتهامات التي لو صحّت لكان حبل المشنقة هو الحكم الوحيد الذي سيتم الحكم به عليهم".

ويفنّد مفرح الأمر قائلاً: "تبدأ القصة بقيام وزارة الداخلية بإلقاء القبض على المعتقلين خصوصاً المنتمين لجماعة الإخوان وغيرهم من حركات المعارضة الشبابية؛ ثم تليها حالة من حالات الإخفاء القسري، بعدها يظهر المعتقل على شاشات التلفزيون ليتم تقديمه وهو في حالة مزرية بآثار التعذيب على وجهه، ليعترف وأمامه مجموعة من الأشياء التي تقدّمها وزارة الداخلية على أنها أدلة لاتهامه بالانتماء لتنظيم إرهابي أو حركات شبابية تقوم بالتظاهر ضد السيسي أو الجيش".

ويضيف قائلاً إن "وزارة الداخلية تعتمد في مثل هذا الأمر على ثلاثة اعتبارات مهمة؛ أولاً البلطجة التي تتعامل بها مع القانون ومع المتهمين، إذ لا توجد نيابة عامة تحقق في قيامها بتشويه سمعة المتهمين وتقديمهم للرأي العام على أنهم إرهابيون وتكفيريون، بل بالأحرى على تعذيبهم وإخفائهم قسرياً. وثانياً اعتمادها على ضعف الثقافة القانونية لدى المجتمع المصري والذي لا يُظهر أي استهجان لمثل عمليات التشويه تلك"، بحسب الباحث السياسي.

أما البند الثالث الذي تعتمد عليه وزارة الداخلية المصرية في وقائع الاعتقال والتشهير، بحسب مفرح، فهو "عدم قيام أي من المعتقلين أو من المنظمات الحقوقية بمواجهة سلطات الأمن على عمليات التشويه التي قامت بها بحق المعتقلين بعد تبرئتهم من التهم المنسوبة إليهم عن طريق القضاء"، وهو الأمر الذي يرجع بالأساس إلى "الخوف من إعادة الاعتقال مرة أخرى"، بحسب مفرح، الذي يبدي تفهمه لهذا التصرف "في ظل عمليات القمع غير المسبوقة في مصر"، على حد قوله.

اقرأ أيضاً: اعتقال صلاح دياب في مصر: رسائل قمع السلطة للمقربين

أما عن نظرته القانونية حول تعويض المعتقلين عن فترات الحبس الاحتياطي والتشهير بهم، فيشير مفرح، إلى أن القانون المصري أقرّ بذلك بشكل واضح للمتهمين أو المعتقلين الذين تم حبسهم احتياطياً طبقاً للتحقيقات التي تمت معهم من قبل النيابة وانتهى التحقيق معهم بعد أن قضوا مدة الحبس الاحتياطي كاملة من دون صدور أمر بالإحالة أو بالبراءة، الأمر الذي شكّل معه أضراراً بالغة عليهم وعلى حريتهم وأدى إلى الإضرار بسمعتهم، فضلاً عن الأضرار المادية التي تترتب على تعطيل أعمالهم طيلة فترة حبسهم الاحتياطي.

وتنص المادة "312 مكرراً" من قانون الإجراءات الجنائية على "التزام النيابة العامة بنشر كل حكم باتٍّ ببراءة من سبق حبسه احتياطياً، وكذلك كل أمر صادر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبله، في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار على نفقة الحكومة، ويكون النشر في الحالتين بناءً على طلب النيابة العامة أو المتهم أو أحد ورثته وبموافقة النيابة العامة في حالة صدور أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى... وتعمل الدولة على أن تكفل الحق في مبدأ التعويض المادي عن الحبس الاحتياطي في الحالتين المشار إليهما في الفقرة السابقة وفقاً للقواعد والإجراءات التي يصدر بها قانون خاص".

ويوضح مفرح، أن هذا البند يؤكد أن الحكم بتعويض المتهم عن فترة الحبس الاحتياطي تتم في حالات صدور حكم بات بالبراءة، أو أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، وبناءً عليه يحق لمن قضى فترة الحبس الاحتياطي أن "يقدّم طلباً للقيام بالنشر، ويكون النشر بناء على موافقة النيابة العامة في حالة صدور أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية".

ويرى الباحث السياسي أنه على الرغم من أن مواد القانون شرحت طريقة التعويض المعنوي بإلزام النيابة العامة بنشر كل حكم باتٍّ ببراءة المتهمين في جريدتين حكوميتين واسعتي الانتشار، إلا أنه فيما يخص التعويض المادي "أرجأها إلى قانون خاص والذي لم يصدر حتى هذه اللحظة".

أما عن تشهير وزارة الداخلية بالمعتقلين والمتهمين على وسائلها الإعلامية وفي وسائل الإعلام التابعة للنظام، فيقول مفرح "إن هؤلاء لهم الحق كاملاً في رفع قضايا تعويض على الشرطة إذا ما تم نشر صور شخصية لهم تسببت في وقوع ضرر عليهم، وتم نشرها في الإعلام، على اعتبار أن الشرطة هي من قامت بتسريب هذه الصور وهي من تعمّدت إلصاق تهم وصفات باطلة في حقهم وهذا عن طريق رفع قضايا للتعويض أمام القضاء المدني". ويلفت إلى أن مثل تلك الحقوق لا يمكن أن تتأتى إلا "في ظل دولة قانون تقوم على مؤسسات الإنصاف والتقاضي، ما يجعلها تفكر في حقوق المتهمين والمتقاضين وتنصفهم وليس دولة الداخل مفقود والخارج مولود"، بحسب تعبيره.

اقرأ أيضاً: مسؤول أمني: فض اعتصامي رابعة والنهضة تم بعقيدة قتالية

المساهمون