تهاوي فرص تبادل الأسرى: الجمهور الإسرائيلي يساند حكومته

31 اغسطس 2017
تحرك أهالي أسرى فلسطينيين بالقدس، بمايو الماضي(أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -
تشكل استقالة منسق ملف الأسرى والمفقودين في ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، عقيد الاحتياط ليئور لوطين، مؤشراً واضحاً على تهاوي فرص التوصل لصفقة تبادل أسرى بين حركة حماس وإسرائيل. وجاءت استقالة لوطين في ظل إفصاح ممثلي حكومة الاحتلال عن مواقف متشددة إزاء شروط التوصل لأي صفقة تبادل مع "حماس". وكان وزير الحرب الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، واضحاً عندما أعلن يوم الاثنين الماضي، أن إسرائيل "لا يمكنها العودة للخطأ" الذي ارتكبته عام 2011 عندما أطلقت مئات الأسرى الفلسطينيين ضمن صفقة تبادل الأسرى مقابل الإفراج عن الجندي في جيش الاحتلال، جلعاد شاليط.

وباتت فرص التوصل للصفقة ضئيلة، لا بل معدومة، وذلك لأسباب عدة، أهمها غياب ضغط جماهيري يمكن أن يدفع صناع القرار في تل أبيب إلى إبداء مرونة على مواقفهم، إلى جانب الاعتبارات السياسية التي تفرض نفسها على الائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو. وقد أقنعت حكومة الاحتلال والمؤسسة الأمنية الجمهور الإسرائيلي بأن ما لدى حركة حماس من أوراق لا يبرر دفع ثمن كبير لقاء صفقة تبادل الأسرى. وتعتبر تل أبيب أن الجنديين، هدار غولدين وأورون شاؤول، اللذين سقطا في أيدي حركة حماس خلال حرب عام 2014 ضد قطاع غزة، هما في عداد الموتى. وتنطلق من واقع أن الأسيرين الآخرين وهما الإسرائيلي من أصل إثيوبي، أبراهام منغستو، والآخر العربي، الذي يدعى هشام السيد، ويحمل الجنسية الإسرائيلية، قد وقعا في الأسر نتيجة إهمالهما الشخصي، الأمر الذي يعفي إسرائيل من دفع ثمن من أجل تأمين الإفراج عنهما.

إلى جانب ذلك، نجح وزراء حكومة الاحتلال في إقناع الرأي العام ووسائل الإعلام، بأن صفقة تبادل الأسرى مع "حماس" مسّت بقوة الردع الإسرائيلية لأنها أقنعت الشباب الفلسطيني أن بإمكانهم مقاومة إسرائيل من دون الخشية من البقاء في السجون مدة طويلة، لأنه سيتم تحريرهم عبر صفقات مماثلة.


فضلاً عن ذلك، لقد أتى إعلان المؤسسة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية عن تفكيك خلايا مسلحة شكلها وقادها أسرى جرى الإفراج عنهم في صفقة التبادل الأخيرة، ليقدم "دليلاً" للجمهور الإسرائيلي على أن صفقات التبادل تسهم في تفاقم الأوضاع الأمنية الإسرائيلية. وهذه العوامل تفسّر فشل الحراك الإعلامي الذي تقوم به عائلة الجندي غولدين تحديداً في إحداث تغيير في مواقف الرأي العام، على الرغم من أن هذه العائلة تحظى بتعاطف الأحزاب التي تشكل الائتلاف الحاكم، لانتمائها إلى اليمين الديني المتشدد.

ونظراً لتراجع التعاطف الجماهيري مع عائلات الأسرى الإسرائيليين، بات أفراد هذه العائلات يكتفون بالتعبير عن غضبهم من خلال تكثيف الحضور في جلسات الاستماع التي يعقدها الكنيست للمسؤولين عن ملف الأسرى. وبخلاف ما كانت عليه الأمور عشية "صفقة شاليط"، فقد اصطفت وسائل الإعلام إلى جانب حكومة الاحتلال من خلال التحذير من مغبة التوصل لصفقة تبادل تسهم فقط في تدهور الأوضاع الأمنية، كما كتب يوم الاثنين المحلل بن دورون يميني في صحيفة "يديعوت أحرنوت".

إلى جانب ذلك، فإن ممثلي الأحزاب والحركات المشاركة في الائتلاف الحاكم يغازلون قواعدهم الانتخابية اليمينية من خلال تبني مواقف متشددة إزاء صفقة التبادل مع "حماس". وهذا ما يفسر تنافس وزراء الحكومة في عرض الأسباب التي تدعو لعدم دفع ثمن كبير مقابل صفقة التبادل. ومن أجل ضمان عدم حدوث تحول في مواقف الجمهور الإسرائيلي، ومن أجل تبرير إضفاء تشدد على مواقفها من الصفقة، فقد عمدت حكومة نتنياهو يوم الاثنين، إلى تسريب خبر مفاده أن "تطرفاً" طرأ على موقف "حماس" وأنها باتت تطالب بالإفراج عن ضعف عدد الأسرى الفلسطينيين الذين أطلق سراحهم في صفقة التبادل الأخيرة، وهو ما نفته الحركة.

وفي هذا السياق، أكد معلق الشؤون العربية في موقع "وللا"، آفي سيخاروف، في تقرير نشر يوم الثلاثاء الماضي، أن رواية حركة حماس "صادقة وأنه لم يحدث أي تحول على موقف الحركة من الصفقة". وفي المقابل، لم تبد "حماس" أي استعداد لتغيير شروطها لبدء التفاوض حول الصفقة. وأكد قائد الحركة في قطاع غزة، يحيى السنوار، في حديث للصحافيين يوم الاثنين، أن "حماس" تشترط الإفراج عن جميع الأسرى المحررين الذين أطلق سراحهم في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة وأعادت إسرائيل اعتقالهم بعيد اختطاف مستوطنين ثلاثة في يونيو/حزيران 2014، قبل بدء التفاوض على أية صفقة جديدة.

وعلى الرغم من أن حركة حماس لم تكشف عن عدد الأسرى الفلسطينيين الذي تطالب بالإفراج عنهم في أية صفقة تبادل مستقبلية، إلا أنه لا يمكن الافتراض بأن الحركة قد تقبل بالإفراج عن عدد أقل من العدد الذي أفرج عنه في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة، على اعتبار أن لديها عددا أكبر من الأسرى الإسرائيليين، ناهيك عن أن "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس، لمّحت في كثير من المواقف الإعلامية، إلى أن أحد الجنود الذين أسروا خلال حرب غزة 2014، لا يزال على قيد الحياة. ومما يزيد الأمور تعقيداً حقيقة غياب وسيط لديه النيّة لدفع ملف الصفقة إلى الأمام. وبحسب ما كشفت مصادر في حركة حماس، فإن مصر التي "تحتكر" ملف التوسط بين الجانبين، تكتفي بممارسة الضغوط على الحركة لإبداء مرونة بشأن الصفقة. في الوقت ذاته، فإن عودة التوتر للعلاقات بين غزة والقاهرة، لا سيما في ظل اتهام "حماس" لمصر بعدم الإيفاء بما تعهدت به في التفاهمات الأخيرة معها، لا تسهم في توفير بيئة مناسبة لدفع الجهود الهادفة للتوصل لصفقة جديدة قدماً.

المساهمون