لا تمثّل الانتخابات الرئاسية التي جرت أمس الخميس في الجزائر مجرد استحقاق لانتخاب رئيس للجمهورية أو مخرج لأزمة سياسية طالت تسعة أشهر، لكنها تُعد في بُعدها السياسي والزمني منعطفاً مهماً تنتقل بموجبه السلطة العليا للبلاد من جيل الثورة إلى جيل الاستقلال.
منذ استقلال الجزائر عام 1962، لم تخرج الرئاسة من حقل الثوريين من الجيل الذي قاد ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، وهو جيل كان يستند إلى الشرعية الثورية كقاعدة للحكم، ففي عام 1962 تولى الرئيس أحمد بن بلة الحكم، بصفته أحد أبرز قادة الثورة ومناضلي الحركة الوطنية المكافحة للاستعمار، وظل بن بلة في الحكم حتى يونيو/ حزيران 1965، عندما أطاحه وزير الدفاع حينها، هواري بومدين، الذي ينتسب أيضاً إلى جيل الثورة، بصفته قائداً لأركان جيش التحرير. واعتمد بومدين على هذه الشرعية الثورية للبقاء في الحكم حتى وفاته نهاية عام 1978، ليخلفه في منصبه لفترة مؤقتة رئيس البرلمان حينها، رابح بيطاط، وهو عضو مجموعة الستة التي حددت تاريخ اندلاع الثورة، قبل أن يتوافق صنّاع القرار في البلاد حينها على اختيار أكبر عقيد في الجيش، الشاذلي بن جديد، وهو مناضل في الثورة وأحد القادة البارزين في قيادة المنطقة الشرقية للثورة التحريرية.
ظل الرئيس بن جديد في الحكم بخطاب يستند إلى المرجعية الثورية، حتى تدخّل الجيش لوقف المسار الانتخابي والانقلاب على الديمقراطية في يناير/ كانون الثاني 1992، عندما قررت مجموعة من جنرالات الجيش إلغاء الدور الثاني من الانتخابات النيابية التي كانت مقررة في 16 يناير 1992، أربعة أيام قبل ذلك. لكن هذه المجموعة بحثت طويلاً عن شخصية تتمتع برصيد ثوري وتملك مرجعية ثورية لاستدعائها إلى رئاسة الدولة، ووجدت لذلك الرئيس الراحل محمد بوضياف، الذي تولى الحكم بدءاً من 26 يناير، لكن رصاص الغدر لم يمهله إلا حتى 29 يونيو/ حزيران من العام نفسه، حين اغتاله أحد رجال الحرس الرئاسي، وانتقلت السلطة بعدها إلى رئيس منظمة المجاهدين (قدماء المحاربين) علي كافي حتى عقد ندوة الوفاق الوطني بداية عام 1994، ليعتلي وزير الدفاع ليامين زروال الحكم، وهو أحد مجاهدي ثورة التحرير، وكان قد انخرط في صفوف الثورة بعمر 18 سنة، وأعيد انتخابه في نوفمبر/ تشرين الثاني 1995 رئيساً للجمهورية، لكنه لم يُنهِ ولايته الرئاسية، وقرر بسبب خلافات مع قادة جهاز المخابرات تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة حملت رجلاً من كوادر ثورة التحرير أيضاً إلى الحكم، هو عبد العزيز بوتفليقة.
استفاد بوتفليقة من رصيده الثوري وماضيه السياسي، ووظّف ذلك خلال عقدين من حكمه، لكنه كان قد أعلن في خطاب شهير في مايو/ أيار 2012، أن الوقت قد حان لجيل الثورة لتسليم المشعل لجيل الاستقلال، وأعلن نهاية الحكم عبر الشرعية الثورية. وكان ذلك الخطاب مؤشراً بالنسبة إلى كثيرين على توجّه بوتفليقة لإنهاء حكمه وعدم الترشح لولاية رابعة في انتخابات 2014، لكن الرجل استمر لسبع سنوات أخرى بعد هذا الخطاب حتى الثاني من إبريل/ نيسان 2019، وتأجل تسليم السلطة لجيل الاستقلال حتى انتخابات أمس.
الانتخابات التي جرت أمس تنقل السلطة إلى رئيس جديد من بين المرشحين الخمسة، علي بن فليس وعبد المجيد تبون وعبد العزيز بلعيد وعز الدين ميهوبي وعبد القادر بن قرينة، وكلهم من الجيل الذي عاش أغلب حياته في عهد الاستقلال، ولم يكن على علاقة بالثورة بسبب العمر، وهو تحوّل مركزي لافت تحققه هذه الانتخابات على صعيد الخلفية التاريخية لكل مرشح.
اقــرأ أيضاً
ليس ذلك فقط، فثمة معطىً ثانٍ وفارق سيحسب للرئيس الجديد، مقارنة بسابق رؤساء الجزائر، له علاقة بالمستوى التعليمي والدراسة في الجامعة، إذ إن المرشحين الخمسة كلهم حصلوا على شهادة البكالوريا ودرسوا وتخرجوا من الجامعات. وحصل علي بن فليس على شهادة البكالوريا وتخرج من كلية الحقوق. ودرس عبد العزيز بلعيد في كلية الطب في العاصمة وتخرج منها. أما عز الدين ميهوبي، فحصل على شهادة البكالوريا، وتخرج من المدرسة العليا للإدارة. كذلك درس عبد المجيد تبون وتخرج من قسم الاقتصاد والمالية بالمدرسة الوطنية للإدارة. أما عبد القادر بن قرينة، فقد حصل على شهادة البكالوريا، ودرس في جامعة باتنة شرقي الجزائر، وتخرج منها مهندساً في الإلكترونيك.
وتبرز المستويات العلمية للمرشحين الخمسة على خلاف مجموع رؤساء الجزائر السابقين، بن بلة وبومدين والشاذلي بن جديد وبوضياف وزروال وبوتفليقة، الذين لم يكن أي منهم حائزاً شهادة البكالوريا أو درس في الجامعة، بسبب ظروف الاستعمار التي دفعتهم إلى تعلم الكتابة والقراءة والوصول إلى المستوى الثانوي على أكثر تقدير، لكنهم عملوا على تطوير أدائهم السياسي بالثقافة النضالية والممارسة السياسية.
منذ استقلال الجزائر عام 1962، لم تخرج الرئاسة من حقل الثوريين من الجيل الذي قاد ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، وهو جيل كان يستند إلى الشرعية الثورية كقاعدة للحكم، ففي عام 1962 تولى الرئيس أحمد بن بلة الحكم، بصفته أحد أبرز قادة الثورة ومناضلي الحركة الوطنية المكافحة للاستعمار، وظل بن بلة في الحكم حتى يونيو/ حزيران 1965، عندما أطاحه وزير الدفاع حينها، هواري بومدين، الذي ينتسب أيضاً إلى جيل الثورة، بصفته قائداً لأركان جيش التحرير. واعتمد بومدين على هذه الشرعية الثورية للبقاء في الحكم حتى وفاته نهاية عام 1978، ليخلفه في منصبه لفترة مؤقتة رئيس البرلمان حينها، رابح بيطاط، وهو عضو مجموعة الستة التي حددت تاريخ اندلاع الثورة، قبل أن يتوافق صنّاع القرار في البلاد حينها على اختيار أكبر عقيد في الجيش، الشاذلي بن جديد، وهو مناضل في الثورة وأحد القادة البارزين في قيادة المنطقة الشرقية للثورة التحريرية.
ظل الرئيس بن جديد في الحكم بخطاب يستند إلى المرجعية الثورية، حتى تدخّل الجيش لوقف المسار الانتخابي والانقلاب على الديمقراطية في يناير/ كانون الثاني 1992، عندما قررت مجموعة من جنرالات الجيش إلغاء الدور الثاني من الانتخابات النيابية التي كانت مقررة في 16 يناير 1992، أربعة أيام قبل ذلك. لكن هذه المجموعة بحثت طويلاً عن شخصية تتمتع برصيد ثوري وتملك مرجعية ثورية لاستدعائها إلى رئاسة الدولة، ووجدت لذلك الرئيس الراحل محمد بوضياف، الذي تولى الحكم بدءاً من 26 يناير، لكن رصاص الغدر لم يمهله إلا حتى 29 يونيو/ حزيران من العام نفسه، حين اغتاله أحد رجال الحرس الرئاسي، وانتقلت السلطة بعدها إلى رئيس منظمة المجاهدين (قدماء المحاربين) علي كافي حتى عقد ندوة الوفاق الوطني بداية عام 1994، ليعتلي وزير الدفاع ليامين زروال الحكم، وهو أحد مجاهدي ثورة التحرير، وكان قد انخرط في صفوف الثورة بعمر 18 سنة، وأعيد انتخابه في نوفمبر/ تشرين الثاني 1995 رئيساً للجمهورية، لكنه لم يُنهِ ولايته الرئاسية، وقرر بسبب خلافات مع قادة جهاز المخابرات تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة حملت رجلاً من كوادر ثورة التحرير أيضاً إلى الحكم، هو عبد العزيز بوتفليقة.
الانتخابات التي جرت أمس تنقل السلطة إلى رئيس جديد من بين المرشحين الخمسة، علي بن فليس وعبد المجيد تبون وعبد العزيز بلعيد وعز الدين ميهوبي وعبد القادر بن قرينة، وكلهم من الجيل الذي عاش أغلب حياته في عهد الاستقلال، ولم يكن على علاقة بالثورة بسبب العمر، وهو تحوّل مركزي لافت تحققه هذه الانتخابات على صعيد الخلفية التاريخية لكل مرشح.
وتبرز المستويات العلمية للمرشحين الخمسة على خلاف مجموع رؤساء الجزائر السابقين، بن بلة وبومدين والشاذلي بن جديد وبوضياف وزروال وبوتفليقة، الذين لم يكن أي منهم حائزاً شهادة البكالوريا أو درس في الجامعة، بسبب ظروف الاستعمار التي دفعتهم إلى تعلم الكتابة والقراءة والوصول إلى المستوى الثانوي على أكثر تقدير، لكنهم عملوا على تطوير أدائهم السياسي بالثقافة النضالية والممارسة السياسية.