أسباب التجاوب الهزيل مع خطاب محاصرة قطر في واشنطن

18 يونيو 2017
ترامب وتيلرسون في الرياض، مايو 2017 (مانديل نيغان/فرانس برس)
+ الخط -

نالت الأزمة الخليجية قدراً ملحوظاً من الاهتمام في واشنطن. انعكس ذلك منذ اندلاعها في متابعات الجهات المعنية، الرسمية والإعلامية والسياسية، سواء على مستوى الإدارة أو الكونغرس أو أهل الرأي والنخب المعنية بالسياسة الخارجية، ذلك أنها أخذت بالمنظور الأميركي، حجم الحدث غير الاعتيادي و"الخطير هذه المرة"، لكونها تحصل بين "الحلفاء" في منطقة حساسة وهامة لأميركا، كما تأتي في لحظة تقوم فيها إدارة دونالد ترامب بإعادة النظر في حساباتها وخلط وترتيب الأوراق في معادلاتها هناك.

وفي نظرة فاحصة لحصيلة ما دار من سجال وجدل وقراءات في واشنطن لأسباب انفجار الأزمة وحيثياتها وملابساتها، يتبين أن كفة الانتقاد وعدم الموافقة على خطوات المقاطعة والمحاصرة التي اتخذت ضد قطر بقيت راجحة وبصورة وازنة على كفة مناصرة وتأييد موقف محور الحملة المفتعلة. يتضح ذلك بشكل خاص، في الردود التي حملتها وسائل الإعلام، كما تلك التي جرى التعبير عنها على لسان مراقبين ومحللين وكبريات الصحف وفي البرامج الإخبارية المرئية. ولو أن بعضها لم يخل من مطالبة قطر بالقيام بخطوات لملاقاة مساعي الحلول في منتصف الطريق.



لكن حتى الذين انتقدوا قطر، سجلوا مآخذهم على الإجراءات التي اتخذت ضدها من باب أن حيثياتها متناقضة لا تسوغ اللجوء إلى مثل هذا الموقف المفاجئ المتمادي وغير المبرر. إن "شكوى السعودية من قطر والإرهاب نفاق" تقول صحيفة "نيويورك تايمز". وتضيف "لقد جرى اتهام قطر بأنها تمد الجماعات المتشددة بالمال والسلاح. لكن السعودية فعلت ذلك وهذا ما تجاهله ترامب". واستطردت "كان على الرئيس أخذ موقف متوازن بين قطر والسعودية. ففي هذا الوقت لا يجوز استعداء قطر التي أدت دوراً مميزاً في التوسط لحل مشكلات إقليمية، وانتهجت سياسة خارجية مستقلة أغضبت السعودية ودولا خليجية أخرى في بعض الأحيان". واستشهدت الصحيفة بموقف السفيرة الأميركية في الدوحة، دانا شيل سميث، والتي قالت إن قطر "حققت تقدماً حقيقياً في تقويض التمويل للإرهابيين".

في هذا السياق، كتبت صحيفة "لوس أنجليس تايمز" تحت عنوان "قطر ترفض الخضوع في السياسة الخارجية رغم حصار دول الخليج لها"، فقالت إن "قطر رفضت التراجع ودافعت عن قناة الجزيرة، كما أعادت توجيه رحلات الطيران القطرية. وهذا الرفض للاستسلام قد يؤخر من الخطط الإقليمية للسعودية لا سيما إذا تدخل حلفاء قطر مثل تركيا". وقد تقاطعت معظم الردود عند هذه النقطة التي ربطت التصعيد بإصرار قطر على استقلالية قرارها السياسي الخارجي والذي كان السبب الرئيسي في اتخاذ قرار المحاصرة. وهي نقطة رئيسية في التقييم العام للأزمة بالرغم من التركيز على الحيثيات الخليجية المتعلقة بزعم دعم الإرهاب.

وبنفس الإجماع تقريباً، يرى محللون أن التصعيد الخليجي جاء نتيجة لزيارة الرئيس ترامب للسعودية، التي جرى اعتبارها بمثابة الضوء الأخضر للقرار الخليجي ضد قطر كما تقول أستاذة الشؤون الدولية في جامعة هارفارد، مايغن أوسيلليفن، والتي سبق وشغلت منصباً في مجلس الأمن القومي بين 2004 و2007، إذ كتبت: "الخطوة لعزل ومعاقبة قطر هي بمثابة الثمرة الأولى للزيارة ولسياسة ترامب الجديدة.

وقد أخذت الكاتبة على ترامب نظرته الأحادية إلى التحالف مع السعودية، والذي لم تر فيه غير أداة مؤازرة في الحرب على الإرهاب، "من غير أن يعطي الأهمية الكافية لتوفر هذه الشروط وعلى رأسها التنسيق المطلوب لمعالجة أزمات المنطقة"، وهو تنسيق أهملته الرياض "في قرارها ضد قطر حيث أهملت التشاور المسبق مع واشنطن"، الأمر الذي يستبطن أن الرياض استقوت بواشنطن من دون إبلاغها. مع أن مثل هذا التفسير ربما يكون في غير محله، إذ إن تلميحات ترامب في تغريداته تشي بأنه كان غير بعيد عن أجواء القرار. والدليل أنه تعمّد نقض مواقف ومحاولات وزير الخارجية ريكس تيلرسون وأيضاً وزير الدفاع جيمس ماتيس، لتطويق الأزمة والعمل على ضمان التراجع عن الإ  جراءات التي استهدفت الدوحة.

تضارب استوقف مراقبين أجمعوا – ما عدا المحسوبين منهم صراحة على الخندق الإسرائيلي مثل مؤسسة الشرق الأدنى للسياسات الأميركية والتعليقات التي صدرت عنها– على أن وقوف البيت الأبيض في طريق الوزيرين سمح بتوالي التصعيد.
وربما يكون تيلرسون قد أفلح في اقناع الرئيس ترامب بترك هذا الملف جدياً بيده للتعامل مع تعقيداته على طريقته، إذ أعلنت الخارجية الأميركية ليل الجمعة السبت أن تيلرسون قد ألغى زيارته المقررة في أوائل الأسبوع المقبل إلى المكسيك للتفرغ للأزمة الخليجية. لكن لا ضمانة في عدم التراجع عن مثل هذا التوجه من جانب البيت الأبيض.