بريطانيا والاتحاد الأوروبي... مفاوضات غير رسمية و"طلاق" مُتعثر

22 سبتمبر 2016
تخشى بريطانيا عواقب الخروج المُتسرع من الاتحاد (كريستوفر فرولونغ/Getty)
+ الخط -
لم يجلس مسؤولو المملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بعد حول طاولة المفاوضات، منذ اختار 52 في المائة من البريطانيين الخروج من الاتحاد في استفتاء 23 يونيو/ حزيران الماضي. ولا يبدو أن المفاوضات الرسمية بين الجانبين ستكون قبل بداية العام المقبل. مع ذلك يبدو أن الطرفين شرعا في مفاوضات غير رسمية، رسم فيها كل جانب خطوطه الحمراء، وحدد سقف مطالبه لإنجاز "طلاق ودي" يُحافظ على علاقات متوازنة بين بريطانيا ودول الاتحاد. ومهما يبدو من إصرار بريطاني على إتمام "الخروج" من الاتحاد متوازٍ مع استعجال أوروبي للشروع في مفاوضات "الخروج" بأسرع وقت، إلا أن السمة الأبرز في موقف الجانبين هي التردد إلى حد الرغبة في تعثر الخروج. بريطانيا تخشى عواقب الخروج المتسرع من الاتحاد الأوروبي. في المقابل تتخوف الدول الأوروبية من أن يُشجع "الخروج البريطاني" دولاً أخرى على مغادرة الاتحاد، مما يؤدي إلى تفككه ونهاية حلم "الولايات الأوروبية المتحدة". 

المفاوضات غير الرسمية كشفت مُبكراً عن أول نقاط الخلاف بين الطرفين. مباشرة بعد الإعلان عن نتيجة الاستفتاء البريطاني في 23 يونيو/ حزيران الماضي، واستقالة رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ديفيد كاميرون، تعذر التوافق بين لندن وبروكسل على موعد مُحدد لإطلاق مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لغياب حكومة تتحمل مسؤولية تفعيل المادة 50 من اتفاقية لشبونة الخاصة بإجراءات خروج أي دولة عضو من الاتحاد. وعلى الرغم من إصرار مسؤولي الاتحاد الأوروبي على ضرورة الشروع فوراً في مفاوضات الخروج، وتمسك رئيسة الوزراء الجديدة، تيريزا ماي، باحترام الإرادة الشعبية، وهي تردد مقولة "بريكسيت يعني بريكسيت"، إلا أنها ظلت مترددة في تفعيل المادة 50 من ميثاق لشبونة وبدء المفاوضات على شكل العلاقة المستقبلية بين المملكة المتحدة والدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.




ويبدو أن توقيت موعد "الطلاق" لا يزال محل مفاوضات غير رسمية وغير ودية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، أعلن في ختام قمة عقدتها الدول الـ27 في العاصمة السلوفاكية براتيسلافا، نهاية الأسبوع الماضي، أن الاتحاد الأوروبي مستعد للبدء فوراً بالمفاوضات حول خروج بريطانيا من صفوفه. في المقابل تُصر ماي على أن مفاوضات الخروج الرسمي من الاتحاد الأوروبي لن تبدأ قبل مطلع السنة المقبلة، من دون الإعلان عن موعد محدد. كما أن مكتب رئيسة الوزراء البريطانية لم يؤكد رواية توسك، عندما قال عقب زيارته لندن قبيل قمة براتيسلافا، إن "ماي أخبرته أن بريطانيا قد تكون مستعدة لإطلاق مفاوضات الخروج في شهر فبراير/شباط المقبل".

ولا يقتصر الخلاف على تحديد موعد "الانفصال"، إذ لا تبدو الدول الأوروبية "على قلب رجل واحد" بهذا الخصوص. وبينما يدعو وزير الخارجية الألماني، فرانك-فالتر شتاينماير، إلى ضرورة الشروع في "المفاوضات في أسرع وقت، حتى لا نُترك في فراغ"، أخبر الرئيس الإستوني، توماس هندريك إلفيس، "بي بي سي"، أنه "لا يعتقد بوجود أي إمكانية قانونية لإجبار بريطانيا على الإسراع في عملية الخروج، ويتعين علينا أن نمنحهم وقتاً، والسماح لها أن تقرر مدى السرعة التي تريدها للقيام بذلك".

أما نقطة الخلاف الثانية، والتي لا يبدو أن دول الاتحاد الـ27 متوافقة بشأنها أيضاً، فتتعلق بالنهج الذي ينبغي أن يسلكه الاتحاد في مفاوضاته مع بريطانيا. بينما لم يتردد رئيس الوزراء السلوفاكي، روبرت فيكو، بالقول بعد قمة براتيسلافا، إن أوروبا ستعمل جاهدة لتجعل من مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي "مؤلماً جداً" لها من الناحية الاقتصادية... لتكون بريطانيا مثالاً وعبرة لمن يرغب في المغادرة"، ترى المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، أن الاتحاد الأوروبي ليس بحاجة لأن يكون قاسياً في مفاوضاته مع بريطانيا، وأن ردع الدول الأخرى من مغادرة الاتحاد الأوروبي يجب ألا يكون أولوية في المحادثات. كما تعتبر أنه لا بد من إيجاد مناخ "موضوعي وجيد" في المفاوضات مع بريطانيا التي "يتعين أن تجرى بصورة مناسبة".

وعلى الرغم من تقليل رئيسة الوزراء البريطانية من أهمية التهديدات التي لوحت بها بعض دول الاتحاد الأوروبي في ما يخص مسار المفاوضات وجوهرها، إلا أن البحث في صميم القضايا الأساسية التي ستدور حولها المفاوضات، يعكس مدى الخلاف بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وبالتالي صعوبة العقبات الذي ينبغي على هذه المفاوضات تجاوزها وصولاً الى "طلاق ودي" يحافظ على علاقة صداقة وتعاون بين الطرفين. وتعد مسألة التحكم في الحدود إحدى قضيتين هامتين ستكونان محور مفاوضات "بريكسيت" بين لندن وبروكسل، إلى جانب كيفية تنظيم التجارة عقب الخروج رسمياً. من جانبها، تقول الحكومة البريطانية، إن أولويتها في المفاوضات هي التحكم في الهجرة وتنظيم حركة الأفراد من دول الاتحاد الأوروبي إلى أراضيها.

وتعد مسألة حرية التنقل بين دول الاتحاد أحد أهم أسباب تصويت البريطانيين لصالح "بريكسيت"، لا سيما مع تفاقم أزمة المهاجرين إلى أوروبا منذ العام الماضي. بالتوازي مع ذلك، تُصر بريطانيا على التمتع بامتيازات التجارة الحرة مع دول الاتحاد. وفي مقابل الموقف البريطاني، تقول المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي، إضافة إلى الدول الـ27 الأخرى الأعضاء، والتي يجب أن تصدق جميعها بالموافقة على أي اتفاق مع بريطانيا كي يعتبر نافذاً، إن أي دخول بريطاني للسوق الأوروبية الموحدة لن يكون متاحاً إلا إذا قبلت لندن استمرار حرية حركة المواطنين الأوروبيين عبر الحدود. وقد عبر رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، عن ذلك صراحة: "لا يمكن قبول بريطانيا في السوق المشتركة بدون أن توافق على حرية تنقل العمال في الاتحاد الأوروبي".

وتظهر دول مجموعة "فيسيغراد"، التي تضم كلاً من سلوفاكيا والتشيك وبولندا والمجر، أكثر حزماً إزاء المطالب البريطانية، إذ تعتزم التصويت برفض أي اتفاق لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يتضمن تقييد حقوق المواطنين الأوروبيين في حرية التنقل والمعيشة والعمل في بريطانيا وفقاً لنظام الحدود المفتوحة، كما أعلن ذلك صراحة رئيس الوزراء السلوفاكي، روبرت فيكو. وقال فيكو لصحيفة "ذي غارديان" البريطانية، الأحد الماضي، إن دول "فيسيغراد" لن تسمح بالمساومة في هذا الأمر، و"إذا لم نضمن تمتع الأوروبيين الذين يعيشون ويعملون في بريطانيا بالحقوق المتساوية، فسنعترض على أي اتفاق بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا... وبريطانيا تعلم أن هذه قضية لا مكان فيها للمساومة بالنسبة لنا".

 

المساهمون