شروط إيران للبقاء في الاتفاق النووي على طاولة الأوروبيين

16 مايو 2018
وصف ظريف اجتماعه بموغيريني بالبناء (تيري موناسي/فرانس برس)
+ الخط -

أنهى وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أمس الثلاثاء، الجولة الأولى التي أعادت طهران إلى طاولة المحادثات مع أطراف الاتفاق النووي، باستثناء أميركا، فتباحث مع الشركاء في كل من الصين وروسيا أولاً، ليتوجه بعدها إلى بروكسل، ويجلس مع الأطراف الأوروبية التي تراها طهران مصدراً للقلق على اتفاقها النووي. ووضع ظريف، ومن معه، لائحة الشروط التي تطلب طهران ضمانات لتحقيقها لتبقى في الاتفاق النووي بعد انسحاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، منه. ووصف ظريف اجتماعه مع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، بأنه بناء، معتبراً أن "المحادثات على المسار الصحيح لضمان مصالح إيران في الاتفاق النووي".

وأطلقت إيران على حوارها الجديد عنوان المباحثات بينها وبين دول "4 +1"، وهي ذات أطراف الاتفاق، الذي لم يعد بينها وبين السداسية الدولية، أميركا. وأولى الطلبات الإيرانية التي وصلت إلى طاولة الأوروبيين، حتى قبل وصول ظريف إلى بروكسل، تتعلق بضرورة تشكيل لجنة جديدة للإشراف على تطبيق الاتفاق، تضم الجميع باستثناء أميركا. فتلك اللجنة كانت تعقد اجتماعات مرة كل ثلاثة أشهر منذ الإعلان عن الاتفاق في يوليو/تموز 2015، ومن المفترض أن تستمر على هذا المنوال في حال الحفاظ عليه، لكن طهران طلبت كذلك الفصل بين عمل هذه اللجنة وعناوين الحوار المؤقت الذي يدور حول الضمانات. وحددت طهران فترة لا تتجاوز الستين يوماً، وأعطت الأوروبيين خصوصاً فرصة محدودة ومحددة، وهو ما جاء على لسان الكل في مراكز صنع القرار في إيران، بل إن البعض يتوقعون انتهاء الحوار قبل ذلك، فالأمور ستكون محسومة بالنسبة لطهران التي تريد الحفاظ على الاتفاق النووي لحصد المكتسبات الاقتصادية أولاً، والسياسية ثانياً، لكنها تعلم أن ذلك لن يكون سهل المنال وأن الأمور إزاءها تتجه نحو المزيد من التصعيد. ونقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية، أمس، عن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، قوله، إنه من الممكن مناقشة مستقبل الاتفاق النووي مع إيران من دون مشاركة الولايات المتحدة. واعتبر ريابكوف أنه "سيكون من المستحيل الحفاظ على الاتفاق النووي من دون أن تقدم طهران تنازلات". وأضاف أن قرار الولايات المتحدة بشأن إيران كان "متسرعاً" في ظل المحادثات النووية بشأن شبه الجزيرة الكورية.

وفيما يتعلق بقائمة الضمانات التي طلبتها إيران، أشار عضو لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية البرلمانية، محمد جواد جمالي، إلى أنها لا تخرج عن إطار ما كان يجب أن تحصل عليه البلاد بموجب الاتفاق النووي ذاته، وهو ما لم تحققه، لا الأطراف الأوروبية ولا أميركا، لا بل على العكس، وقفوا بوجهه، بحسب قوله. وقال جمالي، في حديثه مع "العربي الجديد"، إن النقطة الرئيسية في قائمة المطالب ترتبط بضرورة إلغاء العقوبات الاقتصادية والمصرفية المفروضة على إيران بسبب النووي بشكل عملي وكامل، وهذا الأمر أقره الاتفاق بالفعل لكنه لم يطبق، مضيفاً أنه على أطراف الاتفاق الخمسة أن تبدأ بفتح العلاقات بين إيران والمصارف الأوروبية الكبرى، فهذا مطلب يجب تحقيقه عملياً لتبقى إيران في الاتفاق.

وأوضح جمالي أن النقطة الأخرى تتعلق بصفقة تسليم الطائرات المدنية الموقعة مع الأوروبيين، ويقصد بذلك صفقة "إيرباص" الفرنسية خصوصاً، إضافة لعقود مع شركة إيطالية، مشدداً على أنه يجب ضمان تطبيقها في المستقبل، إلى جانب تأكيد المفاوضين على ضرورة تنفيذ العقود المتعلقة بالقطاعات العلمية، والتقنية، والنفطية وغيرها. ونوه إلى نقطة في غاية الأهمية وضعت ضمن اللائحة الإيرانية كذلك، وترتبط بمفاعل "آراك" النووي الذي ظل نقطة شائكة في مفاوضات إيران النووية مع الغرب في سنوات سابقة، فسمح لها بموجب الاتفاق النووي بالإبقاء على عمل "آراك" وبالماء الثقيل أيضاً، شرط إعادة تصميم قلب المفاعل بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتصدير الفائض من منتوجه من الماء الثقيل للخارج بما يمنع طهران من تصنيع سلاح نووي. وكانت السداسية الدولية، التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، وافقت على مساعدة إيران في إعادة تصميم المفاعل. وينص الاتفاق على أن تدير إيران المشروع، وأن تقوم أميركا بتقديم الدعم الفني ومراجعة التصميم، فيما ستشارك الصين في تنفيذه وإعادة تصميمه. وقد أعلنت هيئة الطاقة الذرية الإيرانية عن الانتقال للمرحلة الثانية من مشروع إعادة التصميم، وهو ما يعني ضرورة استكماله. وبحسب جمالي فإن على الأطراف الباقية في الاتفاق إيجاد صيغة تفاهم حول هذه النقطة قبل استمرار العمل به.



وأكد النائب وعضو لجنة الأمن القومي، علي رضا بيغي، على هذه النقاط التي حملها ظريف للخارج ووضعها على طاولة أطراف الاتفاق، قائلاً إن إيران قدمت تنازلات ووافقت على القيود لتحصل على المكتسبات بالمقابل، ومن الطبيعي أن يتعهد الآخرون بتنفيذ ما عليهم، فخلال العامين الماضيين من عمر الاتفاق وقفت أميركا بوجه وصل طهران بالنظام المالي الدولي، وهو ما عرقل تعاملاتها البنكية، وهذا المطلب من أهم الأمور التي يجب ضمان تحقيقها. وأضاف، لـ"العربي الجديد"، أن "استمرار العمل بالاتفاق سيكون خسارة لن نجني من ورائها شيئاً إذا لم نحصل على الفوائد".

وفي الوقت الذي بدأ فيه المفاوضون الإيرانيون، وهم مسؤولون في وزارة الخارجية بالأساس، جولتهم الجديدة، أبدى البعض في الداخل تحفظاً على النتائج، حتى أن نواباً في البرلمان الإيراني بدأوا بالتحضير لمشروع قانون لإلزام الحكومة بالرد على خطوة أميركا. لكن بيغي أوضح، لـ"العربي الجديد"، أن هذا توقف مؤقتاً لإعطاء فرصة ولإتمام الحجة، منعاً لاستخدام ذرائع قد لا تصب لصالح إيران مستقبلاً، التي ستبذل ما بوسعها حتى النهاية. وأضاف أنه بحال عدم الحصول على الضمانات سيتحرك البرلمان، وهناك قانون صوت عليه النواب سابقاً يكلف الحكومة بالرد على الانتهاكات، كما ستتخذ السلطات العليا في البلاد القرار المتعلق باستمرار العمل بالاتفاق من عدمه في حينه، حسب وصفه.

ورغم المساعي الدبلوماسية، فإن حالة التشاؤم حاضرة وبقوة، فلا يمكن للدول الأوروبية أن تتخذ قرارها بشكل منفصل عن الولايات المتحدة. وبحسب رئيس تحرير القسم الدولي في وكالة "مهر" الإيرانية محمد قادري فإن "أمام الاتحاد الأوروبي قراراً صعباً. فحتى لو منح الضمانات لإيران، فهل سيكون التطبيق سهلاً؟ وهل سيستطيع تبديد قلق ومخاوف الشركات التي قد تواجه عقوبات أميركية؟". واعتبر قادري أن إيران تعمل لأجل صورتها أمام المجتمع الدولي ولتثبت للجميع أنها ليست الطرف الذي خرّب اتفاقاً كان كفيلاً بتحقيق الأمن، موضحاً أن انسحاب أميركا يعني وجود التزامات لن تطبق وستعود على إيران بالضرر، لكن البقاء حتى النهاية مرتبط بقبول الشروط، التي لن تكون شفهية، وإنما ستطلب طهران تدوينها كذلك، مؤكداً أن المعنيين جهزوا هذه اللائحة لتكون ضمن الخيارات التي دار الحديث عنها سابقاً، إذ كانوا يتوقعون سيناريو الانسحاب الأميركي.

لا تبدو طهران قلقة من الطرفين الروسي والصيني، بل إنها بدأت تتحدث عن إمكانية منحهما العقود التي حصلت عليها أطراف أوروبية، حتى في حال تمزيق الاتفاق. وبحسب عضو لجنة الطاقة البرلمانية، جلال ميرزايي، فإن بعض الصفقات النفطية موقعة مع "توتال" الفرنسية، وأخرى مع شركات من روسيا والصين، مؤكداً أن تراجع "توتال" يعني منح الامتيازات للصين التي أعلنت عن جهوزيتها لتسلم المشروع الضخم جنوبي البلاد. ونقلت عنه وكالة "إيسنا" قوله إن هناك 35 مشروعاً قد تتأثر بعودة العقوبات الأميركية، وأنجزت إيران حتى الآن 60 في المائة من المباحثات المتعلقة بها، وهو ما يعني احتمال تأخرها وربما تعليقها، لكنه أكد أن القطاع النفطي، الذي يعد الأهم في اقتصاد إيران، لم يمنح للشركات الغربية بالكامل، لكن القادم يتطلب تخطيطاً وإدارة جيدة. الكل في الداخل يجمع على أن الاتحاد الأوروبي لن يختار الصفقات الإيرانية والمواجهة مع أميركا، بل سيحاول أطرافه، الممثلون في الاتفاق، البحث عن صيغة مناسبة خلال الفترة المقبلة، فإيران تعلم أيضاً أن من بين ذات الأطراف من يؤيد التوجه الأميركي الداعي لكبح إيران إقليمياً وصاروخياً. وتبقى الشكوك تدور حول احتمال منح الضمانات النووية مقابل شروط أوروبية تتعلق بهذين العنوانين.