وفي 22 سبتمبر/ أيلول الحالي، اتهم الناشط السيناوي البارز مسعد أبو فجر، في مقطع فيديو بثه عبر حسابه بموقع "فيسبوك"، السيسي ونجله محمود بالوقوف وراء هجمات استهدفت الجيش المصري بشمال سيناء. وقال إنّ ضابطاً في المخابرات الحربية بتكليف من السيسي ونجله، هو الذي يقف وراء الهجوم على معسكر الأمن المركزي في منطقة الأحراش برفح عام 2017، وهو نفسه من يقف وراء هجوم رفح عام 2012، والذي راح ضحيته 16 من ضباط وجنود القوات المسلحة. وفي مقطع فيديو آخر، قال أبو فجر إنّ السيسي ونجله يديران شبكة لتهريب البضائع والأموال عبر معبر رفح البري والأنفاق إلى قطاع غزة، بما يدرّ ربحاً شهرياً يُقدر بنحو 45 مليون دولار، يأخذ السيسي ونجله منها 15 مليوناً.
وفي 19 سبتمبر/ أيلول الحالي، اعتقلت قوات الأمن المصرية حازم غنيم، شقيق الناشط وائل غنيم، عقب ساعات من نشر الأخير الموجود في الولايات المتحدة، فيديوهات يهاجم في أحدها محمود السيسي، فزاد غنيم من هجومه على نجل الرئيس وتوعّده بإثارة الرأي العام المحلي والدولي ضده.
في السياق، قال الحقوقي المصري أحمد سميح، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "محمود السيسي كضابط في جهاز أمني سيادي، ومثله مئات الضباط، أمر معتاد ألا يعرفهم أحد؛ كواحدة من ضرورات العمل الأمني"، مضيفاً أنّ "ظهور اسمه للعلن سببه استخدام والده له وللجهاز الذي يعمل فيه للتدخل في الملفات السياسية المختلفة، وهذا مؤشر خطير على تسييس أجهزة الدولة ذات الطبيعة السرية لتحقيق مصالح سياسية مباشرة للرئيس". وحول مدى تأثير اتهامات الفساد على صعود محمود السيسي أو حظوظه المستقبلية، أوضح سميح: "لا أعتقد أنه سيكون لذلك تأثير كبير بالنظر إلى إحكام السيسي سيطرته على مفاصل الدولة في مصر".
من جهته، اعتبر الكاتب المختص في الشأن الإقليمي، فادي القاضي، أنّ "الحراك الحالي في مصر قد يكون مؤشراً بالغ الدلالة والأهمية على تنامي التجاذبات في أروقة الحكم إلى درجة معقدة"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "صيغة التوافق بين أركان نظام يوليو 2013، لم تعد قابلة للاستمرار بالشروط نفسها، وهي في جوهرها قواعد لاقتسام النفوذ والسيطرة على المشهد السياسي والأمني والاقتصادي". وتابع القاضي أنّ "صعود نجم محمود السيسي قد يكون السياق الذي فهم منه المُقتَسِمون أن الرئيس الحالي عاقدٌ العزم على تغيير القواعد التقاسمية التي توافقوا عليها سابقاً".
وأوضح القاضي: "لا أعتقد أنّ هؤلاء تناسوا أنّ صيغة التوريث التي كان الرئيس المخلوع حسني مبارك يُعدّها لنجله جمال، كانت أيضاً صيغة غير مقبولة، وبعضهم عمل ضدها سراً أو علانية. لكن وضْع محمود السيسي على رأس المؤسسة الأمنية الأكثر حيوية وحساسية ليس فقط صيغة أخرى للتوريث، بل هو صيغة مباشرة لتمكين السيسي من السيطرة مباشرة على أدق تفاصيل المشهد الأمني، وهو بالضرورة يدفع بأركان السلطة إلى اتخاذ مواقف دفاعية، وربما تكون أكثر شراسة في الفترة المقبلة".
وأضاف القاضي أنّ "الأحداث الأخيرة تؤشر على أن أركان نظام يوليو (تموز) 2013 تتطاحن بشكل علني، لكن ليس هناك إمكانية معلوماتية واقعية تساعد في توقُّع مَن ستكون له الغلبة؛ مع الأخذ بالاعتبار غياب أي مشروع مدني أو جهة مدنية من شأنها التدخل لكبح جماح هذه الأطراف المتصارعة".
إلى ذلك، يطرح محللون فكرة مغايرة تتمحور حول تعمد إبراز محمود السيسي حالياً كمناورة معدة مسبقاً للدفع بأحد شقيقيه إلى الواجهة لاحقاً، على غرار ما جرى مع نجلي مبارك في السابق، إذ كان الشقيق الأكبر علاء هو الأشهر على الساحة قبل أن يتوارى ليتم لاحقاً الدفع بشقيقه جمال إلى صدارة الصورة.
ويشغل الابن الأكبر للسيسي، مصطفى، وظيفة عليا في هيئة الرقابة الإدارية، في حين أنّ ابنه الثالث، حسن، كان يعمل في إحدى شركات البترول، لكنه التحق أخيراً بجهاز الاستخبارات.
وفي السياق، قال الباحث المختص بقضايا التحول الديمقراطي، عبده موسى، إنه من الصعوبة الجزم بأنّ الهجوم على محمود السيسي موجّه، أو أنه جزء من الصراعات داخل المكون الدفاعي والاستخباري. وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "في ضوء ما عرفنا من موقف متململ، بل ورافض لتوريث جمال مبارك الحكم قبيل ثورة يناير، لا مجال لاستبعاد تكرار الغضب داخل الأجهزة الاستخبارية بالذات من سيناريو مشابه للتوريث، ويزداد الأمر مع كسر ترقية محمود السيسي لأعراف القيادة التراتبية، والدفع به إلى موقع متقدم يفوق خبرته ورتبته، وسط أقاويل عن قيامه بدور المدير الفعلي للمخابرات العامة، فيما يبدو عباس كامل مجرد ستار، فضلاً عن إطاحة السيسي بجيل كامل من قيادات الجهاز لإفساح المجال لصعود ابنه".
ورأى موسى أنّ الهجوم على محمود السيسي "سيترك أثراً على شعبية والده، وربما ينصحه مقربون بتهميش ابنه لخفض حدة الضغط عليه، مثلما فعل مبارك حين همّش نجله علاء بعدما تضخمت الأقاويل حول فساده، وجرى بعد ذلك تصعيد الابن الأصغر جمال ليحتل واجهة مشروع التوريث"، لافتاً إلى أنه "قد يتكرر هذا السيناريو مع محمود السيسي ليحلّ محله شقيقه الأكبر مصطفى، الذي ارتبط اسمه في جهاز الرقابة الإدارية بتفجير قضايا فساد كبرى".
بدوره، رأى المحلل السياسي عمرو خليفة أنّ "الزج بمحمود السيسي في أعماق الدولة العميقة خطوة تكتيكية محسوبة لأبعد الحدود، ليكون عين والده داخل المنظومة، وعينه على (الرعايا) خارجها، فضلاً عن كونه خط دفاع أولياً"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "هناك مؤشرات واضحة على خطة توريث، ربما على المدى البعيد، بدليل الترقيات السريعة، ودوره في التعديلات الدستورية الأخيرة".
وحول وجود حالة من الغضب من بروز نجل السيسي، قال خليفة إنّ "الفترة الأخيرة شهدت ما يمكن اعتباره تحركات ضدّ الأب والابن معاً، وربما كان هذا تكراراً لما حدث سابقاً من الدولة العميقة ضدّ مبارك وابنه جمال. وبناءً على ذلك، فإنّ الأيام والأسابيع المقبلة ستحدّد المستقبل، فنحن أمام صراع وجودي على السلطة، وعلى أسلوب الحكم نفسه، والهجوم من المعارضة انطلق بالفعل، وأعتقد أنه سيتصاعد، ونهاية المعركة ستقرر دور محمود السيسي وحجمه، فإما يصبح رئيساً لمصر بعد والده، أو في السجن أو المنفى مع أبيه".
وفي يونيو/ حزيران الماضي، قالت مصادر لـ"العربي الجديد"، إنّ هناك توسعاً لنفوذ محمود السيسي داخل جهاز الاستخبارات العامة، الذي انتقل إليه من جهاز الاستخبارات الحربية بعدما حصل على ترقيتين في مدة زمنية قصيرة للغاية، إذ تمّت ترقيته من رتبة مقدّم في 2014، إلى عقيد، ثمّ إلى عميد، وهي الرتبة التي مكّنته من شغل درجة وكيل جهاز في الاستخبارات.
وأكدت المصادر أنّ نجل السيسي بات صاحب الكلمة العليا داخل الاستخبارات العامة، والمشرف على الملفات الأهم بدعم من اللواء عباس كامل، الذي كان يشغل منصب مدير مكتب رئيس الجمهورية قبل انتقاله لرئاسة الاستخبارات العامة، وأنه يتولى شخصياً ملف الإعلام. وأشارت المصادر إلى أنّ "محمود السيسي تتم تهيئته لموقع ما، ولا يستبعد أن يكون ذلك الموقع هو خلافة اللواء عباس كامل على رأس الاستخبارات العامة".
من جهته، قال مصدر مقرب من دوائر صناعة القرار المصري، لـ"العربي الجديد"، إنه "بعدما تم فرْض محمود السيسي على ملفات داخلية، بدأ توجُّه جديد بتقديمه إلى الخارج عبْر ملفات إقليمية"، مضيفاً أنه "تولى الإشراف على ملف إدارة العلاقات مع السودان عقب سقوط الرئيس المخلوع عمر البشير، وهناك محاولات لتوليه ملف العلاقات المصرية الأميركية". وفي هذا الإطار، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في يناير/ كانون الثاني عام 2018، أنّ محمود السيسي زار واشنطن مرة واحدة على الأقل.
وفي منتصف إبريل/ نيسان الماضي، نشرت صحيفة "التايمز" البريطانية، تقريراً بعنوان "السيسي يجنّد أولاده لمساعدته على البقاء في السلطة حتى 2030"، على خلفية تمرير التعديلات الدستورية التي تمدد بقاءه في السلطة.
وفي أول انتخابات برلمانية في مصر بعد انقلاب يوليو/ تموز 2013، أقيمت "غرفة عمليات الانتخابات" داخل مقر المخابرات العامة، وكان محمود السيسي واحداً من أربعة أشخاص في الغرفة التي أدارت المشهد الانتخابي عبر اجتماعات يومية، وقامت بصناعة قائمة "في حب مصر" المؤيدة للسيسي، والتي هيمنت على البرلمان. وقد قال الناشط السياسي المسجون حالياً، حازم عبد العظيم، في شهادة نشرها على موقع "فيسبوك"، إنه كان مشاركاً في أحد تلك الاجتماعات بحكم نشاطه السابق كمسؤول للجنة الشباب في حملة السيسي الرئاسية الأولى.
بدورها، قالت مجلة "لسبريسو" الإيطالية في تقرير نشر عام 2016، إنها لا تستبعد أن يكون محمود السيسي أحد المطلعين على معلومات خاصة بشأن الباحث الإيطالي الذي قتل في مصر جوليو ريجيني حتى قبل اختفائه. وذكرت الصحيفة أنها اطلعت على "تفاصيل مقلقة بشأن دور محمود السيسي"، أوردتها عبر منصة "ريجينيليكس" الإلكترونية التي أطلقتها المجلة لتسليط الضوء على مقتل ريجيني، لكنها قالت إنها تمتنع عن نشر تلك التفاصيل لأن المسألة حساسة.