وعرض الباحثون المشاركون في المنتدى، من دول عربية وأجنبية، أبرز القضايا المتعلقة بصنع السياسات العامة في دول الخليج العربية، وهو موضوع المحور الأول الذي تطرّق الباحثون خلاله لمناقشة القضايا الداخلية لدول الخليج العربية، فيما اكتست الأوراق المقدمة في المحور الثاني المتعلق بتحديات البيئة الإقليمية والدولية أهمية خاصة؛ بالنظر إلى معالجتها قضية حيوية وراهنة، وهي أمن الخليج في بيئة متغيرة.
وشهدت الجلسة الرابعة للمنتدى، والتي كان محورها أيضاً صنع السياسات العامة في دول الخليج العربية، نقاشا حول التعليم واللغة العربية. واعتبر أستاذ علم الاجتماع التربوي بجامعة الكويت علي وطفة، أن الثورة التكنولوجية في التعليم، والتي فرضها التسارع التكنولوجي، أجبرت صناع السياسات العامة على إجراء تغيير جوهري في برامج ووظائف واستراتيجيات التعليم، حيث جرى إعادة النظر، على نحو جذري، في العديد من الأنظمة التربوية والتعليمية المعمول بها في عُمان على سبيل المثال.
أما سيف المعمري، الأكاديمي في كلية التربية بجامعة السلطان قابوس، فقد أشار في ورقته المشتركة مع جليلة البلوشي وهلال السالمي، إلى أنه على الرغم من التطورات التي شهدها قطاع التعليم، بشقيه المدرسي والعالي، خلال العقود الخمسة الماضية، فإن السياسات التعليمية العُمانية في حاجة إلى مراجعة من الداخل من أجل التعرّف على جوانب الضعف والقوة بداخلها، وذلك بهدف المساعدة في صنع سياسات تعليمية تدرك التعقيدات المختلفة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تؤثر في التعليم في عُمان.
و في السياق ذاته، تطرّق عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الشرقية بسلطنة عُمان عبد الله التوبي، في ورقته المشتركة مع أستاذ التربية الخاصة في جامعة نزوى بسلطنة عُمان أحمد الفواعير، إلى المواطنة في سياسات التعليم في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مع التركيز على الحقوق والواجبات، وأوصى بضرورة جعل قيم المواطنة ركيزة أساسية في تطوير المنظومة التعليمية في دول المجلس، وكذلك غرس مفاهيم المواطنة الفاعلة لدى الطلبة الجامعيين وأعضاء هيئة التدريس.
الحوكمة والمجالس التمثيلية
وتناولت الجلسة الخامسة، ضمن محور صنع السياسات العامة، التحديات التي تواجه صناع السياسة في دول الخليج العربية. وفي ورقته، لفت أستاذ السياسات العامة في جامعة قطر، أحمد بدران، إلى أنه على الرغم من التحولات التي شهدتها ساحة صنع وتنفيذ السياسات العامة مؤخرًا، ولا سيما تنامي دور الفاعلين غير الحكوميين في منظومة صنع وتنفيذ السياسات العامة، فإن هذا لا يعني تراجع الدور الحكومي أو فقدان الجهات الحكومية السيطرة الكاملة على عمليات صنع وتنفيذ السياسات العامة في دول الخليج العربية؛ إذ لا تزال الجهات الحكومية تمتلك جلّ الصلاحيات لصنع السياسات العامة.
وركز الباحث العماني يوسف بن حمد البلوشي على أن دراسة السياسات العامة في دول الخليج العربية تستوجب فهم واستيعاب الروابط والتشابكات التي تحكم العلاقة بين المتغيرات: من يُؤثر ومن يتَأثر، قبل الشروع في تحليل صنع السياسات ووضع حلول للاختلالات الواضحة التي يرزح تحت وطأتها الاقتصاد المحلي، والتي تمس جميع عوامل الإنتاج.
وأشار إلى أنّ دول الخليج تمتلك كل المقوّمات والموارد والممكنات الضرورية للانطلاق إلى آفاق أرحب من التنمية، إلا أنّ ما ينقصها، كغيرها من الدول الناميَة، هو مزيج السياسات العامة الضرورية لتحقيق النموّ المستدام والتعامل مع التحديات المحلية الهيكلية.
واختتِمت الجلسة بورقة للباحث بمجلس الشورى العماني، هلال الحبسي، عرض فيها التحديات التي تواجه المجالس التمثيلية في تطبيقها للممارسة الديمقراطية الفعلية بدول الخليج العربية، مع التركيز على مقارنة صلاحيات مجالس الشورى بين دوّل الخليج العربية من جهة، وحضورها الفعلي في العمل التنموي من خلال أدائها التشريعي، والعمل الرقابي على السُلطات التنفيذية، والمشاركة في إعداد ومراجعة الخطط التنموية، وإقرار الموازنات المالية، وما يترتب على ذلك من متابعة ومراقبة لتنفيذ العمل بالخطط والموازنات من جهة ثانية.
حقوق الإنسان واستطلاعات الرأي والإصلاح
وفي الجلسة السادسة والأخيرة من محور صنع السياسات العامة، قدمت أستاذة القانون والسياسة العامة بجامعة حمد بن خليفة في قطر، إليني بوليمينوبولو، ورقة عن حضور قضايا حقوق الإنسان في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على أجندة صنّاع السياسات. مؤكدة على ضرورة قيام دول الخليج العربية بتعزيز حقوق الإنسان في دول المجلس، من خلال إدخال تغييرات تشريعية وتعزيز التحولات السياسية في قطاعات الأعمال والثقافة والتعليم، بما في ذلك تلك الدول التي يكون سجل حقوق الإنسان فيها منخفضًا على نحو خاص أو متدهورًا.
وعن دور استطلاعات الرأي العام في صنع السياسة، أشارت باحثَة الدكتوراه في جامعة ماليزيا للتكنولوجيا، خولة مرتضوي، إلى دور استطلاعات الرأي العام في دولة قطر، وأهميتها في رسم المشهد السياسي للدولة، ومدى استفادة صنّاع القرار والمخططين الاستراتيجيين في الدولة من نتائج استطلاعات الرأي العام في رسم السياسات العامة. وأوصت بضرورة الاهتمام بنتائج وتوصيات مراكز استطلاعات الرأي العام، ونقلها من دورها في مرحلة وصف وتحليل اتجاهات الرأي العام إلى مرحلة الإسهام الحقيقي في رسم وصنع السياسات.
واختتِمت الجلسة بورقة للباحث نبيل حسين ركز فيها على أن القطاع الهيدروكربوني قطاع غير متجدد وآيل إلى النفاد، وينبغي تخفيض نسبة مشاركته في الناتج المحلي الإجمالي مقابل زيادة مشاركة القطاع غير الهيدروكربوني، وذلك بهدف ضمان التنويع الاقتصادي الشامل الذي يهدف إلى تأسيس بنى تحتية جيدة توفر مناخًا ملائمًا للاستثمار، يحفز إنشاء مشاريع صغيرة أو متوسطة بهدف تحفيز القطاع الخاص وزيادة مشاركة المواطنين القطريين فيه ليكونوا موجّهين لعملية التنمية الاقتصادية، وأنواع التنمية الأخرى، في إطار مفهوم التنمية المستدامة.
الأمن في الخليج العربي
وفي محور أمن الخليج في بيئة متغيرة، دعت باحثة الدكتوراه في جامعة قطر، العنود آل خليفة، لضرورة أن تبذل بلدان الخليج العربية جهودًا أكبر لضمان أمن الطاقة، من خلال تنويعها بعيدًا عن اعتمادها على النفط والغاز، والسعي إلى تحقيق تنمية مستدامة تعالج المتطلبات البيئية وتزيد من معدلات النمو الاقتصادي.
كما أشار الباحث في مركز دراسات الخليج بجامعة قطر، نيكولاي كوزانوف، إلى وجود حاجة إلى تكوين بنية دولية جديدة تساهم في تشكيلها دول الخليج العربية، تشبه "أوبك"، تكون قادرة على مراقبة الوضع في سوق النفط، وعند الضرورة، قادرة على اتخاذ خطوات عملية لتنظيم حجم إنتاج النفط من جانب أعضائها لضمان التوازن بين العرض والطلب.
وقدم أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر سابقا، محمد المسفر، ورقة عن الدور المفقود لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وأشار إلى أن مجلس التعاون، الذي مرّ على تأسيسه نحو 38 عامًا، لم يقُم بالدور المطلوب منه لمواجهة التحديات التي تواجهها دول الخليج العربية، ولا سيما أنّ الظروف التي أدت إلى تأسيس المجلس هي الظروف ذاتها، بل اشتدت أكثر مما كان الحال عليه عند النشأة، ولا سيما خلال الأزمة الخليجية التي بدأت في منتصف عام 2017.
أما الباحث في مركز الجزيرة للدراسات، لقاء مكي، فقدّم ورقة عن تأثير المتغيرات السياسية في العراق في أمن منطقة الخليج العربية. وأشار إلى أن التعاون الخليجي العراقي خلال الحرب العراقية الإيرانية كان مؤشرًا على طبيعة الدور العراقي في موازين القوى في المشرق العربي، وهو ما فهمته دول مجلس التعاون حينما وضعت ثقلها خلفه في مواجهة إيران.
وأشار الباحث في الشؤون الاستراتيجية علي الذهب، إلى الأثر الذي تركته الحرب اليمنية على أمن دول الخليج العربية. وقال إن التحالف العربي، بقيادة السعودية والإمارات، في الساحل الغربي على البحر الأحمر، حفز الحوثيين إلى تغيير معطيات الحرب، وخلط أوراقها، اعتمادًا على الدعم الإيراني، وقد دلّت على ذلك المئات من هجمات الصواريخ الباليستية، والطائرات المسيّرة، على المنشآت الاستراتيجية السعودية، في العاصمة الرياض، والمنطقة الشرقية، وخلف خطوط القوات السعودية في المدن الحدودية الجنوبية، الأمر الذي فتح المجال لتهديد أمن دول الخليج العربية مجتمعةً.
وفي الجلسة الختامية لمحور أمن الخليج العربي في بيئة متغيرة، قدم مدير شركة "واشنطن آناليتيكا" للاستشارات السياسية محمد المنشاوي، ورقة عن كيفية تعامل الدول الخليجية مع مؤسسة الكونغرس خلال عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب، مشيرًا إلى أنّ الخليج العربي وقضاياه لم يكونا بعيدين عن دائرة الخلاف بين الكونغرس وإدارة ترامب؛ فقد دفعت قضايا مثل حصار قطر، إضافة إلى قضايا تتعلق باستمرار الدعم الأميركي لحرب التحالف العربي في اليمن، وقضايا المعتقلين السياسيين في السعودية، وأخيرًا قضية نقل التكنولوجيا النووية إلى المملكة العربية السعودية، الكونغرس إلى الضغط ليؤدي دورًا أكبر خلال سنوات حكم ترامب الثلاث الأولى.
كما لفت أستاذ القانون الدولي بجامعة حمد بن خليفة في قطر، إلياس بانتكاس، في ورقة قدمها حول استراتيجية دولة قطر في مواجهة الحصار، إلى أنّه منذ اندلاع أزمة حصار قطر منتصف عام 2017، وضعت الدوحة استراتيجية من شقيّن؛ عمل دبلوماسي يومي يقوم على لقاءات مكثفة مع العديد من الدول، ومن ناحية أخرى استفادت قطر من القوانين الدولية وآليات العمل المعمول بها في مؤسسات الأمم المتحدة القضائية منها والسياسية، وبهذه الطريقة، أظهرت قطر التزامًا راسخًا بسيادة القانون والحكم السليم.
وقال مدير قسم التحرير في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، عماد قدورة، في ورقة تطرق فيها للعلاقات الاستراتيجية بين الخليج وتركيا، إنه على الرغم من أن تلك العلاقات تعززت مع بعض دول الخليج العربية خلال السنوات القليلة الماضية، مثل قطر والكويت، إلا أنها شهدت تراجعًا، على الصعيد السياسي على الأقل، مع دول أخرى مثل السعودية والإمارات والبحرين. وأضاف أن ثمة عاملين رئيسين يؤديان دورًا مهمًا في تصور الخليج كمصلحة استراتيجية؛ أولهما مفهوم "العمق الاستراتيجي". وثانيهما، الاقتصاد، وهو عامل أساسي في تصور حزب العدالة والتنمية لمنطقة الخليج التي تعتبر فرصة واعدة للنمو الاقتصادي التركي.
فيما اعتبرت باحثة الدكتوراه بمركز دراسات الخليج في جامعة قطر بتول دوجان، أن انخراط تركيا في منطقة الخليج العربية تحوّل إلى مزيج من العلاقات العسكرية والسياسية، والمدفوعة بحوافز من العلاقات ذات البعد الاقتصادي التي تعود بالمنفعة على تركيا، وتعزز دورها السياسي والاستراتيجي في منطقة الخليج العربية.