ووفقاً لمصادر مطلعة تواصلت معها "العربي الجديد" في وزارة الصحة، فإن شهر مايو شهد زيادة بنسبة 30 في المائة تقريباً في التبليغ بحالات الوفاة في الوحدات الصحية والمستشفيات، توطئة للحصول على شهادات الوفاة الرسمية من مصلحة الأحوال المدنية. وتأتي هذه الزيادة قياساً بشهر إبريل/نيسان الماضي، ما يعني أن الوفيات تدور حول 55 ألفاً في شهر واحد، وهو رقم يفوق بكثير الشهور الأعلى تسجيلاً للوفاة خلال العامين 2019 و2018.
وسجّلت مصر في إبريل الماضي وفاة أكثر من 42 ألف مواطن، وروّجت السلطة آنذاك لكونها نجحت في تحقيق سيطرةٍ على معدلات الوفاة، رغم الجائحة، بحجة أن حالات الوفاة في مثل ذلك الشهر من العامين الماضيين كانت أعلى بحوالي ألف حالة.
وبلغ عدد الوفيات في مصر العام الماضي 557011 ألف وفاة، بمعدل 46 ألفاً شهرياً تقريباً، بينما كان العدد 560308 ألف وفيات في العام 2018 بمعدل 46.7 ألفاً شهرياً، وهو معدل غير ثابت حيث تزيد عنه الأعداد في أشهر الصيف الحارة والشتاء القارس وتنخفض في أشهر اعتدال المناخ، وذلك لارتباط العديد من حالات الأمراض المزمنة والمتوطنة بالتقلبات الجوية، حسب تقارير منظمة الصحة العالمية.
وأكدت المصادر "صحة الشعور المسيطر على الرأي العام، خصوصاً في وسائل التواصل الاجتماعي - التي زاد استخدامها بكثافة خلال الجائحة - بأن أعداد المتوفين من مختلف الأعمار في ارتفاع مستمر". وأوضحت هذه المصادر أن المحافظات الحدودية هي الأقل عرضة لهذا الارتفاع، بينما تتوازى الزيادات الكبيرة في الأعداد مع حالات الإصابة والوفاة المسجلة بسبب كورونا في المحافظات ذاتها تقريباً، مع عدم تطابق الأعداد بالطبع، وعلى رأسها القاهرة والجيزة والقليوبية، مع زيادة ملحوظة أيضاً في عدد المتوفين بمحافظات أسيوط والمنيا والدقهلية والمنوفية.
وقالت المصادر إنه نظراً لزيادة أعداد الوفيات المفاجئة أو بحالات مرضية، سواءً في الحضر أو الريف، إلى جانب تحويل جميع المستشفيات إلى مراكز استقبال حالات الاشتباه بكورونا، وتطلب الحالات المتوفاة بالفيروس إجراءات معينة للدفن تستغرق وقتاً طويلاً، وتستدعي بقاء الجثامين في ثلاجات المستشفيات لوقت طويل نسبيا، فإن عملية تسجيل الوفيات والحصول على تصاريح الدفن أصبحت أكثر تعقيداً وأطول في إجراءاتها. هذا الأمر يجعل الكثير من الحالات تتأخر في توثيق الوفاة بالاتفاق مع موظفي الوحدات الصحية والمحليات، الأمر الذي يتسبب في عدم تقديم صورة محددة للوضع العام على المستوى الرقمي والإحصائي.
وأشارت المصادر إلى أنه تمّ رصد بعض الحالات التي تأخر تسجيل وفاتها بضعة أسابيع خلال جائحة كورونا، بسبب مشاكل بين الأهالي والوحدات الصحية والمستشفيات، لتخوفهم من منعهم من دفن ذويهم حال تشخيصهم قبل أو بعد الوفاة كحالات كورونا، ما دفعهم للدفن العاجل بطريقة غير مشروعة قبل التبليغ بالوفاة واتباع الإجراءات القانونية.
ويعتبر معدل الوفيات بين حالات كورونا المسجلة في مصر حالياً من أعلى المعدلات في المنطقة العربية وأفريقيا، حيث يتراوح بين 3.8 و4.1 في المائة حسب الأعداد اليومية. وتفسر الحكومة ذلك بتأخر توجه المصابين أو ذويهم إلى المستشفيات للإبلاغ عن الحالات، وبالتالي تحدث الوفاة المبكرة قبل تلقي العلاج لحوالي 30 في المائة من الحالات، بحسب التقديرات الرسمية.
لكن أطباء ومسؤولين صحيين في خمس محافظات، يرجعون هذه النسبة العالية، على الرغم من مضاعفة أعداد التحاليل اليومية تقريباً منذ مطلع الشهر الماضي، إلى أسبابٍ عدة. أول هذه الأسباب، زيادة العدد الإجمالي للمسحات التي تسحب من المواطنين المشتبه في إصابتهم عن قدرة معامل وزارة الصحة على التحليل اليومي، مع استمرار الحفاظ على التحليل مرة كل يومين للمصابين المتواجدين بمستشفيات العزل والذين زاد عددهم. ويؤدي ذلك إلى تأخر حسم تسجيل الإصابة. فبعدما كانت النتيجة تظهر خلال 48 ساعة، أصبحت تظهر بعد فترة تتراوح بين 5 و7 أيام، ما يؤدي إلى تأخير تسجيل الحالات وقبولها بالمستشفيات، حتى إذا كانت في حالة صحية متأخرة وتعاني أعراضاً شديدة.
والسبب الثاني هو الإصرار على اتباع قواعد صارمة تتناقض مع الواقع ومقتضياته في إدخال المصابين للمستشفيات. فعلى سبيل المثال، يُكتفى بالأشعة لاعتبار الشخص مصاباً في حالات العزل المنزلي والأعراض البسيطة والمتوسطة فقط، ويشترط لدخول المستشفيات أن تكون التحاليل قد أجريت في أماكن حكومية، وكذلك باقي الفحوصات. كما يُشترط لدخول غرف الرعاية المركزة تقدم الحالات بنسب عالية.
ويأتي ذلك على الرغم من أن وزيرة الصحة هالة زايد، أعلنت نهاية الشهر الماضي، إجراء التقييم الإكلينيكي للحالات المشتبه في إصابتها بفيروس كورونا كأولوية قصوى في جميع مستشفيات الجمهورية، واعتماد نتائج الفحص الإكلينيكي، وأشعة الصدر، والتحاليل المعملية، وسائل لتشخيص الحالات المشتبه في إصابتها بكورونا. وجاء الإعلان في استجابة متأخرة للمطالبات الطبية تحت وطأة الزيادة الكبيرة في عدد حالات الاشتباه والمصابين بفيروس كورونا. كما أعلنت الوزارة بدء تلقي العلاج فوراً طبقاً للبروتوكول العلاجي المتبع حسب الحالة الصحية لكل مصاب، لحين ظهور نتيجة تحليل "بي سي آر" للمسحة المأخوذة من الحالة.
وكانت الوزارة تشترط في السابق ظهور نتيجة تحليل "بي سي آر" لبدء خضوع الحالة للعلاج، ما أدى إلى شيوع التعامل البطيء مع الحالات القادمة للمستشفيات كاشتباه، وإلى تأخر تشخيص وعلاج مئات الحالات، وبالتالي استغراقها وقتاً أطول في العلاج أو وفاتها. من جهتها، كانت الوزارة تتذرع فقط بمسألة تأخر الإبلاغ وانتشار الاعتقاد بالوصم الاجتماعي، في ظل الزيادة الملحوظة في تدفق الحالات على مستشفيات الحميات والصدر والتخصصية.
أما السبب الثالث لارتفاع نسبة الوفيات، فهو الإصرار على قصر الاعتماد في التحاليل على المعامل المركزية التابعة لوزارة الصحة فقط، وبالتالي ضمان سيطرة الدولة على تسجيل الأعداد الرسمية، بما في ذلك للحالات التي تتلقى العلاج بالمستشفيات الخاصة أو بالمنزل بعد تشخيصها في مستشفيات أو عيادات خاصة.
أما السبب الرابع، والذي يرتبط بجميع الأسباب السابقة، فهو امتلاء المستشفيات الحكومية المختصة بفرز حالات الاشتباه والإحالة والعزل، وعدم وجود أسرّة رعاية مركزة تكفي الحالات المتأخرة من بين الحالات المرصودة فقط. ويعود ذلك لضعف تمويل القطاع الصحي على مدار عهد عبد الفتاح السيسي، لصالح تدفق الأموال الحكومية والقروض والمساعدات في قطاعات ومشروعات أخرى، لم تنعكس بالإيجاب على ظروف المصريين.
وبحسب الأطباء، فإن السبب الخامس هو استمرار الارتباك في اتباع بروتوكولات العلاج، نظراً لعدم اعتراف الكثير من الأطباء بفاعلية البروتوكول المعتمد من الوزارة، واتباع بروتوكولات أخرى في بعض المستشفيات، فضلاً عن حالات الاشتباه والعزل المنزلي، وكذلك بسبب النقص الشديد في الكثير من الأصناف الدوائية بالسوق.
ولا تزال مصر تنتظر قدوم دفعات من عقار "ريمديسيفير" الأميركي من إنتاج شركة جلعاد، والذي تمّ اعتماده في عدد من الدول ذات السجل الجيد في التعامل مع الأزمة، وآخرها تايوان. وكان مصدر مسؤول في وزارة الصحة قد أوضح لـ"العربي الجديد"، أنه كان من المفترض وصول كميات من العقار منتصف مايو الماضي بناء على تنسيق مسبق بين القاهرة وواشنطن لتجريبه سريرياً، لكن ما حدث أن الدفعات المتفق عليها، والممولة من منظمة الصحة العالمية، تأخرت لأسباب تتعلق بالجانب الأميركي.
وأشارت المصادر إلى أن كل هذه الأسباب متضافرة تؤدي إلى تفضيل ذوي الكثيرين من المرضى، وبصفة خاصة في الأعمار المتقدمة، عدم التوجه بهم إلى المستشفيات، لتفادي تعريضهم للخطر في أواخر أيام حياتهم، أو لضيق ذات اليد وارتفاع تكلفة النقل والرعاية. ويساهم هذا التوجه في زيادة أعداد الوفيات بكورونا، خارج إطار ما تعلنه الدولة من أرقام يومية، فضلاً عن الوفيات بغيرها من أمراض، أو الحالات المتأثرة بتوقف العديد من الأنشطة الطبية لمواجهة الجائحة.