إنهاء الاحتلال.. شعار جديد لإدارة أوباما

25 مارس 2015
مهنا تحدثت عن الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين (العربي الجديد)
+ الخط -

تفوّقت ناشطة فلسطينية قادمة إلى واشنطن من غزة، على متحدثين كبار في مؤتمر "جاي ستريت" المناهض لسياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في جذب انتباه المشاركين في المؤتمر، ومعظمهم من يهود أميركا الليبراليين. وكان من بين أبرز المتحدثين وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جيمس بيكر، وكبير موظفي البيت الأبيض حالياً، دينيس ماكدونو.

ودُعيت الفتاة الفلسطينية الغزّية، مها مهنا، وهي غير معروفة على نطاق واسع، للمشاركة في المؤتمر، وإلقاء كلمة أمام المؤتمرين في اليوم قبل الأخير من أعمال المؤتمر. وعندما اعتلت المنصة، وقبل أن تنطق بكلمة واحدة، كان قد أعلن عنها حجابها بأنها فلسطينية قادمة من الأرض المحتلة، فحظيت بتصفيق حاد، لم يتوقف إلا عندما بدأت كلمتها بتنويه بسيط بأنها امرأة عادية لا تتعاطى السياسة ولكنها محبة للسلام، وتعرف تاريخ بلدها وشعبها وأهلها جيداً.

وأوضحت للحاضرين أن أباها ينتمي إلى بلدة فلسطينية كانت تسمى ذات يوم "المتنية الكبيرة" وتقع في إطار ما أصبح يُسمى الآن بجنوب إسرائيل، ولكن البلدة اختفت من الوجود بعد رحيل أهلها عنها. وتنتمي أسرة أمها إلى بلدة مجاورة، ولكنّ الأسرتين أجبرتا كغيرهما على الفرار إلى قطاع غزة في حرب 1948، ولذلك فلم يكن لدى الأسرتين أي استعداد للفرار مرة أخرى من غزة في حرب 1967، ولا في عدوان صيف 2014، فقد كان الدرس واضحاً بأن التاريخ لا يعود إلى الوراء. ورأت في كلمتها أن العدل والسلام لن يتحققا من دون الاعتراف بما وقع وبحق العودة، مؤكدة أن الشراكة في المستقبل لا يمكن أن تتم مع استمرار الإنكار (للحقوق المشروعة).

وشرحت الشابة الفلسطينية للحاضرين مدى معاناتها الشخصية ومعاناة أسرتها وجيرانها وأقاربها الفلسطينيين من القصف الجوي والبري الإسرائيلي لمنازلهم، بما في ذلك منزل أسرتها الذي يعيش فيه 13 طفلاً تعرضوا للرعب والإرهاب أثناء اهتزاز دارهم التي كادت سقوفها تنهار فوق رؤوسهم أثناء القصف المتكرر.

ووصفت الناشطة الفلسطينية ما ارتكبته حكومة نتنياهو تجاه سكان غزة بالجرائم ضد الإنسانية، معربة عن أملها في أن يأتي اليوم الذي ينتهي فيه الاحتلال لبلادها نهائياً وإلى الأبد.

ولم تكن مهنا هي الفلسطينية الوحيدة المشاركة في المؤتمر، إذ كان هناك متحدثون آخرون، حيث شاركت الإعلامية الفلسطينية، منى الشقاقي، في إدارة ندوة على هامش المؤتمر، تصدّرها العلم الفلسطيني، وشاركت فيها هدى عرقوب وخالد الجندي وسام بحور وآخرون، وتعرضت القيادة الفلسطينية الحالية برئاسة محمود عباس لانتقادات شديدة أثناء الندوة.

وذكر مصدر في منظمة "جاي ستريت" لـ"العربي الجديد" أن توجيه الدعوة لمهنا جاء بسبب تحقيق نشرته صحيفة "واشنطن بوست" قبل شهور عن صلة صداقة إنسانية ربطتها مع إسرائيلية مؤيدة للسلام تعيش في الجانب الآخر من الحدود مع قطاع غزة، الأمر الذي جعل المنظمة تطمئن إليها.

اقرأ أيضاً: "جاي ستريت" تُجسّد التنافر الأميركي الإسرائيلي

ولم تقتصر قائمة المتحدثين الأميركيين في المؤتمر على المؤيدين لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الديمقراطية أو مسؤولين في البيت الأبيض، بل دعي إلى المؤتمر كذلك عدد من المنتمين للحزب الجمهوري، أبرزهم وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جيمس بيكر، الذي كانت تربطه علاقات وثيقة في عهد الرئيس السابق جورج بوش مع تكتل "الليكود" اليميني الإسرائيلي.

ولكن بيكر، أثناء كلمته في المؤتمر، تماشى مع الجو العام السائد، ووجّه انتقادات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإن كانت أقل حدة من انتقادات الآخرين، إلا أنها تضمنت القول بأن تصريحات نتنياهو لم تكن موفّقة من الناحية الدبلوماسية. وأعرب بيكر عن خيبة أمله لعدم إحراز أي تقدّم نحو السلام الدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين خلال السنوات الأخيرة، في تحميل منه غير مباشر المسؤولية لنتنياهو. وأعاد بيكر التأكيد أن مبادلة الأرض مقابل السلام هو ما ظلت تدعمه جميع الإدارات الأميركية ويدعمه معظم الإسرائيليين، ولم يكن من المناسب لنتنياهو أن يبدي تراجعاً عن ذلك.

وكان رئيس "جي ستريت"، جيرمي بن عامي، قد قال في خطابه أمام المؤتمر "إننا نقول لنتنياهو، الذي يدّعي أنه يتحدث باسم الشعب اليهودي كله، أنت رئيس الحكومة، ولكن لا تتحدث باسمنا، فأنت لا تمثّلنا جميعاً". وأضاف بن عامي أنه على الرغم من أن أعضاء "جي ستريت" يشعرون بخيبة أمل من نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي فاز فيها نتنياهو، لكن هذا لا ينفي مدى "الغضب والألم الذي نشعر به عندما نرى رئيس حكومة إسرائيليا يستخدم أساليب تخويف موبوءة بالعنصرية من أجل الوصول إلى 23 في المائة من الأصوات في الانتخابات". وتابع "هذا هو الغضب الذي نشعر به عندما نرى رئيس حكومة، في محاولة لإنقاذ نفسه، يقر بمعارضته لدولة فلسطينية، وبعد ذلك يحاول بلا خجل التراجع عن ذلك خلال أيام معدودة".

وأعلن بن عامي أن حركته ستمارس ضغوطاً على الإدارة الأميركية، من أجل تعريف المستوطنات على أنها غير قانونية، وتقديم اقتراح يتضمن مشروع اتفاق دائم بين إسرائيل والفلسطينيين، وتأييد قرار مجلس الأمن الدولي يجبر إسرائيل على القبول بحل الدولتين.

وقال متحدثون آخرون في مؤتمر "جاي ستريت" إن تصريحات نتنياهو ضد الدولة الفلسطينية والتراجع عنها لاحقاً مسّت بمصداقيته لدى صنّاع القرار الأميركيين، كما أن أقوال نتنياهو العنصرية ضد المواطنين العرب أثارت غضباً في أوساط اليهود الأميركيين الليبراليين، ومن شأنها أن تزيد قوة وتأثير "جاي ستريت".

وعلى الرغم من أن الصحافة الأميركية ومحطات التلفزة حاولت، إلى حد ما، التعتيم على المؤتمر، وعدم تغطية وقائعه بما فيه الكفاية، إلا أنها لم تهمل الخطاب الذي ألقاه كبير موظفي البيت الأبيض، دينيس ماكوندو، وأبرزت ما قاله عن أهمية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، أمام حشد تجاوز الثلاثة آلاف شخص من الأميركيين اليهود المشاركين في المؤتمر. وقال ماكوندو "إن الشعب الفلسطيني يجب أن ينال الحق في العيش وحكم نفسه بنفسه في دولة خاصة به تتمتع بالسيادة على أراضيها". وجاء ذلك على ما يبدو كتعبير عن توجّه جديد لإدارة أوباما في أواخر عهده، يشبه توجّه إدارة الرئيس الديمقراطي الأسبق، جيمي كارتر، في أولى سنوات رئاسته.

وتزامنت تصريحات كبير مساعدي أوباما مع تسريبات سياسية عن عزم الولايات المتحدة طرح مشروع قرار على مجلس الأمن بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بالتنسيق مع الدول الأوروبية. وأشارت التسريبات إلى أن أوباما شخصياً يريد تضمين القرار الدولي بنوداً إلزامية تفرض على إسرائيل والفلسطينيين بنود ومكونات الحل الدائم بينهما، على أساس العودة إلى حدود 1967، مع إتاحة المجال لتبادل الأراضي بين الجانبين، لكن من دون تحديد جدول زمني لتنفيذ القرار المقترح.

وفي سياق الحرب المكبوتة الدائرة بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو، تحدّثت مصادر أميركية في واشنطن عن احتمال نشر التفاهمات التي توصل إليها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لإحراج نتنياهو أو تشديد الضغط عليه للقبول بالتفاهمات التي كان قد قبل بها سابقاً.

وتتوقع إدارة أوباما من الفلسطينيين، وفقاَ للتسريبات إياها، مقابل الحصول على قرار أممي لا تعارضه واشنطن بخصوص فرض حل الدولتين، ألا يتوجه الفلسطينيون إلى محكمة العدل الدولية لمقاضاة مسؤولين إسرائيليين بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.

وتثير أي إشارة إلى جرائم إسرائيل في غزة خلال حرب الصيف الماضي، رعب المسؤولين الإسرائيليين وبعض مناصريهم في واشنطن، ولهذا فإن الناشطة الفلسطينية مها مهنا عندما تطرقت إلى تلك الجرائم في كلمتها أمام مؤتمر "جاي ستريت"، فإن الوجوم ساد القاعة، على الرغم من أن الحاضرين في غالبيتهم من المناوئين لسياسات حكومة نتنياهو، ويؤيدون التوصل إلى اتفاق سلام وإعادة حقوق الفلسطينيين إليهم، وإيقاف البناء الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية، تنفيذاً للقرارات الدولية في هذا الشأن التي كان آخرها في 2011.

المساهمون