تعديلات الدستور المصري: السيسي يجهز على استقلال القضاء

18 ابريل 2019
ساوم السيسي القضاة على استقلاليتهم السياسية والمالية(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
صوّت مجلس النواب المصري، أول من أمس الثلاثاء، على الصيغة النهائية لنصوص التعديلات الدستورية والتي جاءت مكرسة لتحكّم رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي الكامل بالقضاء المصري، ومهدرةً ما كان متبقياً من استقلاله، فيما ترجح مصادر لـ"العربي الجديد" أن يبدأ الاستفتاء على التعديلات يوم السبت المقبل.

والتعديلات البسيطة التي أدخلت في الأيام الأخيرة كان الهدف منها الإيحاء بالاستجابة لمخاوف القضاة وأعضاء الهيئات القضائية في ما يتعلق بمسألة إهدار استقلال موازناتهم، ووكالة وزير العدل عن السيسي في رئاسة المجلس الجديد لشؤون الهيئات القضائية، لكن التغييرات، أكدت، في الحقيقة، التبعية المطلقة للهيئات القضائية لرئيس الجمهورية.
وتضمنت التعديلات، ما انفرد "العربي الجديد" بنشره يوم السبت الماضي، عن عودة النصّ على "استقلال الموازنات الخاصة بالهيئات القضائية" إلى المادة 185، مع حذف عبارة أن تدرج كل موازنة في الموازنة العامة للدولة "رقماً واحداً". ويعني هذا الأمر الاستقرار على حل وسط بين تبعية الموازنات لوزارة العدل واستقلال كل هيئة بموازنتها وعدم تمكن البرلمان والحكومة من مراقبتها. وستتم مراقبة جميع الموازنات بتفاصيلها الداخلية وتصرفات الهيئات المختلفة فيها، وبالتالي ينتهي عهد استقلال كل هيئة قضائية بموازنتها ونأيها عن الرقابة الداخلية. وتتحقق بذلك أهداف السيسي، والتي حاول تنفيذها منذ 4 سنوات، عندما أصدر سلسلة من القوانين والقرارات لإخضاع القضاة للحد الأقصى للأجور ولم يكن متمكناً من تنفيذها على نحو كامل بسبب استقلال الموازنات على النحو المقرر في دستور 2014.

ويضفي النص النهائي، حماية دستورية على القانون الذي أصدره السيسي في إبريل/ نيسان 2017، ويجعله صاحب القرار الأخير في تعيين رؤساء الهيئات القضائية من بين أقدم 7 قضاة، مما سيؤدي إلى انتفاء جدوى الطعون المرفوعة حاليا أمام المحكمة الدستورية العليا على قانون تعيين رؤساء الهيئات، باعتبار أن النصوص المشكوك في دستوريتها ستغدو دستوراً بحد ذاتها، وينتفي أساس الطعن فيها.
كما تضمنت التعديلات استجابة جزئية لموضوع آخر ركز عليه القضاة الذين تم اختيارهم لحضور جلسات الحوار المجتمعي حول التعديلات الدستورية، ويتعلق بترؤس وزير العدل للمجلس الأعلى للهيئات القضائية الجديد في حال غياب رئيس الجمهورية. وينص التعديل النهائي للمادة 185 على أن يفوض رئيس الجمهورية أحد رؤساء الهيئات (وليس رئيس المحكمة الدستورية العليا بالذات كما كان يطالب القضاة) لرئاسة هذا المجلس الأعلى في غيابه، وبالتالي تم استبعاد وزير العدل تماماً من عضوية المجلس.
لكن في مقابل هذه الاستجابة الجزئية، والتي لا تعني الكثير على أرض الواقع، تضمنت المادة عدداً من البنود التي تؤكد تحكّم رئيس الجمهورية بالمجلس، في شكل كامل. وأصبح المجلس يضم كلاً من رئيس المحكمة الدستورية ورئيس محكمة النقض ورئيس مجلس الدولة ورئيس النيابة الإدارية ورئيس هيئة قضايا الدولة، بالإضافة إلى رئيس محكمة استئناف القاهرة والنائب العام؛ وهؤلاء جميعاً في الوقت الحالي معينون باختيار شخصي من السيسي، عدا رئيس المحكمة الدستورية حنفي جبالي الموالي للسيسي لكنه تولى منصبه بالأقدمية، ورئيس محكمة استئناف القاهرة الذي يتولى منصبه بالأقدمية المطلقة أيضاً.


وبالتالي، فإنه من خلال تحكّم السيسي المطلق بتعيينات رؤساء الهيئات القضائية، بما في ذلك المحكمة الدستورية العليا بعد التعديل الحالي، سيكون هو الذي يختار بشكل مسبق أعضاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية، الذين ستوكل إليهم ـ وفق النص الدستوري الجديد- مناقشة الشؤون المشتركة للهيئات وأعضائها والتعيينات فيها وإبداء الرأي في تعديلات القوانين المنظمة لها.
لكن النص يتضمن ما هو أبعد من ذلك، حتى لا يترك أي فرصة لتمرير قرار أو موقف ضد إرادة السيسي، فعند أخذ التصويت على قرارات المجلس الأعلى، ولدى تساوي عدد الأصوات، سيتم ترجيح كفة رئيس الجمهورية أو من يفوضه لرئاسة المجلس الأعلى. علماً بأن المجلس الأعلى سيكون له أمين عام، سيعينه أيضاً رئيس الجمهورية لمدة يحددها القانون الذي من المنتظر أن يكون على رأس أعمال الدورة البرلمانية المقبلة.
أما في ما يتعلق بالنصوص الخاصة بالهيئات القضائية، فلم يتم أي تعديل على النص المقترح للمحكمة الدستورية التي سيتم إهدار استقلالها بالكامل، إذ سيختار رئيس الجمهورية رئيسها المقبل ومن يليه من بين أقدم 5 نواب لرئيس المحكمة، ويعين عضو المحكمة الجديد من بين اثنين تُرشِّح أحدهما الجمعية العامة للمحكمة ويُرشِّح الآخر رئيس المحكمة، ويعين رئيس هيئة مفوضي المحكمة وأعضاءها بناء على مقترح من رئيس المحكمة بعد أخذ رأي جمعيتها العامة.
ورجحت مصادر قضائية عدم معارضة قضاة المحكمة الدستورية لهذا النص، والذي يمثل تراجعاً كبيراً عن الدور والاستقلال اللذين نالتهما المحكمة في السنوات الأخيرة، نظراً لأن النص المقترح بأن يختار رئيس الجمهورية رئيس المحكمة من بين أقدم 5 أعضاء منها، فتح باب الأمل لبعض هؤلاء القضاة لرئاسة المحكمة لفترة طويلة تناهز 10 سنوات، ما يغلب المصلحة الشخصية لبعضهم– في حال اختيارهم- على المصلحة العليا للمحكمة باستمرار اتباع مبدأ الأقدمية المطلقة في اختيار رئيسها، وهو المبدأ الذي كانت المحكمة قد طالبت بتنفيذه طويلاً حتى تم تضمينه في دستور 2012 لأول مرة.
أما المادة 189 الخاصة بالنائب العام فبقيت كما جاءت في النسخة الأولى من التعديلات، إذ يصدر قرار من رئيس الجمهورية بتعيينه بعدما يختاره من ثلاثة قضاة يرشحهم مجلس القضاء الأعلى، الأمر الذي كان يتم من قبل بصورة عرفية، لكن النص الدستوري الجديد سيكسبه صفة دائمة وقاعدية، حتى تظل الرئاسة متحكّمة بهذا المنصب الحيوي المهم.
وفي ما يتعلق بالمادة 190 الخاصة بمجلس الدولة، فقد أدخلت على التعديل المقترح تغييرات بسيطة تمثلت في استمرار المجلس في مهمته بمراجعة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية في العموم، لكن مع حذف سلطة المجلس في "صياغتها" والتي كان منصوصاً عليها في دستور 2014، كما تم تقليص سلطة المجلس في مراجعة مشروعات العقود التي تكون الدولة أو إحدى الهيئات العامة طرفاً فيها، بحيث يلزم النص الجديد بإصدار قانون يحدد قيمة العقود التي يراجعها مجلس الدولة، وبالتالي لم تعد مراجعة العقود من اختصاصه بشكل عام، فضلاً عن إلغاء السلطة الحصرية للمجلس في الإفتاء في المسائل القانونية.
وأوضحت مصادر قضائية بمجلس الدولة أن قضاة المجلس ليسوا راضين عن هذه التعديلات، ويعتبرون التغيير الذي طرأ على المقترح الأول للتعديلات "لعبة سياسية قامت على تخفيض سقف طموحات القضاة في التعديل ثم مساومتهم على استقلالهم السياسي مقابل حريتهم المالية غير الكاملة". وأشارت المصادر إلى أن حملة الدعوة لمقاطعة الإشراف على التعديلات لا تزال قائمة رغم التهديدات التي تلقاها المروجون للمقاطعة، والضغوط التي مورست حتى على رئيس نادي المجلس المستشار سمير البهي وأدت إلى إصداره بياناً يزعم أن رأيه المعارض للتعديلات "شخصي وليس مؤسسياً".