تشابك قياسي في أزمات ترامب: العين على "الانقلاب الجمهوري"

04 يناير 2019
تمسك ترامب بموقفه من الجدار الحدودي (Getty)
+ الخط -
لم يعد سراً أن عام 2019 سيكون مصيرياً للرئيس الأميركي دونالد ترامب لناحية إكمال ولايته من عدمه، أو التمهيد لولاية رئاسية ثانية بدءاً من 2020 أو لجم هذا الطموح باكراً. لكن العام المذكور (2019) انطلق أسوأ مما كان يتوقعه ترامب نفسه، بتشابك الأزمات الداخلية والخارجية، وبتسلم الديمقراطيين المعارضين له نصف السلطة التشريعية في هذا البلد، وباستمرار أزمة الإغلاق الحكومي على خلفية تمويل الجدار الحدودي مع المكسيك، والأهم باتساع احتمالات حصول انقلاب جمهوري على الرئيس الحالم بإحكام قبضته على الحزب الذي أتى باسمه "بالقوة" رئيساً قبل عامين. ومع هذا الانشقاق الذي لوّح به السيناتور الجمهوري شديد النفوذ، المرشح الرئاسي السابق ميت رومني، بدأ العد العكسي لصدور تقرير المحقق الخاص بالتدخل الروسي في انتخابات 2016، روبرت مولر، مصدر الرعب الأكبر لترامب المهدد بالإدانة بالتواطؤ وبالخيانة العظمى، رغم انقسام الديمقراطيين أنفسهم حول جدوى طرح خيار عزل الرئيس، بين رافض للخطوة حالياً، ممثلاً بالعائدة إلى رئاسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، ومؤيد للعزل، ممثلاً بتيار عريض في الحزب الديمقراطي، لكنه لا يحظى بغالبية كافية تسمح بالسير بمشروع خطير على علاقة الحزبين كهذا في بلد نظامه الحزبي معقد مثل الولايات المتحدة. ورغم أن الشأن الداخلي هو الأهم بالنسبة لأي رئيس في أميركا، قبل الشؤون الخارجية، بدليل صمود ترامب بفعل الأرقام الاقتصادية التي تتحدث لمصلحته حتى الآن، إلا أن إخفاقات السياسة الخارجية الأميركية، والمواقف التي تصدر عن ترامب وغالباً ما تثير السخرية حتى في أوساط مؤيديه، تجتمع مع انتقادات خصومه على خلفية ملفات داخلية، لتزيد من أزمته، وهو ما عبر عنه مقال رومني قبل يومين في صحيفة "واشنطن بوست" الذي سلّط انتقاداته على مدى الهبوط الذي تسببت به سياسات ترامب الخارجية "لسمعة أميركا في الخارج ولتحالفاتها"، مؤكداً على "عدم السكوت على الشطط بعد اليوم".


مقالة ميت رومني بدت كرسالة تحمل أكثر من توقيع لمرجعيات في مؤسسة الحزب الجمهوري، وبدت كخطوة أولى لاسترداد الحزب من سيطرة ترامب. وفي ظل احتلال الجمهوريين غالبية بسيطة في مجلس الشيوخ (53 جمهورياً مقابل 47 ديمقراطياً)، فمن المستبعد أن يكون رومني قد تفرد بهذا الموقف من غير ضوء حزبي أخضر، ولا سيما أن خميرة المعارضة الجمهورية موجودة، وأخذت شحنات زخم من الاعتراضات على مواقف الرئيس من حرب اليمن والعلاقة "غير السليمة" مع السعودية وجريمة قتل جمال خاشقجي والإخفاقات المتكررة في قراراته بالانسحاب من سورية ثم تراجعه عنه ثم عودته إليه أخيراً، ما سرع باستقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي يحظى باحترام في أوساط الجمهوريين.

لكن رغم كل شيء، لا يزال ترامب اليوم يحظى بتأييد 80 في المائة من المحافظين، بحسب الإحصاءات المتداولة في أميركا، وهي التي تشكل مع شريحة من المستقلين المنحازين للرئيس حوالي 40 في المائة من الجسم الانتخابي الأميركي. والأرجح هو أن رسالة ــ مقال رومني تصوب على هذه القاعدة بالذات، بقدر تصويبها على الرئيس لضبط خطاه على وقع توجهات الحزب الجمهوري، خاصة في السياسة الخارجية.




أما في الجبهة الديمقراطية، فبدأ الكونغرس، أمس الخميس، عمله على وقع ارتفاع حدة الانقسام بين الجمهوريين والديمقراطيين حول قضيتي التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية الأخيرة، والتهديد بإطلاق "إجراء عزل" الرئيس. ويضم الكونغرس الـ116 في تاريخ أميركا، رقماً قياسياً من النساء والأقليات، التي تعتبر "مكروهة" بالنسبة لترامب. ويمثل الديمقراطيون 238 عضواً جديداً في مجلس النواب، في مقابل 193 جمهورياً من أصل 435، فيما يبقى مجلس الشيوخ المؤلف من مئة سيناتور تحت سيطرة الجمهوريين بفارق بسيط (3 مقاعد). وبدأ الديمقراطيون في مجلس النواب يومهم الأول بتحدّي الرئيس، إذ خططوا لأن يطرحوا على التصويت تدابير مالية مؤقتة تسمح بفكّ إغلاق الإدارات الأميركية المشلولة جزئياً منذ 22 ديسمبر/ كانون الأول بسبب عدم الاتفاق على الموازنة. ويهدف الديمقراطيون من هذه الخطوات إلى الظهور بصورة الحزب "العقلاني" بمواجهة ما يرون أنها "نزوات" ترامب.


لكن البيت الأبيض سبق أن رفض تلك الطروحات، لأنها لا تتضمّن خمسة مليارات دولار يطالب بها ترامب لتمويل الجدار الذي يرغب ببنائه على الحدود مع المكسيك للتصدّي للهجرة السرية. في مجلس الشيوخ، لن يكون لتلك الطروحات أي صدى، إذ وعد رئيس الأغلبية الجمهورية بأنه لن يُخضع للتصويت سوى الحل الذي سيحظى بموافقة الديمقراطيين وتوقيع دونالد ترامب. ولا تمنح غالبية الـ53 مقعداً في مجلس الشيوخ الجمهوريين القدرة على تجاوز الديمقراطيين، ذلك أن إقرار القوانين المالية يحتاج لأغلبية 60 صوتاً. وفي اليوم الرابع عشر للإغلاق، لا تزال مسألة إيجاد مخرج للأزمة تبدو صعبة. وتمسك ترامب، يوم الأربعاء، خلال اجتماع مع الديمقراطيين، بموقفه من الجدار الحدودي، قائلاً إن "ذلك (الإغلاق) قد يدوم لوقت طويل"، قبل أن يدعو مسؤولين من كلا الطرفين للقاء جديد، اليوم الجمعة. وكرّر الديمقراطيون موقفهم المؤيد لأمن "متين" على الحدود، مع استمرار معارضة الجدار الذي يرون أنه "مكلف" و"غير مجدٍ".

وقد تؤشر هذه المواجهة لبداية معركة شرسة قادمة، مرفقة بوعود بتحقيقات برلمانية عدة تطاول ترامب ومحيطه حول تعاونهم المحتمل مع موسكو  في حملة الرئاسة عام 2016. ومع سيطرتهم على مجلس النواب، نال الديمقراطيون رئاسة اللجان البرلمانية ذات السلطات القوية في مجال التحقيقات، تحديداً تلك المتعلقة بتحديد الشهود وتنسيق تقديم الوثائق المرتبطة بالتحقيق. ووعد الديمقراطيون بأنهم سيطلبون من ترامب تقديم إعلان ضريبي عن مداخيله. وسبق لترامب أن رفض القيام بذلك خلال الحملة الرئاسية، ما يجعله المرشح الوحيد للرئاسة في تاريخ الولايات المتحدة الذي يرفض تقديم تصريح ماليّ. ويمكن على خلفية كل ذلك، أن ترتسم بوضوح أكثر إمكانية طرح "إجراء إقالة الرئيس". وحتى اللحظة، لا تزال نانسي بيلوسي ترفض ذلك السيناريو، مؤكدةً أنها تريد انتظار نتائج التحقيقات أولاً. وقالت بيلوسي لمجلّة "إل" (النسخة الأميركية) "إذا توجبّ علينا القيام بذلك، سنتحمّل مسؤولياتنا. لكنني لن أدفع بذلك الاتجاه". وعلى بيلوسي أن تُخضع مسألة الإقالة للاختبار بين طرفين متباينيّ الموقف: المنتخبون حديثو العهد الذين يدعون إلى "مقاومة" ترامب من جهة، وأولئك الأكثر اعتدالاً الذين انتخبوا في دوائر انتخابية مؤيدة لترامب، من جهةٍ ثانية. في الوقت الحالي، لا يبدو أن محاولات عزل الرئيس الـ45 للولايات المتحدة ستذهب بعيداً: فإذا نجح الديمقراطيون بالتصويت على توجيه الاتهام إليه في مجلس النواب، يعود لمجلس الشيوخ أن يقرّر في شأن محاكمته، وهناك، يحظى الجمهوريون بالغالبية، إلا إذا نجح "الانقلاب الجمهوري".