اختتم مجلس الأمة الكويتي (البرلمان)، دور الانعقاد الثالث للفصل التشريعي الـ15، على وقع انتصار حكومي جديد تمثّل في تجاوز وزير المالية نايف الحجرف استجواباً جديداً قُدّم له من قبل النائب السلفي المستقل محمد هايف المطيري، على خلفية تجاوزات مالية بحق المتقاعدين الكويتيين، بعد أسبوعين فقط من فشل الاستجواب الأول الذي تقدّم به النائبان رياض العدساني وبدر الملا. كما تمكنت الحكومة في الجلسة نفسها، من إقرار الميزانية المالية للدولة بسهولة وتمرير حزمة من القوانين، من بينها قانون الجنسية وقانون المحاماة الجديد وقانون الأحوال الشخصية الجعفري، ليكون مجموع القوانين التي أقرها البرلمان في دور الانعقاد الحالي 22 قانوناً، وهو رقم كبير مقارنة بدور الانعقاد الماضي.
وقال رئيس مجلس الوزراء جابر المبارك الصباح، في الجلسة الختامية، إن حكومته "حققت العديد من الإنجازات في دور الانعقاد الحالي وإنها تتطلع للمزيد في الأشهر المقبلة"، كما شكر أعضاء مجلس الأمة على تمريرهم لقوانين مهمة وإقرارهم للميزانية المالية للدولة من دون إثارة للجدل عقب جلسة سرية لمناقشتها. وعبرت الحكومة بنجاح الأزمات السياسية المتكررة التي شهدها دور الانعقاد الماضي، بدءاً من إسقاط المحكمة الدستورية لعضوية النائبين جمعان الحربش ووليد الطبطبائي، اللذين كانا من ضمن المحكوم عليهما بالسجن نتيجة حادثة اقتحام مجلس الأمة عام 2011 إبان الاحتجاجات الشعبية ضد رئيس مجلس الوزراء الأسبق ناصر المحمد. ودعت الحكومة إلى انتخابات تكميلية لملء المقاعد الشاغرة، أسفرت عن فوز النائبين بدر الملا وعبد الله الكندري.
ومكّن امتلاك الأغلبية اللازمة الحكومة من تمرير قوانين عدة لم تكن لتمرّ في حال وجود المعارضة، مثل قانون الجامعات الحكومية الذي فرّغ قانون منع الاختلاط الذي يعد أحد أكبر مكاسب التيارات الإسلامية عام 1996 من محتواه. كما أنها تمكّنت من تجاوز كافة الاستجوابات المقدمة لوزراء الإعلام والشؤون المالية والتجارة بأغلبية مريحة. وقال رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، عقب ختام دور الانعقاد، إن "الظروف الإقليمية الدقيقة وما تتمخض عنه من استحقاقات سياسية وأمنية تتطلب من المجلس والحكومة ممارسة تتصف بالنضج، وعملاً يتسم بالمسؤولية، وأداء يرقى إلى مستوى التحديات". وأضاف أن "على النواب أن يترجموا رغبات أمير البلاد التي أبداها في شهر رمضان الماضي حول الاستقرار السياسي والأمني إلى واقع ملموس".
ووصف مراقبون سياسيون كلمة الغانم عقب انتهاء الجلسة وأعمال المجلس لهذا العام، بأنها "إعلان انتصار ضد الأجنحة والكتل السياسية التي كانت تسعى إلى حلّ مجلس الأمة قبل فصل الصيف، والدعوة لانتخابات جديدة لإعادة تشكيل مقاعد البرلمان الذي باتت الحكومة تسيطر عليه بشكل مطلق". وحاولت المعارضة التي يعيش الجزء الأكبر منها في الخارج عقب صدور أحكام بالسجن ضد قادتها، ومن بينهم نواب سابقون، مثل زعيم المعارضة السياسي مسلم البراك وفيصل المسلم، التوصل إلى صفقة مع الحكومة تقضي بإصدار عفو عام عن المحكومين بالسجن وعودتهم للكويت، لكن الحكومة نقلت إلى قادة المعارضة موافقة القيادة السياسية على إصدار عفو خاص فقط. وهو ما يعني، حسب القانون الكويتي، عدم إمكانية ترشحهم لانتخابات مجلس الأمة مستقبلاً، وانتهاء مستقبلهم السياسي.
ويُنتظر أن تحضر في دور الانعقاد المقبل (الخريف المقبل) تحديات جديدة للغانم ورئيس الوزراء جابر المبارك الصباح على حد سواء، إذ يسعى كل منهما إلى الحفاظ على البرلمان وعدم قيام القيادة السياسية في البلاد بحله، ما يمثّل ضربة قوية لحظوظهما بالاحتفاظ بالأغلبية النيابية المريحة لحين موعد الانتخابات الرسمية المقرر في أواخر عام 2020. وستعكف الحكومة، بحسب نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء أنس الصالح، خلال فصل الصيف، على الاجتماع مع اللجان البرلمانية ووضع أولويات القوانين التي تخطط لتمريرها في دور الانعقاد المقبل.
ومن أبرز القوانين التي تسعى الحكومة لتمريرها، القوانين المتعلقة بفرض الضرائب، ومن بينها فرض ضريبة القيمة المضافة بعدما فُرضت في عدد من الدول الخليجية، لكن الرفض الشعبي الذي قوبلت به في الكويت أدى إلى تأجيلها مرات عدة من قبل الحكومة بانتظار الوقت المناسب. كما تخطط الحكومة أيضاً لتمرير قوانين تتعلق بتعديل سلم الرواتب الحكومية وإعادة ترتيبها. كما تخطط الحكومة لجعل ملف المعارضة معلقاً، من دون أي حل، إلى حين إجبار كافة المعارضين على العودة إلى البلاد وتسليم أنفسهم وتمرير مدة معينة من محكوميتهم، في مقابل الإفراج عنهم بعفو خاص يُنهي حياتهم السياسية.
في السياق، ذكر الباحث السياسي عبد الرحمن المطيري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "دور الانعقاد الحالي مثّل حالة الجمود السياسي المثالية بالنسبة للحكومة، إذ لا يستطيع البرلمان أن يمرر أي قانون من دون موافقة حكومية، فضلاً عن أن الشارع السياسي الكويتي أصابه الملل، لذلك قلّت الفعاليات والندوات السياسية المصاحبة لجلسات البرلمان، التي كانت تمثل علامة سياسية كويتية فارقة في التاريخ البرلماني بسبب يأس الشارع من مخرجات النظام الانتخابي".
وتوجّه المعارضة الكويتية انتقادات حادة لنظام الصوت الواحد، وهو النظام الانتخابي الذي تسبّب باحتجاجات في الكويت عام 2012، إذ يقول المعارضون إن هذا النظام أنهى وجود الكتل السياسية المؤثرة التي تستجيب لمطالب الشارع، وأدى لصعود النواب البرلمانيين المستقلين الذي يبحثون عن المكاسب الشخصية، فيما تقول الحكومة إن النظام الانتخابي أعطى فرصة للأقليات القبلية والطائفية للوصول إلى مقعد البرلمان للمرة الأولى في تاريخها، بعد سنوات طويلة من سيطرة قبائل معينة على مقاعد البرلمان.