وتقول التلفزة التونسية إن المناظرة حققت أرقاما قياسية لنسب المشاهدة، سواء عبر التلفزيون أو عبر الإنترنت، ما يكشف حرص التونسيين على متابعة المترشحين لفهم خيارهما ولتحديد مرشحهم يوم الأحد.
وشهدت المناظرة تفاعلا حادا بين المتنافسين في عدد من المحاور وصداما في مواطن الاختلاف بينهما، ففي وقت طرح سعيد تعديل الدستور وإعادة بناء الحكم بالعودة للقواعد وانتخاب ممثلي الشعب محليا، وإدخال آلية سحب الوكالة لضمان رقابة الشعب على الحكام، اعتبر القروي أن تعديل الدستور سيضيع وقتا كثيرا على تونس، وشدد على أن الدستور التونسي من أفضل الدساتير والأولى هو تطبيقه.
من جانبه لم يفوت سعيد الفرصة لتصويب مصطلحات قانونية وأحكام دستورية طرحها القروي الذي بدا أقل تمكنا منه في هذا الجانب، حيث علق على اقتراح القروي تفعيل قانون مكافحة الإرهاب إذا وصل إلى رئاسة الجمهورية بهدف مقاومة أنجع للإرهاب.
وانتقد سعيد منافسه قائلا لا يوجد في القانون والسياسة معنى "تفعيل القانون"، مؤكدا أن القانون وجد ليطبق وليطبق على الجميع دون استثناء لمقاومة الإرهاب، مشيرا إلى أن قانون مكافحة الإرهاب ساري التطبيق ويتم الاعتماد عليه.
الاغتيالات السياسية والجهاز السري
وحول قضية الاغتيالات السياسية التي عرفتها تونس وما يعرف بـ"الجهاز السري" قال سعيد لست جهاز مخابرات لأعلم بوجود جهاز سري من عدمه أو بحقيقة الاغتيالات التي حدثت، مشيرا إلى أنه "لا مجال لتواجد جهاز سري داخل أجهزة دولة"، ومشددا على أن الحل في تكريس استقلالية القضاء للإسراع في البت في هذه القضايا.
وبيّن سعيد أن "القضاء المستقل خير من الدستور"، مشددا على أنه "لا يتدخل في مجال القضاء بل يجب أن تكون هناك عدالة ناجزة فوق كل المؤسسات"، مبينا أنه "اقترح تغيير تركيبة المجلس الأعلى للقضاء لضمان استقلاليته".
وبيّن القروي أنه مع "تكوين محكمة مختصة تحت مجلس الأمن القومي للبحث في حقيقة الاغتيالات أو بتشكيل لجنة من القضاة تهتم بهذا الملف دون غيره من أجل التسريع في حله".
واعترض سعيد على مقترح القروي قائلا إن هذا الأمر يتعارض مع الدستور، ولا يمكن تشكيل محاكم استثنائية ومتخصصة بعد أن قطعت تونس مع المحكام الشعبية والاستثنائية.
السياسة الخارجية
وعلى مستوى السياسة الخارجية التي تعد من اختصاص رئيس الجمهورية المقبل، أكد المترشح قيس سعيد أن للسياسة الخارجية التونسية ثوابت، وهناك استمرارية لسياسة الدولة الخارجية، مستشهدا بمواقف للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة تجاه قضايا عربية، ومشيدا بقوة سيادة الدولة المدعومة بقوة الشعب، في مغازلة مباشرة للبورقيبيين والدساترة المناصرين للحفاظ على ما أرساه بورقيبة على مستوى السياسة الخارجية والدبلوماسية.
وحول حل الأزمة الليبية قال سعيد "يجب الاحتماء بالشرعية الدولية لأنها المرجع لحل الأزمة"، وهو استمرار في موقف الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة والباجي قايد السبسي. ولفت سعيد إلى أهمية الاستفادة من عضوية تونس في مجلس الأمن لخدمة القضية الليبية.
وردد سعيد للدول المتدخلة في الأزمة الليبية قائلا "ارفعوا أيديكم عن الشعب الليبي فمن مصلحة الدول المتدخلة في ليبيا التوقف عن ذلك، بما شأنه أن يوقف الهجرة غير الشرعية القادمة من ليبيا". وبين سعيد "سنكون قوة اقتراح لمساعدة الشعب الليبي، وستكون تونس أرض حوار"، معبرا عن استعداده لاستقبال جميع الأطراف لأن "الشعب الليبي أشقاؤنا، وما يفرحهم يفرحنا وما يؤلمهم يؤلمنا" على حد قوله.
وبين القروي أن تونس لا تستطيع أن تتنفس إلا بنهاية الحرب الليبية لأن مستقبل تونس من مستقبل ليبيا، مشيرا إلى ضرورة تدخل تونس والجزائر لحل الأزمة.
وندد القروي بتدخل دول في الشأن الليبي معددا دولا أوروبية وعربية، ومشيرا إلى أن الحل يجب أن يكون حلا ليبيا، واعدا عند وصوله للرئاسة بالتعامل مع جميع الأطراف الليبية المتقاتلة.
وحول السياسة الخارجية قال القروي إنه سيكون أول سفراء تونس في الخارج لأنه سيتجول بين الدول لجلب استثمارات جديدة لتونس من خلال التوجه نحو أفريقيا مصحوبا برجال الأعمال، مشيرا إلى أنه سيبعث خطة سفير لتونس يكلف بالدبلوماسية الرقمية، وسيعمل على جلب استثمارات انطلاقا من الوسائط الرقمية الحديثة.
التطبيع
وحول قضية التطبيع مع الكيان الصهيوني وموقف الرئيس المقبل، بدا قيس سعيد حازما متشددا في وقت بدا القروي مترددا غير واثق رغم اتفاقهما قولا على مبدأ تجريم ذلك.
وقال سعيد إن مصطلح "التطبيع" هو كلمة خاطئة تم ابتداعها في السبعينيات، مشيرا إلى أن تكييف ذلك قانونيا يسمى خيانة عظمى لكل من يتعامل مع الكيان قائلا "نحن لا نتعامل مع العدو، ومن يتعامل معه يحاكم بتهمة الخيانة العظمى".
وردد سعيد "نحن في وضعية حرب مع كيان غاصب لأرض عربية يتم تشريد الأبرياء فيها وقتلهم يوميا"، مشيرا إلى أن "القضية ليست مع اليهود، ونحن نتعامل مع اليهود الزائرين لمعبد الغريبة جنوب تونس وليس مع إسرائيل"، مذكرا بأن تونس حمت اليهود خلال الحرب العالمية الثانية من القتل.
من جانبه قال القروي "موقفنا يجب أن يتماشى مع السلطة الفلسطينية، ويجب أن ندعم السلطة الفلسطينية القائمة"، مشيرا إلى "صداقته مع الرئيس محمود عباس ودوره في عقد أسبوع فلسطين الذي جمع فيه فلسطينيين مغتربين في جميع أنحاء العالم ليتعرفوا ولتتعزز روابطهم".
وأجاب القروي متململا، بأنه يوافق على تمرير قانون لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، كما يوافق على إدراج بند في الدستور لتجريم التطبيع.
وعن الضجة التي حامت حول لقائه ضابطا في الموساد الإسرائيلي وعن علاقته به، أنكر القروي معرفته ذلك، وقال إنه التقى ممثل شركة كندية يحمل جوازا كنديا، ولا يعرف دينه أو انتماءه وتاريخه، داعيا إلى البحث عن كيفية السماح له بالدخول إلى تونس من قبل السلطات، ومتسائلا عن سلامته وإمكانية استهدافه.
وتساءل القروي عن كيفية أن يدفع إلى شركة مختصة في المساندة السياسية والضغط لتقوم بحملة تشهير ضده فيما بعد، مشيرا إلى ضرورة البحث عمن دفع لهذا الشخص ليشوهه ويهاجمه.
وعن المبادرات التشريعية للمترشحين المتنافسين قال القروي إنه سيقدم اقتراحا لمبادرة تشريعية لمقاومة الفقر بجمع كل الأحزاب والفاعلين لإخراج شريحة التونسيين من تحت خط الفقر.
وأما سعيد فقد اعتبر أن أول مبادرة تشريعية هي إحداث مجلس أعلى للتربية لأن إصلاح التعليم هو إصلاح للمجتمع ولقطاعات أخرى، مشيرا إلى ضرورة إعادة هيكلة قطاع الصحة في تونس من خلال قانون الضمان الاجتماعي وقانون الصحة العمومية.
وعلق القروي عن سبل تنفيذ ذلك في ظل غياب كتلة داعمة وإنكاره دعم حزب النهضة له، فقال سعيد إن سيوجه مبادرته إلى الشعب، وسيحمل النواب والأحزاب المسؤولية أمام الشعب في حال عدم تمريره من قبل المجلس.
وقال سعيد إن من يحمل الأمانة ومن يتحمل المسؤولية يحملها بكل أثقالها وأوزارها أمام الله والشعب والتاريخ، وإذا ما حصل أمر سأتوجه إلى الشعب التونسي وسأستعمل صلاحياتي الدستورية، فلن أختم قوانين تتعارض مع إرادة الشعب، وسأشهد الشعب على كل ذلك.
وأما القروي فقد قال من جهته إنه لن يستسلم وسيدافع عن الشعب وعن مشروعه في مقاومة الفقر، ولن يتوقف حتى يرفع الفقر عن التونسيين.