مدير "شارلي إيبدو" السابق يهاجم مسلمي فرنسا

08 اغسطس 2016
مسلمو فرنسا يتضامنون مع ضحايا "شارلي إيبدو"(Getty)
+ الخط -

نشرت صحيفة "لوجورنال دي ديمانش"، يوم الأحد الماضي، بياناً وقّعه فرنسيون مسلمون يؤكدون "جاهزيتهم لتحمّل مسؤولياتهم"، منتقدين، في الوقت نفسه، التمثيلية التقليدية لمسلمي فرنسا، والتي يجسّدها "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، ويحظى بثقة الحكومة.

ويشير البيان إلى أن 75 في المائة من مسلمي فرنسا هم فرنسيّون اليوم، وغالبيتهم من الشباب، وأن ممثليهم التقليديين لا يتفهمون همومهم"، وهو ما يستدعي "إحداث تغيير يطاول الأجيال، وفق مشروع تنظيم واضح، قادر على توفير مصادر تمويل دائمة وشفّافة للمساجد، ومن ثمّ إعداد أئمة جدد وتوظيفهم، وإنجاز عمل تأريخي وأنثروبولوجي وثيولوجي يتيح للمرء أن يكون، في المستقبل، فرنسياً ومسلماً في جمهورية علمانية".

ويرى البيان، الذي يأتي بعد ضلوع فرنسيين من أصول إسلامية في أعمال "إرهابية"، أن "الوقت لا يلعب في مصلحة مسلمي فرنسا، وبالتالي يجب التعجيل بإنجاز هذا المشروع وتحمل المسؤوليات، حتى لا يجد الفرنسيون أنفسهم في مواجهة بعضهم البعض، وهو ما يسعى إليه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)".

وإذا كان البيان قد حظي بتقدير كبير في كثير من الأوساط الفرنسية، بسبب روحه المتسامحة والجامعة، إلا أنّ مضمونه ولغته لم يَرُوقا لبعض متطرّفي العلمانية وأنصار إسرائيل، الذين لاموا البيان وأصحابه لعدم ذكرهم، بالاسم، ضحايا الاعتداءات من اليهود، وأيضاً ضحايا صحيفة "شارلي إيبدو".

وتساءل المدير السابق لصحيفة "شارلي إيبدو"، فيليب فَالْ، في مقال له بصحيفة لوجورنال دي ديمانش، أمس الأحد، عن "مكان تواجد" الموقّعين على بيان يوم الأحد الماضي في 31 يوليو/تموز، وعن "نشاطهم"، بعدما كان قد امتدح اعترافهم بأن الإسلام "يدرك أنّ في داخله أزمة عميقة"، وأنّ "الراديكالية الإسلامية، التي هي في صُلب هذه الأزمة، تمثّل تهديداً قاتلاً للانسجام الديمقراطي والجمهوري".

صحيح أنّ فال يقرّ بأنّ "اليد الممدودة لا يمكنها سوى أن تعزز الرغبة في الصداقة التي تخلق الجمال في أيّ بلد"، إلّا أنّه سرعان ما ينتقد البيانَ والموقّعين عليه لأنهم "لم يتحدّثوا عن شارلي بالاسم، وإنما عن كاريكاتوريين فقط"، ثم يواصل انتقادهم لكونهم تحدّثوا عن ضحايا مسرح الباتاكلان، وعن مقتل رجال الشرطة، وعن مدينة نيس، وعن الكاهن، لم يتحدّثوا عن اليهود بـ"اعتبارهم، من أوائل المستهدَفين من قبل الإرهابيين"، وعلى هذا النحو، يلوم البيان لإغفاله الحديث عن "ضحايا الإرهابي محمد مراح والمتجر اليهودي".

ويقدّم كاتب المقال تفسيرين لاذعين لهذا الأمر: إذ يرى أنّ إسقاط اليهود من السياق "إما أن يكون متعمَّداً، من أجل حشد أكبر عدد ممكن من الناس، من دون المخاطرة بمواجهة معاداة السامية التي يجسّدها قِسم لا يمكن تجاهله من الإسلام"، وهو ما يعني، بحسب كاتب المقال، أنّ موقّعي البيان قد "فشلوا في المعركة التي يدّعون خوض غمارها"؛ أو أنّ في الأمر "نسياناً لا واعياً من قِبلهم، وهذا يعني أنهم لم يفهموا، حتّى الآن، طبيعةَ المرَض الذي يُهدّد دولة القانون بالموت؛ المرض الذي لم ينجحوا، هم أنفسهم، بعدُ من الشفاء منه".

فال، المعروف بعلاقاته الحميمة مع الرئيس السابق نيكولا ساركوزي ودعمه اللامشروط لإسرائيل، والذي أقدم وقتَ أن كان مديراً لصحيفة "شارلي إيبدو" على طرد الرسام الراحل، موريس سيني، لأنّه تجرأ على انتقاد إسرائيل وساركوزي، كما طرد للسبب ذاته المذيع الفكاهي، ستيفان غويون، من إذاعة "فرانس أنتير"، حينما عيّنه ساركوزي مديراً لها، يعلّق على البيان ساخراً: "أتمنّى أن يكون بعض من وقَّع البيان لم يقرؤوه؛ وإلّا كيف يمكن تبرير ارتكاب هذه الشخصيات، التي تحظى بالتقدير، لخطأ كهذا".

ويستحضر مدير "شارلي إيبدو" السابق التصريحَ الذي صدر عن رئيس الوزراء الراحل، ريمون بار، حين قال، بعد عملية كنيس شارع كوبرنيك في باريس، إنّه "إضافةً إلى اليهود، كان ثمة ضحايا أبرياء"، ليعبّر عن عدم قبوله "مثل هذا التواطؤ اللغويّ"، مصرّاً على وجود "ارتباط لا انفصام فيه بين فرنسا ومكوّنها اليهودي، من خلال ثقافتنا وتاريخنا المشترك، وإرساء القوانين التي تضمن الحريات والانسجام".

وفي النهاية يطالب فال الموقّعين بـ"إعادة صياغة البيان، وتضمينه القائمة الشاملة للاعتداءات وفق تسلسل زمنيّ"، لأن "الوقت لم يفت بعد"، ويُصرّ على أن يُضمِّن الأعضاء المسلمون، الذين وقّعوا البيان، كلمة "يهودي" في بيانهم.

وحاول موقّعو البيان إطفاء السجال في مهده؛ فنشروا توضيحاً مقتضَباً في الصحيفة ذاتها، ورد فيه أنّ "قائمة الضحايا طويلة بشكل رهيب، ومتنوعةٌ مثل طابع أمّتنا في كل مكوّناتها، وهو ما يوجب منا مواجهة الشدائد معاً"، ثمّ يختتمون بيانهم بهذا التوضيح: "إنّ علينا، نحن معاً، يهوداً ومسيحيين ومسلمين ولا أدريين وغير مؤمنين، واجب خوض هذا الصراع، ونحن بحاجة إلى كلّ قوانا، وإلى ألّا نضيِّعها في محاكمات مغلوطة، وأن نَظلَّ مواطنين متضامنين".




دلالات