أعاد التفجير الانتحاري الذي استهدف ثكنة للجيش الجزائري في تيمياوين على خط الحدود مع شمال مالي، طرح أسئلة عن دوافع الهجوم وتوقيته. واللافت أن الاعتداء يأتي بعد أسبوع من إعلان السلطات الجزائرية إحباط محاولة تفجير انتحاري في تظاهرات الحراك الشعبي، بعد اعتقال شخص كان بصدد القيام بهذه العملية. ويعني هذا أن الأجهزة الجزائرية كانت تتوقع تلقي ضربة في العاصمة، وأن منطقة الجنوب عُدّت آمنة بعد وقوع آخر انفجار في عام 2013، ثم سيطرة الجيش عليها، إضافة إلى نجاح الأجهزة الأمنية والجيش في خلق حالة نزيف كبيرة في صفوف الجماعات المسلحة التي تنشط على تخوم الحدود الجنوبية، عبر استقطاب عدد كبير من المسلحين لتسليم أنفسهم والاستفادة من تدابير العفو وفقاً لقانون المصالحة الوطنية الصادر عام 2005، والاستفادة من معلومات عن شبكات وعناصر هذه المجموعات وكشف عدد هائل من مخابئ الأسلحة واسترجاعها. كما أن التفجير الانتحاري يأتي بعد يومين فقط من زيارة القائد الجديد للجيش الجزائري اللواء السعيد شنقريحة إلى المنطقة العسكرية السادسة، التي تضم منطقة تيمياوين حيث وقع التفجير. ووجّه شنقريحة خلالها تحذيراته لوحدات الجيش المرابطة على الحدود الجنوبية لرفع مستوى الحذر الأمني، فضلاً عن تنبيهه القيادات الميدانية للمنطقة العسكرية السادسة (الجنوبية القريبة من شمالي النيجر ومالي)، من أي تراخٍ في مراقبة الحدود ورصد تحركات المجموعات المسلحة، وصدّ وإفشال أي محاولة يمكنها أن تهدد سلامة البلاد. والعملية هي الأولى في عهد شنقريحة، بعد النجاح النسبي لقائد الجيش الراحل أحمد قايد صالح في تثبيت الأمن والاستقرار، منذ حادثة الهجوم على منشأة الغاز تيقنتورين، جنوبي البلاد، في يناير/ كانون الثاني 2013.
لكن تنظيماً مسلحاً نجح، الأحد الماضي، في إحداث اختراق أمني باستهداف ثكنة عسكرية في تيمياوين، غير أن العملية فشلت مع يقظة حراس الثكنة ومنع الانتحاري من اقتحامها بسيارته المفخخة، ما دفعه إلى تفجيرها عند بوابة الثكنة حيث قُتل جندي واحد وأصيب 4 آخرون نُقلوا إلى مستشفى برج باحي مختار، على بعد 150 كيلومتراً. وطُرحت أسئلة كثيرة حول توقيت التفجير الانتحاري وعلاقته بالوضع الداخلي للجزائر من جهة وتحركها الإقليمي من جهة أخرى، وطبيعة التنظيم الذي يقف وراء العملية، سواء كان فرع الصحراء لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" أو تنظيم "أنصار الدين" أو تنظيم "التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا". كما يمكن طرح سؤال حول دافع تنفيذ عملية كهذه في هذا الظرف، وعن كيفية تمكن المسلّحين من إيصال السيارة المفخخة إلى مدينة تيمياوين، والمسار الذي سلكه الانتحاري قبل تنفيذه للاعتداء، وما إذا كان من سكان المنطقة أم من منطقة أخرى.
اقــرأ أيضاً
في السياق، أبدى الصحافي المتخصص في الشؤون الأمنية بوعلام غمراسة، اعتقاده بأن المجموعة التي دبّرت ونفذت التفجير استغلت طبيعة المنطقة الصحراوية المكشوفة والأقل تعقيداً في المستويات الحياتية في مدنها، إذ يسهل استهداف المراكز الأمنية فيها مقارنة بمدن الشمال والمدن المركزية في الجنوب. وقال لـ"العربي الجديد"، إن المجموعة كانت تطمح لتحقيق صخب إعلامي أيضاً لو نجحت العملية وأحدثت خسائر كبيرة في صفوف جنود الجيش، مضيفاً أن "الأمر متعلق بعناصر إرهابية يبحثون عن صدى إعلامي أكثر من أي شيء آخر، ثم أن استهداف مركز أمني أو وحدة عسكرية في منطقة صحراوية معزولة، أمر متاح بالنسبة للإرهابيين، خصوصاً أن أسماء بارزة في النشاط الإرهابي في منطقة الصحراء الجزائرية وشمال مالي غابت منذ فترة عن المشهد، كمختار بلمختار المعروف ببلعور، وأياد غالي وغيرهما".
لكن غمراسة أشار إلى مسألة بالغة الأهمية، وهي أن المجموعات المسلحة التي تنشط في منطقة الساحل والصحراء وجنوبي الجزائر وعلى الحدود مع شمالي مالي والنيجر، ما زالت تستخدم أسلوب التفجير الانتحاري، بعد غياب استمرّ نحو سبع سنوات. وقال إن "عودة العمليات الانتحارية تفيد بأن عقيدة الجهاد بالتفجير الانتحاري مستمرة، على الرغم الاعتقاد بأنهم تراجعوا عنها". واعتبر مراقبون أن التفجير الانتحاري هو إعلان عن استمرار التهديدات، خصوصاً في منطقة الجنوب القريبة جغرافياً من التوترات الإقليمية، كالمواجهة المفتوحة بين القوات الفرنسية والجيش المالي في شمال مالي مع المجموعات المسلحة، فضلاً عن التداعيات المرتبطة بالأزمة الليبية وتحرك المجموعات المتشددة في منطقة جنوب ليبيا.
من جهته، اعتبر الباحث في الشؤون السياسية والأمنية بجامعة ورقلة، جنوبي الجزائر، مبروك كاهي، أنه لا يمكن اعتبار الحادث ثغرة دفاعية، "لأن الحدود شاسعة جداً ولا يمكن مراقبة كل متر على الأرض في آن واحد، لكن الأهم هو اليقظة الأمنية، وما حدث أخيراً هو إنذار واختبار لقدرة الأجهزة الأمنية ويقظتها بعد وفاة قايد صالح. التهديد الإرهابي ما زال قائماً، لكنني أعتقد أن الأمر يتعدى الفعل المعزول". وطرح كاهي فرضية أمنية متعلقة بقراءة توقيت التفجير الانتحاري ومكانه ودوافعه، فرأى أن "هناك فرضية الكل متغاض عنها وهي الاعتداء الخارجي المخطط من قبل دولة أجنبية وقد يرقى إلى حالة حرب. وهي فرضية، لكن لا يمكن استبعادها، ومع أنه لا يمكن اتهام دولة بعينها لكن يجب على التحقيق أن يذهب بعيداً". ولفت الباحث الجزائري إلى خطط سابقة تم الكشف عنها عام 2012، وتتعلق بمجموعة "التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا"، والتي ينسب ظهورها في المنطقة إلى استخبارات دولة غربية، هي فرنسا على الأغلب.
ووضع كاهي في السياق جملة من العوامل، أبرزها "موقف الجزائر من صفقة القرن (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية)، وتحرك الدبلوماسية الخارجية إزاء الأزمة في ليبيا ومحاولات تصفية قضية الصحراء وتخصيص الجزائر لطائرة رئاسية لنقل زعيم البوليساريو إلى القمة الأفريقية. وكلها عوامل قد تدفع أطرافاً إقليمية إلى استخدام الإرهاب لإعادة توجيه أنظار الجزائر عن القضايا الإقليمية وشغلها بملف الأمن". وأضاف أن "فرنسا قتلت 30 متشدداً من عناصر الجماعات المسلحة في شمالي مالي في الفترة الأخيرة، ويفترض أن يكون رد فعل هذه المجموعات في الاتجاه الآخر وليس اتجاهنا، لذا الأمر يتجاوز الفعل الإرهابي المعزول". ووصف كاهي طريقة التفجير الانتحاري بأنها "تكتيك قديم والأجهزة الأمنية يقظة وتعودت عليه بعد تفجيري ورقلة وتمنراست عام 2012، ويمكن لهذا أن يكون مؤشراً بأن الأوامر جاءت سريعاً للمجموعة للتحرك، من دون امتلاك الوقت الكافي للتخطيط لعملية أكبر أو استخدام أسلوب مغاير".
اقــرأ أيضاً
في السياق، أبدى الصحافي المتخصص في الشؤون الأمنية بوعلام غمراسة، اعتقاده بأن المجموعة التي دبّرت ونفذت التفجير استغلت طبيعة المنطقة الصحراوية المكشوفة والأقل تعقيداً في المستويات الحياتية في مدنها، إذ يسهل استهداف المراكز الأمنية فيها مقارنة بمدن الشمال والمدن المركزية في الجنوب. وقال لـ"العربي الجديد"، إن المجموعة كانت تطمح لتحقيق صخب إعلامي أيضاً لو نجحت العملية وأحدثت خسائر كبيرة في صفوف جنود الجيش، مضيفاً أن "الأمر متعلق بعناصر إرهابية يبحثون عن صدى إعلامي أكثر من أي شيء آخر، ثم أن استهداف مركز أمني أو وحدة عسكرية في منطقة صحراوية معزولة، أمر متاح بالنسبة للإرهابيين، خصوصاً أن أسماء بارزة في النشاط الإرهابي في منطقة الصحراء الجزائرية وشمال مالي غابت منذ فترة عن المشهد، كمختار بلمختار المعروف ببلعور، وأياد غالي وغيرهما".
من جهته، اعتبر الباحث في الشؤون السياسية والأمنية بجامعة ورقلة، جنوبي الجزائر، مبروك كاهي، أنه لا يمكن اعتبار الحادث ثغرة دفاعية، "لأن الحدود شاسعة جداً ولا يمكن مراقبة كل متر على الأرض في آن واحد، لكن الأهم هو اليقظة الأمنية، وما حدث أخيراً هو إنذار واختبار لقدرة الأجهزة الأمنية ويقظتها بعد وفاة قايد صالح. التهديد الإرهابي ما زال قائماً، لكنني أعتقد أن الأمر يتعدى الفعل المعزول". وطرح كاهي فرضية أمنية متعلقة بقراءة توقيت التفجير الانتحاري ومكانه ودوافعه، فرأى أن "هناك فرضية الكل متغاض عنها وهي الاعتداء الخارجي المخطط من قبل دولة أجنبية وقد يرقى إلى حالة حرب. وهي فرضية، لكن لا يمكن استبعادها، ومع أنه لا يمكن اتهام دولة بعينها لكن يجب على التحقيق أن يذهب بعيداً". ولفت الباحث الجزائري إلى خطط سابقة تم الكشف عنها عام 2012، وتتعلق بمجموعة "التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا"، والتي ينسب ظهورها في المنطقة إلى استخبارات دولة غربية، هي فرنسا على الأغلب.
ووضع كاهي في السياق جملة من العوامل، أبرزها "موقف الجزائر من صفقة القرن (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية)، وتحرك الدبلوماسية الخارجية إزاء الأزمة في ليبيا ومحاولات تصفية قضية الصحراء وتخصيص الجزائر لطائرة رئاسية لنقل زعيم البوليساريو إلى القمة الأفريقية. وكلها عوامل قد تدفع أطرافاً إقليمية إلى استخدام الإرهاب لإعادة توجيه أنظار الجزائر عن القضايا الإقليمية وشغلها بملف الأمن". وأضاف أن "فرنسا قتلت 30 متشدداً من عناصر الجماعات المسلحة في شمالي مالي في الفترة الأخيرة، ويفترض أن يكون رد فعل هذه المجموعات في الاتجاه الآخر وليس اتجاهنا، لذا الأمر يتجاوز الفعل الإرهابي المعزول". ووصف كاهي طريقة التفجير الانتحاري بأنها "تكتيك قديم والأجهزة الأمنية يقظة وتعودت عليه بعد تفجيري ورقلة وتمنراست عام 2012، ويمكن لهذا أن يكون مؤشراً بأن الأوامر جاءت سريعاً للمجموعة للتحرك، من دون امتلاك الوقت الكافي للتخطيط لعملية أكبر أو استخدام أسلوب مغاير".