أحمد شعبان... "ابن الدولة" المصرية المخابراتية وظِل عباس كامل

11 اغسطس 2018
كان شعبان يكتب مقالات باسم "ابن الدولة" (العربي الجديد)
+ الخط -
صناعة القرار المصري لا تأخذ طابعاً مؤسسياً بقدر ما تعتمد على دائرة من الأشخاص المتمتعين بثقة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، تدور في فلكهم كافة المؤسسات السيادية، وتوكل إليهم كافة الملفات الحساسة. في مقدمة هؤلاء، المقدّم أحمد شعبان، ضابط الجيش الذي خدم بجهاز الاستخبارات الحربية في السابق، قبل أن ينتقل إلى مؤسسة الرئاسة مع وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي لكرسي الحكم. وشغل أحمد شعبان، وهو ليس وجهاً مألوفاً في الدوائر الإعلامية إلا لمن تعامل معه بشكل مباشر، موقع مدير مكتب اللواء عباس كامل رئيس جهاز الاستخبارات العامة الحالي. وارتبط شعبان، برئيسه المباشر اللواء عباس كامل، بدءا من العمل بجهاز الاستخبارات الحربية، ثم مكتب وزير الدفاع حين كان السيسي في هذا المنصب في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، مروراً بالعمل في مؤسسة الرئاسة، وأخيراً انتقل معه إلى جهاز الاستخبارات العامة لتأدية مهمة جديدة. ولم يعد يتحرك عباس ولا يشاهَد بدون شعبان، حتى بات الضابط الشاب كظله.

وأصبح شعبان حلقة الوصل الرئيسية في التواصل بين عباس كامل وبين "الأذرع الإعلامية"، فيوجه إليهم التعليمات ويتابع أداء عملهم اليومي، ليقدم لرئيسه تقريراً يومياً بذلك. وعلى مدار نحو عام، كان شعبان يقوم بكتابة مقال يومي في صحيفة "اليوم السابع" التابعة للأجهزة الأمنية المصرية، تحت اسم مستعار هو "ابن الدولة"، حيث كان يحرص كافة العاملين بالحقل الإعلامي لمتابعته كل صباح لمعرفة خطوط التحرك اليومي، كي لا يتجاوزها أي منهم. وبخلاف المقال، يحرص شعبان على التواصل يومياً مع مجموعة الصحافيين، ورؤساء التحرير وكبار مقدمي البرامج عبر غروبات مغلقة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وتطبيق "واتساب" لنقل التكليفات اليومية لهم.

خلال فترة وجيزة من وصول السيسي لقصر الاتحادية حيث مقر الحكم، تمكن شعبان ومن فوقه كامل من السيطرة بشكل تامّ على ملف الإعلام، وأخذ في إعادة تشكيله، وصناعة جيل جديد من الإعلاميين والصحافيين الذين يدينون بالولاء لمنظومة الحكم الجديدة. فقام بتكوين ما يعرف بمجموعة شباب الإعلاميين، وهو تشكيل يضم عدداً من المذيعين والصحافيين، والكتّاب الشباب، وتنظيم دورات ومعسكرات تدريبية لهم، وفي مرحلة لاحقة تم توزيعهم على القنوات الفضائية والصحف، وبرامج "توك شو"، لنقل الرسائل الخاصة بمؤسسة الرئاسة وتوجيهاته، في ظل عدم ثقة ربما بالوجوه الإعلامية القديمة، التي فقدت مصداقيتها من كثرة "رقصها على أحبال" الوسط السياسي.

لم يكن شعبان قد انتهى من تكوين مجموعة شباب الإعلاميين حتى أسند له رئيسه المباشر، مسؤولية الإشراف على تكوين تجمع شبابي جديد أشبه بـ"التنظيم الطليعي" إبان عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، يكون مصنوعاً على أعين النظام، لضمان ولائه، فتم إطلاق مشروع "شباب البرنامج الرئاسي"، ثم عقد مؤتمرات الشباب الدورية التي تتم برعاية السيسي شخصياً. وهم الشباب الذين يتم بعد ذلك زرعهم في الوزارات والمؤسسات الحكومية المختلفة بعد اجتيازهم مجموعة من الدورات، وذلك لصناعة جيل جديد من الكوادر الوسيطة التي تدين بالولاء المطلق للسيسي.

خلال تلك المهمة، كان على شعبان الاشتباك مع الوسط السياسي، لاجتذاب شباب من الأحزاب، لاستكمال الشكل العام، بصناعة معارضة جديدة تتسلم مقاعدها على المدى البعيد، فتكون مستأنسة بعد صناعتها داخل أروقة النظام الحاكم. فباشر شعبان الذي قدمه رئيسه عباس كامل للسيسي على أنه النموذج الأمثل لـ"الجنود الشباب" في منظومة الحكم، عملية التواصل مع الشباب داخل الأحزاب واجتذابهم، والحرص على تنظيم اجتماعات دورية بشكل شهري معهم، للتمكن في النهاية من صناعة الكيان المعروف باسم "تنسيقية شباب الأحزاب"، والذي يُستخدم خلال مؤتمرات الشباب، لتقديمه بشكل وهمي كتجمع يمثل المعارضة لاستكمال المشهد.
مؤخرا أثار حجم الدور الذي يلعبه شعبان داخل دائرة الحكم، غيرة أقرانه من العسكريين بسبب ممارسته، حتى فاض الكيل بالمتحدث العسكري الأسبق العميد محمد سمير، بعد منْع زوجته الإعلامية من العمل في القنوات المختلفة، بل ووصول الأمر لمنع سمير من تولّي أي مواقع في المنظومة الإعلامية التي يشرف عليها شعبان كممثل للواء عباس كامل.

فكتب مقالاً شنّ خلاله هجوماً هو الأعنف والأول من نوعه الذي أتى من داخل معسكر الحكم، نشره في موقع "فيتو" المملوك لرجل الأعمال نجيب ساويرس تحت عنوان "النموذج الأفشل"، كالَ فيه الضربات للمشرفين على إدارة المشهد الإعلامي المصري، دون تسميتهم، بعد انهيار سوق الإعلام وغلْق عدد من القنوات الفضائية والمواقع والإذاعات التي يشرف على تشغيلها وإدارتها شعبان ومن خلفه اللواء عباس كامل، وتسريح العاملين بها أخيراً، واصفاً إياهم بـ"عديمي الكفاءة".

الثقة المطلقة بين عباس كامل وذراعه اليمنى أحمد شعبان لم تتوقف بانتقاله إلى تولي منصب رئيس الاستخبارات، فحرص على اصطحابه معه، في مهمة جديدة حددها السيسي لهما، وهي هيكلة الجهاز الذي يؤرّقه ويراه الرئيس المصري خارجاً عن السيطرة.

المساهمون