وحمل المتظاهرون، الذين تجمعوا في ساحة البريد المركزي بقلب العاصمة قبل بدء المسيرات المليونية المنتظرة عقب صلاة الجمعة، شعار "يتنحاو قاع"، أي يرحلون جميعاً، بعد أسبوع من الجدل السياسي حول ما سمّاه الناشطون في الفضاء الافتراضي بـ"ركوب الأحزاب السياسية والشخصيات موجة الحراك والانضمام للشارع".
ورد الشارع، اليوم، في خامس جمعة من المسيرات المليونية، مبكراً، على مواقف الأحزاب والشخصيات الموالية لبوتفليقة، التي أعلنت دعمها أخيراً للحراك الشعبي ومطالب الشعب، وخصوصاً تلك الأحزاب التي يرى الشارع أنها سبب للأزمة التي تعيشها البلاد، إذ رفع المتظاهرون شعارات موجهة إليها، وهي حزب "جبهة التحرير الوطني" الذي يقوده بوتفليقة، و"التجمع الوطني الديمقراطي" الذي يقوده رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى، وحزب "أمل الجزائر" بقيادة وزير الأشغال العمومية الأسبق عمار غول، ورئيس "الحركة الجزائرية الشعبية" وزير التجارة الأسبق عمارة بن يونس.
ورفع الجزائريون، اليوم، شعارات تحمل جملاً مقتضبة، منها ما يشكك في ما سماه البعض "توبتكم مشكوك فيها"، ويقصد بها الأحزاب التي التحقت خلال الأسبوع المنقضي بالحراك الشعبي، معتبرين أن لحاقهم غير مأمون ما داموا قد تركوا الرئيس الذي ساندوه طيلة 20 سنة وهو في هذا الوضع الصحي.
ويعتبر ذلك محاكمة علنية، بعيداً عما نشر في الفضاء الافتراضي والانتقادات التي وجهت للأحزاب الموالية للسلطة، إذ رفع البعض عبارة "ديقاج"، أي ارحلوا، كما رفعوا أبرز الشعارات "كرهناكم تتنحاو قاع" (يقصد بها كرهناكم جميعاً، ويجب أن تذهبوا جميعا) وهو ما يقصد به أحزاب السلطة.
ولم تسلم الوجوه والشخصيات المحسوبة اليوم على الحكومة من الانتقادات اللاذعة، كنائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، الذي أجرى زيارات دولية إلى موسكو وألمانيا وإيطاليا، إذ شكك المتظاهرون بأن السلطة تريد الاستقواء بالخارج، وهو ما يرفضه الجزائريون، الذين رددوا أنهم "يرفضون التدخل الأجنبي في قضية عائلية"، إضافة إلى الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي الذي لم يسلم هو الآخر من محاكمة الشارع الجزائري، إذ رفع المتظاهرون صورته مع شعار "لا يمكن بناء سفينة بخشب قديم"، فضلاً عن لافتة كتب عليها "سألوا هتلر من هم أحقر الناس الذين قابلتهم؟ قال الذين ساعدوني على احتلال أوطانهم".
وترفض مسيرات اليوم محاولة تدويل الأزمة الجزائرية، وكذا تصريحات مسؤولين أجانب، كوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي قال إن موسكو ترفض أي تدخل خارجي في الجزائر، وهو ما اعتبره الناشطون وقوى سياسية معارضة تصريحا غير مقبول لكون الجزائر "ليست محمية روسية"، وكذا تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قال إن باريس مستعدة لمرافقة انتقال سلس للسلطة في الجزائر.
وقبل أربع ساعات من موعد التظاهرات المقررة عقب صلاة الجمعة، اليوم، توافد الآلاف من الجزائريين إلى ساحتي البريد المركزي وأودان، وسط العاصمة الجزائرية. ولم تمنعهم الأمطار المتساقطة من النزول باكراً إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم لخطة بوتفليقة لتسليم السلطة ونقلها والتمديد لنفسه، حتى عقد مؤتمر وفاق وطني وإجراء انتخابات رئاسية.
ولوحظ انتشار طفيف لقوات الشرطة التي تتمركز في المواقع ذاتها التي كانت تتمركز فيها منذ أسابيع، حيث يسعى الناشطون والطلبة والمحامون والمجموعات الشبابية في الحراك للإبقاء على طابعه السلمي، ومنع أي إخلالات.
وتجري تظاهرات اليوم وسط تغطية إعلامية غربية لافتة، إثر سماح السلطات الجزائرية لعدد من القنوات، الفرنسية خاصة، بالدخول إلى الجزائر، وذلك بعد شهر من منعهم وترحيل صحافيين أجانب وصلوا في وقت سابق إلى مطار الجزائر.
ويرفع المتظاهرون، اليوم، الأعلام الوطنية والرايات الأمازيغية، وكذلك العلم الفلسطيني الذي يظل حاضراً في مسيرات الحراك الشعبي.
وانتظمت مجموعات من طلبة الطب في الحراك، للمساعدة على الإسعاف في حال تعرض أي من المتظاهرين لمتاعب صحية. وقرر تجار وأصحاب المطاعم والمقاهي في وسط العاصمة الجزائرية فتح المحال التجارية، الجمعة، وهو يوم عطلة في الجزائر، لتمكين المتظاهرين والعائلات من التزود بحاجاتهم الأساسية من المأكل والمشرب خلال التظاهرات.
وتجدد تظاهرات 22 مارس/ آذار رفض التمديد لبوتفليقة، ومطالبته بإنهاء فترة حكمه، كما ترفع شعارات تعزز الوحدة الوطنية، وتحذر من مجموعات تتبنى مواقف متطرفة تتصل بالدعوة المبكرة للحكم الفيدرالي في الجزائر.
مقترح إسلامي: هيئة حكماء
وطرح الشيخ علي جدي، القيادي في الحزب المحل، خطة تتضمن "تحضير مؤسسة الجيش بإحكام لكلّ ما تتطلّبه جملة القرارات التالية التي تعلن متزامنة مع إثبات شغور منصب الرئيس، وإقالة الحكومة، وتعليق العمل بالدستور مؤقّتا، وحل المجالس الثلاثة، غرفتي البرلمان المجلس الشعبي الوطنيّ ومجلس الأمة والمجلس الدستوري".
وطرح علي جدي في المقابل "تنصيب هيئة حكماء تتكون من رجال دولة لهم سمعة تاريخية وشخصية توافقية يرضى بها الشعب، ويواكب ويدعم عملها الجيش، بصفتها مجلس دولة سيّدا يملأ الفراغ الرئاسيّ والتشريعيّ في السلطة خلال مرحلة انتقاليّة تأسيسيّة قصيرة مبنيّة على شرعيّة التوافق بين القوى الممثّلة للانتفاضة الشعبيّة الوطنيّة"، ويسوق من الشخصيات أسماء وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي.
ورأى جدي أن "تعتمد هيئة الحكماء حكومة كفاءات وطنيّة لتسيير المرحلة الانتقاليّة"، وتتكفل بعقد "ندوة حوار وطنيّ جامعة للقوى الوطنية الفاعلة ينبثق عنه بالتوافق، مجلس استشاريّ وطني يتكفل بتقويم عمل الحكومة الانتقاليّة، وتعديل دستور 1989 عبر الاستفتاء الشعبي، ومراجعة كلّ القوانين المتعلّقة بالانتخابات.
واقترح جدي، وهو من بين قيادات الحزب الإسلامي التي اعتقلت بعد حل الحزب في مارس 1992، في السياق، استحداث هيئة الحكماء لهيئة مستقلّة دائمة لتنظيم الانتخابات، على أن تتولى هيئة الحكومة والحكومة الانتقاليّة كلّ الضمانات والمتطلّبات اللازمة، لتمكين الهيئة المستقلّة الدائمة لتنظيم الانتخابات من إجراء الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة والمحليّة في ظلّ الدستور الجديد والقوانين المتلائمة معه.
وقال علي جدي، العضو في تكتل المعارضة، لـ"العربي الجديد"، إن الانتفاضة الشعبيّة الوطنيّة السلميّة أحيت في الشعب استرجاع سيادته، وهذه الهبّة الشعبيّة العارمة لم تترك للنظام القدرة على فرض إرادته في البقاء عن طريق ما تعوّد عليه من قمع للحريات، وحتى الظروف الإقليمية لا تسمح له بذلك تفاديا لنشر اضطراب الأمن والاستقرار".
واعتبر جدي أن "السلطة القائمة أوصلت البلاد إلى أزمة صراع بين إرادتها في الاستمراريّة وإرادة الشعب الجزائري في التغيير"، مشيراً إلى أن الجزائر بحاجة إلى "أرضيّة سياسيّة تؤمّن للجزائر الانتقال الديمقراطي السلمي المأمون، في ظل الأمن والحرية والتوافق، للانتقال من النظام المنبوذ إلى نظام جديد يحقّق التطلعات إلى دولة القانون الديمقراطيّة الاجتماعيّة ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلاميّة"، واعتبر أن المقترحات التي يطرحها تتضمن محاولة تلافي "انسداد أفق الخروج من الأزمة، وعدم تعريض الجزائر لمخاطر من التربص وفتح سلميّا الباب واسعاً للخروج الآمن من الأزمة وفق خارطة طريق للتغيير".