الدعوات لحكومة تكنوقراط مغربية: التفاف على حكم "العدالة والتنمية"؟

27 مايو 2020
أثّر وباء كورونا سلباً على المغرب (فضل سنّا/فرانس برس)
+ الخط -

أثارت الدعوات إلى تشكيل حكومة تكنوقراط أو حكومة إنقاذ وطني لإخراج المغرب من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تهدده جراء انتشار وباء كورونا، جدلاً واسعاً في المشهد السياسي وتساؤلات عدة بشأن الهدف من ورائها. وفي الوقت الذي كانت فيه القرارات والإجراءات التي اتخذتها حكومة سعد الدين العثماني لمجابهة كورونا محل إجماع وطني وسبباً في الإشادة بعملها من جميع المكونات، انقلب المشهد فجأة، بعدما ظهرت دعوات في صحيفة محلية ومواقع التواصل الاجتماعي، لتشكيل حكومة تكنوقراط أو حكومة إنقاذ وطني تعمل مع العاهل المغربي محمد السادس لإخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي فرضها الوباء.

في السياق، كتب الناشر المقرّب من دوائر الحكم، أحمد الشرعي، افتتاحية في مجلته الأسبوعية "لوبسرڤاتور دو ماروك إي دافريك"، مهاجماً العثماني وحكومته. واعتبر أنها عاجزة عن تقديم حلول لتبعات الأزمة، ولا تملك تصوراً لنموذج جديد للتنمية وللمجتمع، يأخذ بعين الاعتبار التحوّلات الواقعة في العالم. وأضاف الشرعي في افتتاحيته التي كتبها بعنوان: "فيروس كورونا: في الحاجة لكوماندوس"، أن "الحل هو حكومة تكنوقراط لمدة عامين، بهدف واحد، هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة إطلاق الدورة الاقتصادية، وأن على الأحزاب السياسية دعم هذا الخيار، والتفرّغ للاستعداد لانتخابات 2022. وأن هذا التوجه سيكون فقط قوساً في الحياة السياسية، ولكنه قوس حيوي". وما ذهب إليه الشرعي من خلال افتتاحيته وما سبقه من دعوة قيادة حزب "الاتحاد الاشتراكي"، المشارك في حكومة العثماني، إلى إنهاء هذه الأخيرة والتحوّل نحو حكومة وحدة وطنية على اعتبار أن "المغرب في حالة حرب تتطلّب وحدة وطنية"، يطرح تساؤلات وتكهنات عدة عن الدوافع، وما إذا كانت مؤشراً على خطوات مقبلة قد تقرر مصير الحكومة.

لم تمرّ تلك الدعوات بسهولة، بل أشعلت غضب قيادة حزب "العدالة والتنمية" ومسؤوليه، الذين ردّوا بمواقف حادة جداً، أبرزها ما جاء على العثماني، الذي اعتبرها "استهدافاً" للحزب، و"محاولة للالتفاف" على المسار الديمقراطي في البلاد، مشدّداً على أن "لا معنى لهذه الدعوات، والجميع ينبغي أن يركز على مواجهة الوباء وتخفيف تأثيراته صحياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وإعلامياً".

وفيما تضع تطورات الأزمة الصحية مستقبل الحكومة الحالية على المحك في ظل محاولات للدفع في اتجاه التخلص منها، وهي محاولات متواصلة منذ فوز الإسلاميين بالانتخابات عام 2011، يبقى لافتاً تأكيد العثماني، ليلة يوم الجمعة الماضي، أن "البعض يعمل على إفساد العملية السياسية، والبعض ينادي بتعديل الفصل 47 (ينصّ على اختيار رئيس الحكومة من الحزب الأول في الانتخابات) ونمط الاقتراع، وبعضهم يطالب بحكومة وحدة وطنية وحكومة تكنوقراط. وهذا دليل على أنهم عجزوا عن مواجهة حزب العدالة والتنمية بالطرق الديمقراطية وأرادوا الالتفاف حول المسار الديمقراطي بطرق أخرى". ورأى أنه "لا معنى لحكومة إنقاذ وطنية، لأنه يتم اللجوء إليها عندما تكون في البلاد أزمة سياسية، ونحن لسنا في أزمة سياسية ولم يقُل هذا أحد".



هذه القراءة للوضع الراهن من قبل قيادة "العدالة والتنمية"، تشاركه فيها أيضاً قيادة حزب "الاستقلال"، ثاني قوة سياسية معارضة في المغرب، التي تعتقد أن "تشكيل حكومة وحدة وطنية متجاوز لأننا بالفعل في إطار دولة وطنية يقودها جلالة الملك، والدعوة لاستثمار الإجماع الوطني لوضع ميثاق اجتماعي جديد".

من جهته، وصف الأمين العام لحزب "التقدم والاشتراكية" المعارض، محمد نبيل بنعبد الله، النقاش الذي أثارته الدعوات إلى حكومة تكنوقراط بـ"المغلوط"، معتبراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "لا داعي للخوض في مثل هذا النوع من الانزلاقات على مستوى الكلام والمضامين، فهناك دستور وديمقراطية بما لها وما عليها، وعلى الجميع أن يمتثل لهما، ولا أفهم مغزى هذه الأصوات النشاز ومقصدها".

وفيما يختزن التاريخ السياسي المغربي لحظات ووقائع تشكل ذاكرة لا يمكن القفز عنها من أجل فهم أكبر للتحولات التي يعرفها الزمن السياسي الراهن، لا تستبعد مصادر سياسية، تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن تكون تلك الدعوات محاولة من بعض الأوساط لجس النبض ومحاولة الدفع في اتجاه شبيه بمعركة الانسداد السياسي في معركة تشكيل الحكومة بعد انتخابات 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، وما تبعها من إعفاء للأمين العام السابق لـ"العدالة والتنمية"، عبد الإله بنكيران، من مهمة تشكيل حكومة الإسلاميين الثانية. وبالنسبة للمصادر، فإن تلك الدعوات محاولة للحيلولة دون عودة "العدالة والتنمية" لتصدر المشهد السياسي والحزبي، لافتة إلى أن المغرب أمام تحدي الانتصار على تفشي وباء كورونا، وتجنّب تداعياته السلبية، وذلك بعيداً عن الخلافات والمزايدات السياسية الضيقة، ومفهومي الأغلبية والمعارضة.



المساهمون