تجددت يوم الثلاثاء المظاهرات الطلابية في الجزائر للمطالبة برحيل وجوه النظام، ورفض القرارات التي أعلن عنها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، والمتعلقة بتشكيل حكومة جديدة والدعوة إلى عقد مؤتمر وفاق وطني، ما يفتح الباب أمام احتمال أن تشهد الجزائر جمعة رابعة غاضبة وأكثر تعبئة من الجمعات الثلاث الماضية.
وأعلنت كوادر الحراك الشعبي رفضها لقرارات الرئيس بوتفليقة، وتعيين وزير الداخلية نور الدين بدوي رئيسًا للحكومة، دون استشارة الحراك وقيادات المعارضة السياسية والنخب المستقلة والحوار معها، ودعت إلى مظاهرات حاشدة يوم الجمعة المقبل تحت اسم "جمعة الرحيل".
وقال القيادي في الحراك عبد الوكيل بلام لـ"العربي الجديد" إن "السلطة ومحيط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لم يستمعوا جيدًا إلى الشارع أو لا يريدون، نحن لا نريد أن نذهب إلى حالة فراغ بالتأكيد، لكن ليس مقبولًا أن يتم تدوير المناصب والوجوه واستبدال وزير بوزير"، مضيفاً أن "الحراك متحفظ بشكل كبير على تولي وزير الداخلية نور الدين بدوي لمنصب رئيس الحكومة، وهو مسؤول عن قمع المظاهرات والاحتجاجات السابقة للمعلمين والأطباء ومعطوبي الجيش والصحافيين وغيرهم وسحل الناشطين"، واعتبر أن التعيين لم يكن موفقًا بالمطلق.
ويعتقد الناشطون أن مقترح عقد مؤتمر وفاق وطني قد يكون فخًا للالتفاف على الحراك الشعبي ومطالبه الرئيسة، خاصة في ظل غموض الموقف بشأن أرضية المؤتمر والأطراف السياسية التي تشارك فيه، وطبيعية التمثيلية المقررة، ويتخوف الناشطون من أن تعمد السلطة إلى عقد مؤتمر وفاق تستند فيه إلى تمثيلية مشكوك فيها لأكثر من 60 حزبًا صوريًا معتمدًا وتنظيمات موالية سيطرت السلطة على قرارها منذ عقود، وبما يعيد إنتاج مخرجات ندوة الوفاق الوطني عام 1994، التي لم تحل الأزمة الأمنية والسياسية للبلاد في التسعينيات.
وتعزى مآلات المواقف الراديكالية للشارع الجزائري على تنازلات السلطة، إلى جملة عوامل، وفق بعض التفسيرات السياسية، أبرزها سوابق نقض النظام السياسي الجزائري مع العهود والالتزامات السياسية، بما فيها تعهدات 2002 بإنجاز إصلاحات هيكلية انتهت إلى الإخفاق، وتعهدات 2012 بإنجاز إصلاحات سياسية لم يتم الوفاء بها، وتعهدات 2014 بتعديل عميق للدستور، وقد تمّت في فبراير/ شباط 2016، لكن من دون أن تكون ذات أهمية تذكر على صعيد المنجز الديمقراطي.
ويدخل في سياق التفسيرات رفض الشارع الجزائري لوجوه النظام، والدعوة إلى القطيعة السياسية، وعدم تقبله فكرة تدوير المناصب والوجوه داخل السلطة نفسها، فضلًا عن غياب أية تمثيلية للفواعل الأخرى؛ كالمعارضة والحراك الشعبي، في الخطوات السياسية المعلنة.
عطفًا على ذلك، يرى المحلل السياسي زهير بوعمامة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "رد فعل الشارع يمكن تفهمه، على اعتبار أن القرارات كانت أقل من سقف المطالب، فضلاَ عن أنها عملية استبدال بشخصيات من داخل النظام نفسه".
ويضيف المتحدث ذاته: "عندما يتم تعيين نور الدين بدوي رئيسًا للحكومة، ورمضان لعمامرة نائبًا له وزيرًا للخارجية، وتكليف الأخضر الإبراهيمي باستدعاء والإشراف على مؤتمر وفاق وطني، فهذا يجعل المعارضة تشك وتدخل في حال من الريبة، لكون السلطة فكرت وقررت ونفذت الخيارات وحدها، وأعتقد أن السلطة يجب أن تعي أن عهد التفكير والقرار المنفرد قد انتهى، بفعل تغير قواعد اللعبة السياسية ودخول الشارع كفاعل وعامل جديد وحاسم قلب كل الموازين"، مشيرًا إلى أنه "إذا كان من الأهمية ضمان عدم القفز في الفراغ، فإنه يتعين أيضًا على السلطة مراجعة الموقف، قبل رد فعل الشارع".
ورغم أن يوم الجمعة ليس ببعيد، فقد أطلق الشارع الجزائري ردًا سريعًا على قرارات الأمس، إذ شهدت ساحة البريد المركزي وساحة أودان وسط العاصمة الجزائرية، اليوم، مظاهرات للطلبة الجزائريين احتجاجًا على القرارات التي اتخذها الرئيس بوتفليقة.
وخرج طلبة وأساتذة جامعة بجاية في مسيرة حاشدة وسط المدينة، للمطالبة بتغيير النظام وإبعاد رموزه، ورفع الطلبة شعارات تطالب بالتغيير الجذري وضرورة احترام مؤسسات ودستور وقوانين الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. كما نددوا بالالتفاف على مطالب الشعب وتمديد العهدة الرابعة.
وتجمع الطلبة في أشكال احتجاجية مبتكرة، إذ نظموا حلقات نقاش سياسية حول القرارات الرئاسية والخيارات المستقبلية. وقالت الطالبة زهيرة بن ياحي التي تدرس في كلية الترجمة، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الحلقات النقاشية هي تعبير من الطلبة عن مستوى الوعي السياسي والإيمان بالحرية والحوار والديمقراطية، وبأن الكتلة الطلابية تساهم في الحراك مشاركة وتنظيمًا، ويصدد تحمل مسؤولياتها الوطنية، مثلما تحمل طلبة في ثورة التحرير مسؤولياتهم"، كما قام الطلبة بتعليق قصاصات صغيرة على حائط في الشارع تتضمن مواقف سياسية رافضة لقرارات بوتفليقة.
ونظم أساتذة جامعة البليدة قرب العاصمة الجزائرية مسيرة سلمية ضد قرار تقديم العطلة وقرارات الرئيس، على غرار تظاهرة حاشدة نظمها أساتذة وطلبة جامعة عنابة شرقي الجزائر، ضد تأجيل الانتخابات وانتهاك الدستور. وتجمع المحامون في الولاية أمام مجلس القضاء، مطالبين برحيل النظام واحترام الدستور.
وفي مدينة وهران، غربي الجزائر، خرجت مسيرة حاشدة شارك فيها الآلاف من الطلبة الجامعيين والمواطنين في شوارع المدينة رفضًا لقرارات بوتفليقة، وللتشبث بمطلب التغيير الجذري ورحيل النظام، وهو ما أكد عليه المتدخلون في الجمعيات العامة التي تحتضنها الجامعات هذا الصباح، والذين تمسكوا بمسيرة يوم الجمعة المقبل.
وفي سياق الرد الشعبي الرافض للتعهدات الرئاسية الجديدة، تجمعت النقابات المستقلة لقطاعات التربية والتعليم في ساحة أول مايو، وسط العاصمة الجزائرية، للتعبير عن موقفها الرافض، والتهديد بشل كامل المؤسسات التعليمية، وامتدت التظاهرات إلى عمال قطاعات خدمية، كالبنوك، حيث نظم موظفو البنوك وعمال شركة الكهرباء في العاصمة الجزائرية وقفة احتجاجية في مقرات عملهم تنديدًا بما اعتبروه تمديدًا للعهدة الرابعة، ورفعوا شعارات "لا تأجيل لا تمديد"؛ "ترحلو يعني ترحلو".