لا يبدو أن الأوضاع في العراق تسير لمصلحة الحكومة، في ظلّ فشلها في احتواء التظاهرات، سواء عبر القمع المفرط الذي سبّب سقوط مزيد من الضحايا أمس، أو من خلال تقديم مزيد من القرارات ووعود الإصلاحات، ودخول البرلمان على الخط من خلال اعتمادات بقرارات اعتبرت جريئة وما كانت لتتحقق لولا التظاهرات وضغطها، مثل تشكيل لجنة لتعديل الدستور، وإلغاء امتيازات الرئاسات الثلاث والمناصب الكبرى في البلاد، وإلغاء مجالس المحافظات. وهي قرارات من شأنها توفير ما لا يقلّ عن 200 مليار دينار عراقي سنوياً (نحو 180 مليون دولار أميركي) كانت تذهب كمرتبات ومخصصات وامتيازات مختلفة للرئاسات الثلاث والنواب والوزراء ووكلائهم.
ولا تزال شوارع مدن بغداد والنجف وكربلاء والبصرة وميسان وبابل وذي قار والقادسية والمثنى وواسط، تغصّ بالمتظاهرين الذين دخل على خطهم طلاب الجامعات ونقابات واتحادات عمالية مختلفة، أبرزها نقابة المعلمين والمحامين التي أعلنت الإضراب العام أمس، فضلاً عن اتحادات العمال والصناعيين، بتأثير على ما يبدو من الحزب الشيوعي العراقي الذي أعلن استقالة نوابه في البرلمان وفي عدد من مجالس المحافظات، احتجاجاً على قتل المتظاهرين الذين تخطى عددهم عصر أمس الإثنين 80 قتيلاً، إلى جانب ما يزيد على أربعة آلاف جريح.
وقد حلّت بغداد وذي قار والبصرة في الصدارة لناحية عدد الضحايا. ويأتي ذلك في ظلّ ترقّب سياسي واسع لموقف جديد من المرجعية الدينية العليا في النجف، من تصاعد القتل والقمع من قبل أجهزة الدولة الأمنية المختلفة، خصوصاً بعد مناشدات وهتافات رددها متظاهرون مطالبين إياها بالتدخل، فيما انتقدت هتافات أخرى عدم تدخلها.
اقــرأ أيضاً
وفي بغداد التي فرض فيها الجيش أمس حظراً شاملاً للتجوال بين الساعة الثانية عشرة ليلاً وإلى السادسة صباحاً حتى إشعار آخر، واصلت قوات الأمن العراقية، معززةً بوحدات من جهاز مكافحة الإرهاب وقوات التدخل السريع المخصصة أصلاً لحرب المدن خلال معارك تحرير المحافظات العراقية الشمالية والغربية من سيطرة تنظيم "داعش"، عمليات فضّ التظاهرات، مستخدمةً الرصاص الحيّ والمطاطي وقنابل الغاز والمياه الحارة، فيما استخدمت الهراوات بكثافة في التعامل مع طلاب الجامعات. وقد أظهرت صور ومقاطع فيديو عمليات ضرب فتيات جامعيات، ومنهن مَن هنّ في المرحلة الإعدادية.
وتركزت التظاهرات في بغداد في ساحتي التحرير والطيران، بالإضافة إلى ساحة النسور التي دخلت للمرة الأولى على خط التظاهرات، وتقع في حيّ المنصور الراقي، وسط العاصمة، فضلاً عن جسر الجمهورية المغلق والمؤدي إلى المنطقة الخضراء.
وفي جنوب ووسط البلاد، اتسعت حدّة التظاهرات لتشمل مناطق جديدة، كمدينة جصان على الحدود مع إيران التي تتبع محافظة واسط، ومدينة سوق الشيوخ في ذي قار وأطراف الكوفة. وشارك ممثلون عن عشائر عدة في هذه التظاهرات، إضافة إلى جامعات ومدارس وموظفين من مؤسسات مختلفة، وسط استمرار عملية نصب الخيام في الساحات العامة، مثل ساحة الصدرين بالنجف، وساحة التربية بكربلاء، وساحة الحبوبي في الناصرية، وساحة العشار في البصرة، وساحة الشهداء في المثنى، في الوقت الذي رفعت فيه قوات الأمن عديد قواتها في تلك المناطق، وتسلّم جهاز مكافحة الإرهاب رسمياً في بيان له مسؤولية حماية المنشآت والدوائر الحكومية.
وقال ناشط عراقي مدني في البصرة يدعى أحمد الوائلي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "التظاهرات ستستمر على الرغم من الوعود، لأن الشارع فعلياً لم يعد يملك ثقة بما يقدمه البرلمان أو الحكومة له"، معتبراً أنّ "القمع زاد من نقمة الشارع وأيضاً من توحده وتعاطفه مع بعضه البعض".
في المقابل، قال متظاهر آخر في ساحة التحرير ببغداد، يدعى محمد محسن، لـ"العربي الجديد"، إنهم لا يعلمون متى ينهون ما بدأوا به "لكن هناك رغبة من المتظاهرين في الاستمرار"، مضيفاً: "كلما تذكرنا من قتل بيننا، نرغب أكثر في المواصلة، ونخجل من الحديث عن إنهاء التظاهرات ونسيان التضحيات السابقة. فدماء الضحايا لها ثمن".
وفي آخر بيان لها أمس، قالت "مفوضية حقوق الإنسان العراقية"، إن 74 شخصاً قتلوا ونحو 4 آلاف جرحوا من بين المتظاهرين وأفراد الأمن في بغداد والمحافظات الجنوبية منذ يوم الجمعة الماضي. إلا أن مصادر طبية عراقية أكدت لـ"العربي الجديد" أن الحصيلة بلغت حتى مساء أمس 77 قتيلاً، قبل أن تفيد وسائل إعلام محلية بمقتل 5 متظاهرين جدد في العاصمة من جراء استخدام قوات الأمن قنابل الغاز والرصاص الحي، ما يرفع العدد إلى 82 قتيلاً.
في غضون ذلك، خسر تحالف "سائرون" الذي احتجّ على استمرار القمع في ساحات التظاهر، نائبين بعد إعلان استقالتهما من البرلمان، هما رائد فهمي وهيفاء الأمين، الممثلان الرسميان للحزب الشيوعي العراقي ضمن التحالف، وذلك بعد ثلاثة اجتماعات عقدت في مقر الحزب في ساحة الأندلس ببغداد، انتهت بتأييد أعضاء اللجنة المركزية للتنحي والتنازل عن عضوية البرلمان ومناصب أخرى مرتبطة بإدارات بعض المؤسسات في وزارة الثقافة، بحسب ما أفاد مصدر من داخل الحزب "العربي الجديد". وأوضح المصدر أنّ "الاجتماعات أفرزت استقالة خمسة أعضاء في مجالس محافظات متفرقة، وهم قياديون في الحزب"، هذا بالإضافة إلى استقالة عضو عن تحالف "النصر"، هو طه الدفاعي.
في السياق، قال قصي الياسري، وهو نائب عن تحالف "سائرون" الذي يقوده مقتدى الصدر، إنّ "استقالة رائد فهمي وهيفاء الأمين، جاءت بطلب من أعضاء الحزب الشيوعي، وقد امتثلا لقرار حزبهم"، مضيفاً في اتصال مع "العربي الجديد": "أما نواب سائرون (التيار الصدري)، فهم الآن الأقرب إلى إعلان الاستقالة من غيرهم من الكتل التي تدعم الحكومة".
وأكد الياسري أنّ "خطة سائرون كجبهة معارضة، هي إقالة الحكومة وإجراء انتخابات والتصويت على الموازنة العامة لعام 2020". وقال إنه "إذا توجهت أي كتل سياسية لإقالة الحكومة سنكون معها، ولكن في الحقيقة هناك كتل برلمانية ليست لديها النيّة لإقالة الحكومة لأنها تملك مصالح قوية مع (رئيس الوزراء) عادل عبد المهدي، فيما كتل أخرى ترى في الأمر مزيداً من الفوضى".
وفي وقت لاحق أمس، دعا مقتدى الصدر في تصريحات له، إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في العراق بإشراف أممي، ودعا إلى تغيير مفوضية الانتخابات واستبعاد أحزاب السلطة من العملية الانتخابية.
ويزداد التشنج بين خطين لم يلتقيا منذ سنوات، هما خط فصائل "الحشد الشعبي" المقربة من إيران وما تحوي من شخصيات، وخط مقتدى الصدر الذي يدعم بطريقة غير مباشرة التظاهرات. ففي الوقت الذي حذر فيه الأخير من محاولات الحكومة العراقية لزجّ فصائل "الحشد" في صدام مع الشعب، مخاطباً إياها بالقول: "أيها المجاهدون، سمعتكم عندي أهم من وجودكم، فلا تناصروا الفاسد، ولا تقمعوا الشعب، لا تمكنوا غير المنضبطين من دماء الشعب ودمائهم"، أكد نائب رئيس هيئة "الحشد" جمال جعفر الملقب بأبو مهدي المهندس، أنّ "الحشد ستتدخل في الوقت المناسب". وأوضح في كلمة له خلال مراسم عزاء القيادي في مليشيا "عصائب أهل الحق" وسام العلياوي، أنّ الفصائل "تراقب الأحداث بشكل تفصيلي، ونفرق بين المطالب الحقيقية للمتظاهرين ونأمل من الحكومة تلبيتها".
وفي هذا الإطار، أشار المتحدث باسم "حركة النجباء" هاشم الموسوي، إلى أن "تصريحات المهندس لا تُعد تهديداً للمتظاهرين، بل حماية من خراب الدولة ومؤسساتها"، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الحشد جزء من الشعب وهو مع مطالب المتظاهرين المشروعة، ويقف بالضد من المخربين والمدمرين الذين تجاوزوا على المقرات الحزبية، وقتلوا عدداً من رموز المقاومة، بدعم أميركي وإسرائيلي"، على حدّ تعبيره.
وفي بادرة لتهدئة الأمور، قضت المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية في العراق)، بعدم خضوع توزيع المناصب وفق قرار المحاصصة، مؤكدة في بيان رسمي أنّ "مطالبة القوائم والكتل السياسية بمناصب وكلاء الوزارات ورئاسة الهيئات والدرجات الخاصة في أجهزة الدولة وفق استحقاقها لا سند له في الدستور".
بدوره، أصدر البرلمان العراقي حزمة قرارات صوّت عليها واعتبرت جريئة، من أبرزها تشكيل لجنة برلمانية خاصة بتعديل الدستور تضمّ مختلف المكونات، على أن تسلّم توصياتها للبرلمان خلال مدة لا تتجاوز 120 يوماً. كذلك صوّت على قرار يقضي بحلّ مجالس المحافظات والمدن والبلدات ومنح صلاحياتها للمحافظ الذي سيكون خاضعاً لرقابة مجلس النواب لحين إجراء انتخابات. وصوّت البرلمان أيضاً على قرار يلزم الحكومة فوراً بإلغاء الجمع بين مرتّبين، انطلاقاً من مبدأ العدالة الاجتماعية، ومن ضمن ذلك امتيازات لاجئي مخيم رفحاء. وصوت على قرار ألغى بموجبه جميع امتيازات الرئاسات الثلاث والبرلمانيين وكبار المسؤولين. وقد قرر البرلمان إبقاء جلسته مفتوحة لحين إكمال تنفيذ الإصلاحات.
ولم يتطرق البرلمان العراقي إلى عمليات القتل والاعتقال التي تعرض لها المتظاهرون خلال الأيام الماضية، كذلك فإنه لم يدعُ إلى محاسبة المتورطين من المسؤولين والقادة العسكريين.
وبحسب مختصين، فإنّ بعض الصعوبات ستقف بطريق القرارات التي أصدرها البرلمان. وفي هذا الإطار، قال أستاذ القانون الدستوري في جامعة بغداد، خالد الحمداني، إنّ البرلمان "لا يمتلك حق تخويل نفسه الرقابة على المحافظ"، مؤكداً في حديث مع "العربي الجديد" أنّ "الدستور منح هذا الحق لمجلس المحافظة". وأضاف: "لا يمكن قراراً صادراً من مجلس النواب أن يتجاوز نصوص دستورية، والأمر يحتاج إلى تعديل الدستور".
وفي ما يتعلق بتعديل الدستور، أشار الحمداني إلى أنّ اللجنة التي منحها البرلمان 4 أشهر "ستقوم فقط بإعداد توصيات للمواد المقترح تعديلها"، مؤكداً أنّ "الصعوبة ستأتي بعد ذلك، لأن الأمر يتطلب الحصول على موافقة البرلمان على المواد المقترح تعديلها، ثمّ تعرض هذه المواد على الشعب للاستفتاء عليها". وأوضح الحمداني أن الاستفتاء على التعديل لا يمكن أن يمرّ إذا اعترض عليه أغلب المصوتين في ثلاث محافظات.
اقــرأ أيضاً
وقد حلّت بغداد وذي قار والبصرة في الصدارة لناحية عدد الضحايا. ويأتي ذلك في ظلّ ترقّب سياسي واسع لموقف جديد من المرجعية الدينية العليا في النجف، من تصاعد القتل والقمع من قبل أجهزة الدولة الأمنية المختلفة، خصوصاً بعد مناشدات وهتافات رددها متظاهرون مطالبين إياها بالتدخل، فيما انتقدت هتافات أخرى عدم تدخلها.
وفي بغداد التي فرض فيها الجيش أمس حظراً شاملاً للتجوال بين الساعة الثانية عشرة ليلاً وإلى السادسة صباحاً حتى إشعار آخر، واصلت قوات الأمن العراقية، معززةً بوحدات من جهاز مكافحة الإرهاب وقوات التدخل السريع المخصصة أصلاً لحرب المدن خلال معارك تحرير المحافظات العراقية الشمالية والغربية من سيطرة تنظيم "داعش"، عمليات فضّ التظاهرات، مستخدمةً الرصاص الحيّ والمطاطي وقنابل الغاز والمياه الحارة، فيما استخدمت الهراوات بكثافة في التعامل مع طلاب الجامعات. وقد أظهرت صور ومقاطع فيديو عمليات ضرب فتيات جامعيات، ومنهن مَن هنّ في المرحلة الإعدادية.
وفي جنوب ووسط البلاد، اتسعت حدّة التظاهرات لتشمل مناطق جديدة، كمدينة جصان على الحدود مع إيران التي تتبع محافظة واسط، ومدينة سوق الشيوخ في ذي قار وأطراف الكوفة. وشارك ممثلون عن عشائر عدة في هذه التظاهرات، إضافة إلى جامعات ومدارس وموظفين من مؤسسات مختلفة، وسط استمرار عملية نصب الخيام في الساحات العامة، مثل ساحة الصدرين بالنجف، وساحة التربية بكربلاء، وساحة الحبوبي في الناصرية، وساحة العشار في البصرة، وساحة الشهداء في المثنى، في الوقت الذي رفعت فيه قوات الأمن عديد قواتها في تلك المناطق، وتسلّم جهاز مكافحة الإرهاب رسمياً في بيان له مسؤولية حماية المنشآت والدوائر الحكومية.
وقال ناشط عراقي مدني في البصرة يدعى أحمد الوائلي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "التظاهرات ستستمر على الرغم من الوعود، لأن الشارع فعلياً لم يعد يملك ثقة بما يقدمه البرلمان أو الحكومة له"، معتبراً أنّ "القمع زاد من نقمة الشارع وأيضاً من توحده وتعاطفه مع بعضه البعض".
في المقابل، قال متظاهر آخر في ساحة التحرير ببغداد، يدعى محمد محسن، لـ"العربي الجديد"، إنهم لا يعلمون متى ينهون ما بدأوا به "لكن هناك رغبة من المتظاهرين في الاستمرار"، مضيفاً: "كلما تذكرنا من قتل بيننا، نرغب أكثر في المواصلة، ونخجل من الحديث عن إنهاء التظاهرات ونسيان التضحيات السابقة. فدماء الضحايا لها ثمن".
وفي آخر بيان لها أمس، قالت "مفوضية حقوق الإنسان العراقية"، إن 74 شخصاً قتلوا ونحو 4 آلاف جرحوا من بين المتظاهرين وأفراد الأمن في بغداد والمحافظات الجنوبية منذ يوم الجمعة الماضي. إلا أن مصادر طبية عراقية أكدت لـ"العربي الجديد" أن الحصيلة بلغت حتى مساء أمس 77 قتيلاً، قبل أن تفيد وسائل إعلام محلية بمقتل 5 متظاهرين جدد في العاصمة من جراء استخدام قوات الأمن قنابل الغاز والرصاص الحي، ما يرفع العدد إلى 82 قتيلاً.
في غضون ذلك، خسر تحالف "سائرون" الذي احتجّ على استمرار القمع في ساحات التظاهر، نائبين بعد إعلان استقالتهما من البرلمان، هما رائد فهمي وهيفاء الأمين، الممثلان الرسميان للحزب الشيوعي العراقي ضمن التحالف، وذلك بعد ثلاثة اجتماعات عقدت في مقر الحزب في ساحة الأندلس ببغداد، انتهت بتأييد أعضاء اللجنة المركزية للتنحي والتنازل عن عضوية البرلمان ومناصب أخرى مرتبطة بإدارات بعض المؤسسات في وزارة الثقافة، بحسب ما أفاد مصدر من داخل الحزب "العربي الجديد". وأوضح المصدر أنّ "الاجتماعات أفرزت استقالة خمسة أعضاء في مجالس محافظات متفرقة، وهم قياديون في الحزب"، هذا بالإضافة إلى استقالة عضو عن تحالف "النصر"، هو طه الدفاعي.
وأكد الياسري أنّ "خطة سائرون كجبهة معارضة، هي إقالة الحكومة وإجراء انتخابات والتصويت على الموازنة العامة لعام 2020". وقال إنه "إذا توجهت أي كتل سياسية لإقالة الحكومة سنكون معها، ولكن في الحقيقة هناك كتل برلمانية ليست لديها النيّة لإقالة الحكومة لأنها تملك مصالح قوية مع (رئيس الوزراء) عادل عبد المهدي، فيما كتل أخرى ترى في الأمر مزيداً من الفوضى".
وفي وقت لاحق أمس، دعا مقتدى الصدر في تصريحات له، إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في العراق بإشراف أممي، ودعا إلى تغيير مفوضية الانتخابات واستبعاد أحزاب السلطة من العملية الانتخابية.
ويزداد التشنج بين خطين لم يلتقيا منذ سنوات، هما خط فصائل "الحشد الشعبي" المقربة من إيران وما تحوي من شخصيات، وخط مقتدى الصدر الذي يدعم بطريقة غير مباشرة التظاهرات. ففي الوقت الذي حذر فيه الأخير من محاولات الحكومة العراقية لزجّ فصائل "الحشد" في صدام مع الشعب، مخاطباً إياها بالقول: "أيها المجاهدون، سمعتكم عندي أهم من وجودكم، فلا تناصروا الفاسد، ولا تقمعوا الشعب، لا تمكنوا غير المنضبطين من دماء الشعب ودمائهم"، أكد نائب رئيس هيئة "الحشد" جمال جعفر الملقب بأبو مهدي المهندس، أنّ "الحشد ستتدخل في الوقت المناسب". وأوضح في كلمة له خلال مراسم عزاء القيادي في مليشيا "عصائب أهل الحق" وسام العلياوي، أنّ الفصائل "تراقب الأحداث بشكل تفصيلي، ونفرق بين المطالب الحقيقية للمتظاهرين ونأمل من الحكومة تلبيتها".
وفي هذا الإطار، أشار المتحدث باسم "حركة النجباء" هاشم الموسوي، إلى أن "تصريحات المهندس لا تُعد تهديداً للمتظاهرين، بل حماية من خراب الدولة ومؤسساتها"، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الحشد جزء من الشعب وهو مع مطالب المتظاهرين المشروعة، ويقف بالضد من المخربين والمدمرين الذين تجاوزوا على المقرات الحزبية، وقتلوا عدداً من رموز المقاومة، بدعم أميركي وإسرائيلي"، على حدّ تعبيره.
وفي بادرة لتهدئة الأمور، قضت المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية في العراق)، بعدم خضوع توزيع المناصب وفق قرار المحاصصة، مؤكدة في بيان رسمي أنّ "مطالبة القوائم والكتل السياسية بمناصب وكلاء الوزارات ورئاسة الهيئات والدرجات الخاصة في أجهزة الدولة وفق استحقاقها لا سند له في الدستور".
ولم يتطرق البرلمان العراقي إلى عمليات القتل والاعتقال التي تعرض لها المتظاهرون خلال الأيام الماضية، كذلك فإنه لم يدعُ إلى محاسبة المتورطين من المسؤولين والقادة العسكريين.
وبحسب مختصين، فإنّ بعض الصعوبات ستقف بطريق القرارات التي أصدرها البرلمان. وفي هذا الإطار، قال أستاذ القانون الدستوري في جامعة بغداد، خالد الحمداني، إنّ البرلمان "لا يمتلك حق تخويل نفسه الرقابة على المحافظ"، مؤكداً في حديث مع "العربي الجديد" أنّ "الدستور منح هذا الحق لمجلس المحافظة". وأضاف: "لا يمكن قراراً صادراً من مجلس النواب أن يتجاوز نصوص دستورية، والأمر يحتاج إلى تعديل الدستور".
وفي ما يتعلق بتعديل الدستور، أشار الحمداني إلى أنّ اللجنة التي منحها البرلمان 4 أشهر "ستقوم فقط بإعداد توصيات للمواد المقترح تعديلها"، مؤكداً أنّ "الصعوبة ستأتي بعد ذلك، لأن الأمر يتطلب الحصول على موافقة البرلمان على المواد المقترح تعديلها، ثمّ تعرض هذه المواد على الشعب للاستفتاء عليها". وأوضح الحمداني أن الاستفتاء على التعديل لا يمكن أن يمرّ إذا اعترض عليه أغلب المصوتين في ثلاث محافظات.