أسباب داخلية وخارجية وراء تصعيد السلطات المصرية ضد المعارضين والمواقع الإلكترونية

29 مايو 2017
سيساوم النظام خالد علي على الترشح للرئاسة المصرية(العربي الجديد)
+ الخط -

حتى قبل ردّة الفعل المصرية الرسمية على المذبحة التي تعرض لها أقباط على طريق المنيا ــ بني سويف، وما رافقها من تشديد للتعاطي مع الداخل والخارج، بشعار أن حالة الحرب تبيح تجاوز الدستور والقوانين، بلغ تصعيد نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ضد معارضيه أقصى مدى له.

تصعيد ترجم بعدد من الممارسات القمعية الهادفة إلى إحكام إغلاق المجال العام، بين رفع حدة الحملة الأمنية ضد النشطاء السياسيين وأعضاء الأحزاب اليسارية والليبرالية المعارضين، وإحالة المرشح الرئاسي المحتمل، خالد علي، إلى محكمة الجنح، بتهمة قد تحرمه من ممارسة حقوقه السياسية، وقرار موسع بحجب 21 موقعاً إلكترونياً صحافياً يبث من خارج مصر وداخلها بحجة ترويجها للإرهاب ومخالفتها للمعايير المهنية، بحسب تصريحات رسمية نقلتها صحف مصرية، وبين توسع في إحالة أشخاص ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين وبعض التيارات الإسلامية الأخرى للقضاء العسكري بحجة الانتماء إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وتؤكد مصادر حكومية وجود أسباب عدة تتلاقى في بعض النقاط خلف هذا التصعيد متعدد الأبعاد، بغض النظر عن "الحرب على الإرهاب"، على رأسها تخوف النظام من تأثير بعض القرارات، المتوقع اتخاذها بعد انتهاء شهر رمضان، على استقرار الشارع وشعبية الرئيس المصري، وتخوف السيسي من زيادة شعبية بعض منافسيه المحتملين، سواء على المستوى الجماهيري أو على مستوى التنسيق مع دوائر أو أجهزة داخل الدولة، بالإضافة إلى التمهيد لتمرير اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية في البرلمان، ما يسمح بنقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، والاستجابة للضغوط التي تمارسها المملكة على مصر بشدة خلال الشهرين الماضيين.

ويقول مصدر حكومي في مجلس الوزراء إن الحملة الأمنية على النشطاء، وإحالة خالد علي إلى محاكمة سريعة قد تصل عقوبتها للحبس في جريمة مخلة بالشرف هي ارتكاب فعل بالطريق العام، مقصود بها أمرين اثنين، الأول استدراج خالد علي لإعلان مشاركته في الانتخابات الرئاسية استجابة لمؤيديه، الذين أطلقوا هذه الحملة إلكترونياً على مدى واسع خلال الساعات الماضية، ومن ثم يبدأ النظام في مساومته واقعياً على الترشح بواسطة القضية المنظورة حالياً (والتي قد تصل درجات التقاضي فيها إلى ثلاث)، وكذلك قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني التي يواجه خالد علي فيها عدة تهم. وأوضح المصدر أن دائرة السيسي ترغب في أن يخوض خالد علي انتخابات الرئاسة، باعتباره الوحيد القادر على الحشد الجماهيري في الفترة الحالية، وهي تريد إضفاء جدية على الانتخابات حال إجرائها، نظراً لتعرضها لضغوط أميركية وأوروبية في هذا السياق. لكن في الوقت ذاته تريد هذه الدائرة أن يلتزم خالد علي بخطاب سياسي أكثر تواؤماً مع النظام، وبعيداً عن الخصومة الشخصية مع السيسي، وهذا لن يتأتى إلا بممارسة ضغوط عليه من خلال مثل هذه القضايا. وأكد المصدر أن النظام يدرك جيداً أن خوض أي شخصية سياسية، أو حقوقية، الانتخابات، ثم حصوله على نسبة متدنية من الأصوات، كما حدث مع حمدين صباحي في العام 2014، سيؤدي إلى وفاته سياسياً، أو بالأحرى حرقه، خصوصاً في ظل تحكم النظام شبه التام بالقضاء والبرلمان، وضمان حصول السيسي في أي انتخابات على نسبة تأييد عالية، كما حدث في الانتخابات الماضية التي اتسمت بانخفاض نسبة المشاركة.


ويعكس حديث المصدر رؤية السيسي الشخصية للانتخابات الرئاسية التي تحدث عنها بحماس منذ شهر تقريباً، فهو إن اضطر لها تحت ضغط أجنبي، ولم يستطع تأجيلها لدواعي أمنية أو دستورية تتعلق بتعديل الدستور ومد فترة الرئاسة الواحدة، لن يسمح بانتخابات جادة يكون فيها التنافس مفتوحاً ومتكافئ الفرص، لكنه يرغب في منافسة صورية ومحدودة تنقذه من مأزق الضغوط الخارجية، لا سيما مع طرح مسألة الانتخابات خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، وبدء الحديث عنها في الكونغرس الأميركي والدوائر الإعلامية هناك. وتقاطعت قضية الانتخابات مع قضية تيران وصنافير وتبعية النظام للسعودية والإمارات، ودعمه للمؤسسات الإعلامية التابعة للبلدين، لينتج عن هذه الاعتبارات مجتمعة القرار الأخير الخاص بحجب المواقع "الإخوانية" والقطرية، وكذلك بعض المواقع المصرية المستقلة، مثل "مدى مصر"، و"المصريون". وأكد مصدر أمني رفيع المستوى في مصلحة الأمن العام أن المواقع المحجوبة ليست متهمة بأمر واحد، لكنها "تمثل صداعاً للنظام". وأوضح المصدر الذي سبق وكشف، لـ"العربي الجديد" في 18 مايو/أيار الحالي، أن النظام ينوي تطوير الحملة الأمنية لتضم مواقع إلكترونية، أن بعض المواقع التي شملها قرار الحجب كانت فعلاً على قائمة الاستهداف الأمني، وعلى رأسها "مدى مصر، والمصريون، وبدرجة أقل موقع مصر العربية الذي لم يشمله قرار الحجب الصادر أول من أمس"، إلاّ أن مبادرة الإمارات والسعودية لحجب المواقع القطرية، واضطرار النظام لاتباعهم في ذلك، جعله يضم إلى قرار الحجب عدداً من المواقع الأخرى التي ضاق ذرعاً بها، كالمواقع "الإخوانية" وتلك التي كان من المقرر استهدافها أمنياً.

وشدد المصدر على أن قرار الحجب يعبر عن "لحظة شديدة الارتباك في دائرة السيسي". وشرح ذلك بأن السيسي يتعرض شخصياً إلى ضغوط سعودية وإماراتية في سياق تصعيدهما الأخير ضد قطر، ولضغوط سعودية للإسراع بتسليم جزيرتي تيران وصنافير، وكذلك ضغوط داخلية تتعلق بقرب الموعد الدستوري للانتخابات الرئاسية، وعدم تحديده، حتى الآن، ما إذا كانت هناك انتخابات من عدمه، بالإضافة إلى المشاكل الأخرى مع روسيا، وتخوفه من ردة الفعل الأميركية حال تحريك قضية "التمويل الأجنبي"، التي يرى النظام ضرورة إحالتها للمحاكمة قريباً للإساءة لصورة المعارضين قبيل الانتخابات. وقال المصدر الأمني إن "بعض تفاصيل هذه الاعتبارات تبدو متعارضة مع بعضها، ما يوقع السيسي تحت ضغوط مضاعفة، ولذلك صدر قرار الحجب الأخير للمواقع من دون أسباب قانونية، ودون رابط منطقي بين المواد الإعلامية التي تبثها كل من هذه المواقع مختلفة التوجهات"، كاشفاً أن مدير مكتب السيسي، اللواء عباس كامل، هو من تواصل بنفسه مع الأجهزة المعنية بالداخلية والجهاز القومي للاتصالات والنيابة العامة للتأكد من سرعة تطبيق القرار.

وفي السياق ذاته، ربط مصدر قضائي في وزارة العدل بين قرار الحجب وقرب مناقشة اتفاقية تيران وصنافير في البرلمان. وكشف، لـ"العربي الجديد"، أن مجلس النواب طلب، بشكل سري للغاية، من وزارتي العدل والخارجية مستندات إضافية لإثبات سعودية الجزيرتين لإضافتها للملف المحال من مجلس الوزراء، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، مرجحاً أيضاً أن يطول أمد النزاع القضائي القائم في المحكمة الدستورية ومجلس الدولة حالياً حول صحة إحالة الاتفاقية إلى مجلس النواب. وأكد أن التمهيد الإعلامي، الذي بدأ في بعض الصحف القومية، لتمرير الاتفاقية ستستكمل آثاره بتخويف الصحف والمواقع الخاصة التي لم يشملها قرار الحجب، خصوصاً في ظل قانون الطوارئ، الذي يمنح السلطة التنفيذية، بأوامر شفهية من رئيس الجمهورية، سلطة وقف أي وسيلة إعلامية ترى أنها تمثل خطراً على أمن المجتمع، وهو ما يسهل تطبيقه على أي وسيلة تعارض تسليم الجزيرتين للسعودية.