وكان الانفصاليون الذين يتمتعون بدعم الإمارات قد سيطروا على عدن، المقر المؤقت للحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، في مطلع الأسبوع، بالاستيلاء على القواعد العسكرية التابعة للحكومة.
وقد تدخل التحالف السني المدعوم من الغرب في اليمن في مارس/ آذار 2015 لمحاربة حركة أنصار الله (الحوثيين) المتحالفة مع إيران والتي أطاحت الرئيس عبد ربه منصور هادي من السلطة في العاصمة صنعاء في أواخر 2014.
ويمثل المقاتلون الجنوبيون عنصرا رئيسيا في المعركة التي يخوضها التحالف في مواجهة الحوثيين، غير أن الحرب أحيت توترات قديمة بين شمال اليمن وجنوبه اللذين كانا دولتين منفصلتين توحدتا في 1990 تحت قيادة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح.
وكشفت تلك الأزمة عن خلاف بين السعودية والإمارات التي كررت دعوة الرياض للحوار بين الطرفين المتحاربين في عدن، لكنها لم تصل إلى حد مطالبة القوات الجنوبية التي تمولها وتسلحها بالتنازل عما حققته من مكاسب.
وقال المتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي صالح النود، المقيم في بريطانيا، لوكالة رويترز، في مقابلة: "التخلي عن السيطرة على عدن ليس مطروحا على المائدة في الوقت الحالي"، مشيرا إلى أنهم سيبقون للحفاظ على الاستقرار.
وقال إن السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق هو إخراج جميع عناصر حزب الإصلاح الإسلامي، الذي يعد من أركان حكومة هادي، من مراكز النفوذ كلها وأي ساسة ينتمون للشمال.
ويتهم المجلس الانتقالي الجنوبي حزب الإصلاح بالتواطؤ في هجوم صاروخي دام شنه الحوثيون على القوات الجنوبية في وقت سابق هذا الشهر، غير أن الحزب ينفي هذا الاتهام.
وقد وعد التحالف بالتحرك عسكريا ضد الانفصاليين إذا لم يخلوا المواقع الحكومية.
وقال النود "ستكون بداية طيبة جدا أن يتم إخراج الإصلاح من الجنوب كله والسماح للجنوبيين بحكم أنفسهم.. نحن نرى أن الإصلاح تغلغل في الحكومة أو سيطر عليها".
وأضاف أن أحد السبل الممكنة للخروج من المأزق هو تسليم مسؤولية الأمن في الثكنات لقوات الحزام الأمني، وهي الجناح العسكري للمجلس الانتقالي الجنوبي، أو شرطة عدن.
ووصلت الحرب اليمنية إلى مرحلة جمود منذ سنوات وتعرضت السعودية والإمارات لضغوط من الحلفاء الغربيين، بما في ذلك الدول الموردة للأسلحة للتحالف، وذلك لإنهاء الصراع الذي دفع اليمن إلى حافة المجاعة.
وفي يونيو/ حزيران قلصت الإمارات وجودها في اليمن، وتركت خلفها الآلاف من القوات الجنوبية التي سلحتها ودربتها.
وقال مسؤول يمني لرويترز إن سيطرة الانفصاليين على عدن حظيت بموافقة الإمارات وإن هدفها إبعاد قوات حزب الإصلاح، ولم تتلق رويترز ردا على الفور على طلب للتعليق من وزارة الخارجية أو المكتب الإعلامي في الإمارات.
وقال مركز سوفان في نيويورك، يوم الأربعاء، إنه يبدو أن أبوظبي تعيد النظر في السياسة الخارجية للسعودية في ظل (ولي العهد الأمير) محمد بن سلمان، والتي لم تحقق انتصارات ملموسة تذكر.
وفي حين تستطيع الإمارات الخروج من اليمن مع الاحتفاظ بنفوذ على القوات الجنوبية، إلا أنه لا يمكن للسعودية الرحيل دون تحييد حركة الحوثي المسلحة على حدودها.
وقال مصدر خليجي مطلع على السياسة اليمنية: "السعوديون أصبحوا بمفردهم... لا أعتقد أنهم يعرفون كيف يخرجون.. يجب عليهم الاعتراف بأن حكومة هادي فشلت على مدى خمسة أعوام".
ودعت الرياض إلى قمة طارئة حول عدن دون تحديد موعد.
وقال محمد الحضرمي، نائب وزير الخارجية في حكومة هادي، لرويترز، يوم الاثنين، إنهم لن يحضروا ما لم تكف الإمارات عن دعم المقاتلين الانفصاليين في أعقاب "الانقلاب".
ووجه النود رسالة لمحمد بن سلمان: "أقول لمحمد بن سلمان: إذا كنت تريد فعلا الانتصار في الحرب فقد كان الجنوبيون شركاء ذوي مصداقية، وبرهنوا على أن بإمكانهم التواصل بشكل بناء... لكنهم يحتاجون في المقابل إلى الحفاظ على الجنوب نظيفا من هؤلاء المسؤولين الفاسدين المنتسبين للإصلاح".
وقال النود إن عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة متأخرة كثيرا، ومن الضروري أن تواكب التطورات.
وتواجه الأمم المتحدة صعوبات في تنفيذ اتفاق سلام متعثر في ميناء الحديدة الواقع إلى الشمال من عدن وتخفيف التوترات بين السعودية والحوثيين لتمكين الأطراف من إجراء مباحثات سياسية لتشكيل حكومة انتقالية من أجل إنهاء الحرب.
وطالب النود بمنح الجنوبيين السلطة لحكم أنفسهم، وأن يكونوا شريكا كاملا في عملية السلام، مضيفا "ما زال بإمكاننا أن نكون جزءا من اليمن، ويمكن لهادي أن يظل رئيسا لكن لا بد أن يحكم الجنوبيون الجنوب".
ويقول النود "أنا لا أحاول تحاشي القول إننا سننفصل، لأن هذا احتمال حقيقي الآن"، مضيفا أن أحد الخيارات هو وجود حكومتين، واحدة في الشمال وأخرى في الجنوب.
استعداد للتظاهر
ويستعد أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي للتظاهر احتفاءً بما حققه مؤخراً، إذ أفادت مصادر محلية في عدن لـ"العربي الجديد" بأن أنصار "الانتقالي" بدأوا بالتوافد إلى المدينة من محافظات جنوبية متفرقة، تلبية لدعوة المجلس للمشاركة في مهرجان تحت عنوان "مليونية التمكين والثبات".
وتقام التظاهرة في مدينة عدن، الخميس، بعد أيام على إكمال "المجلس الانتقالي" المدعوم إماراتيا السيطرة على المؤسسات الحكومية، على حساب الحكومة المعترف بها دوليا، والتي وصفت ما جرى بـ"الانقلاب"، وحملت دولة الإمارات المسؤولية.
الحكومة: الانسحاب قبل الحوار
في غضون ذلك، جددت الحكومة اليمنية ترحيبها بالحوار الذي دعت إليه السعودية، بين "الانتقالي" والجانب الحكومي، وشددت على ضرورة الانسحاب من المواقع التي تم الاستيلاء عليها، وإعادة ما تم نهبه من السلاح.
وأوضح نائب وزير الخارجية اليمني محمد الحضرمي في تصريح نقلته وكالة الأنباء الحكومية أنه "من الضروري أولا أن يتم الالتزام بما ورد في بيان تحالف دعم الشرعية في اليمن الصادر بتاريخ 10 أغسطس/ آب 2019 والذي طالب بضرورة انسحاب المجاميع المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي من المواقع التي استولوا عليها خلال الأيام الماضية".
وأكد الحضرمي "ضرورة أن يتم تسليم السلاح الذي تم أخذه" نتيجة لما وصفه بـ"التمرد الانقلابي وضرورة عودة قوات الحكومة الشرعية لتلك المواقع".
وكان التحالف السعودي الإماراتي قد دعا في بيان له قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى الانسحاب من المواقع التي جرى الاستيلاء عليها في عدن، إلا أن الأخير رفض الانسحاب، ورحب بالوقت ذاته بالدعوة السعودية إلى الحوار.
(رويترز، العربي الجديد)