في ساحة التحرير ومحيطها وسط بغداد، التي غطت مكعّبات أرصفتها القديمة دماء عشرات المتظاهرين الذين قضوا بفعل القمع الحكومي، لا تزال الشعارات الرافضة للطائفية والفساد والمطالبة بالولاء للعراق والتعليم والصحة التي رفعت في أول أيام أكتوبر الماضي، إلا أن عدد المتظاهرين تراجع وقوات الأمن لم تطلق منذ أيام قنابل الدخان القاتلة، كما أن الرصاص لم يعد يُسمع كما قبل.
في السياق، يقول الناشط المرابط في ساحة التحرير، محمد عباس لـ"العربي الجديد": "توقفنا مضطرين وقررنا أن يكون الوجود بالتناوب في الساحة وكل المناطق التي نسيطر عليها، حتى لا تحتلها قوات الأمن وتنهي ثورتنا". ويتابع: "سمحنا قبل أيام بدخول قوة أمنية مع فرق من وزارة الصحة قامت بتطهير المكان والخيام. ونحن الآن بالعشرات وهذا كافٍ حالياً، لأن أعداد الإصابات تتزايد في بغداد وحياة المتظاهرين أهم، وستكون إصابة المتظاهرين الأحرار بالوباء خبراً مريحاً لأحزاب الفساد والمحاصصة والتبعية".
من جهته، يشير الناشط أيهم رشاد، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "التظاهرات متواصلة ولكنها تشهد تراجعاً كبيراً بأعداد المحتجين، بسبب الخوف والهلع من انتشار فيروس كورونا بين صفوف المتظاهرين، والذي قد يؤدي إلى كارثة صحية وبيئية تساهم في قتل الناس". ويضيف أن "المعتصمين هم الذين تكفلوا بالبقاء في الساحات، بعد اتفاقهم مع المتظاهرين على أهمية الانسحاب لمنع أي حادث قد يصيبهم بسبب احتكاكهم ببعض أو دخول جماعات مجهولة قد تتعمد نقل العدوى إلى بقية المحتجين"، مشدّداً على أن "التظاهرات لم تنتهِ وستعود كما كانت، وربما بأعداد أكثر من السابق من أجل مواصلة الحراك الشعبي الرافض لحكومات الأحزاب الدينية والفصائل المسلحة".
بدورها، تفيد الناشطة في بغداد نور علي، بأن "التظاهرات لم تعد موجودة بمعناها القديم، فالمعتصمون حالياً في بغداد وحتى بقية المحافظات المنتفضة، متمسكون بالأرض لأنهم على دراية كاملة بأن انسحابهم الكامل، كمتظاهرين ومعتصمين، سيساهم باحتلال أرض الاحتجاجات من قبل القوات العراقية والمليشيات المناهضة للحراك الشعبي"، موضحة في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "أعداد المعتصمين في ساحة التحرير ليست كثيرة، وفي الجنوب والوسط متفاوتة".
في المقابل، يقر عضو في البرلمان، بما يصفه بـ"ارتياح الحكومة والقوى السياسية لتلاشي تأثير التظاهرات حالياً على العملية السياسية"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن كورونا جاء لمصلحة أحزاب السلطة، فما لم تنجح بفضه قنابل الغاز والرصاص والاعتقالات نجح الفيروس بوقفه، مستدركاً بالقول: "هذا ليس رأيي إنما شعور كل أحزاب السلطة، وإن لم تفصح عنه".
وسبق للسلطات أن اتخذت سلسلة قرارات لمنع انتشار فيروس "كورونا"، ومنها إغلاق قاعات الاحتفالات والمقاهي والمطاعم، وحظر التجمعات الكبيرة بما فيها التظاهرات، وفرض إجراءات مشددة على السفر بين بعض محافظات البلاد، خصوصاً الجنوبية منها، كالبصرة والنجف وكربلاء، ضمن حزم قرارات اتخذتها بعد أيام من إيقاف الدوام الرسمي في المدارس والجامعات والمعاهد، ووقف السياحة الدينية، وإغلاق الأماكن المقدسة. في المقابل، فرضت السلطات في إقليم كردستان شمالي العراق حظراً شاملاً للتجول في أكبر مدينتين، أربيل والسليمانية، بالتزامن مع تسجيل المزيد من حالات الإصابة بالفيروس. وكانت وزارة الصحة العراقية، قد أصدرت، في وقتٍ سابق، توجيهات وإجراءات وقائية مشددة للحدّ من انتشار فيروس كورونا الجديد، الذي تحول إلى وباء عالمي. وسيّرت قوات الأمن في الإقليم دوريات في الشوارع، تدعو المواطنين عبر مكبرات الصوت إلى الإسراع في العودة إلى منازلهم.