القرار الأميركي بـ"شرعنة الاستيطان": كيفية مخالفته للقانون الدولي ومدى خطورته
ويرى سياسيون وخبراء قانون أن "شرعنة" المستوطنات، حسب تصريح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، تعتبر الضربة القاتلة الثانية لحلم إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967، وذلك بعد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي نهاية عام 2017، وما تبعها من سلسلة قرارات ترسخ دور الولايات المتحدة كشريك للاحتلال.
ورغم الرفض والاستنكار الرسمي للتصريحات الأميركية، إلا أن القيادة الفلسطينية لا تملك بعد عبارات الرفض والشجب سوى مطالبة المجتمع الدولي والدول العربية باتخاذ موقف ضد الولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي لم يحدث يوما. وهو ما يترك هامش الرد الرسمي الفلسطيني مقيدا بخيارات مكررة وغير مجدية وهي "الدعوة لعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية العرب، والتوجه لمجلس الأمن رغم أن (الفيتو) الأميركي سيكون بالمرصاد"، كما صرح أمين سر اللجنة التنفيذية صائب عريقات للإذاعة الفلسطينية الرسمية صباح اليوم.
وتعتبر تصريحات بومبيو حول "تشريع" المستوطنات الإسرائيلية الأولى للخارجية الأميركية، حيث رصد الموقع الإلكتروني لدائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير آخر مواقف الخارجية الأميركية تجاه المستوطنات وذلك بتاريخ الخامس من إبريل/نيسان 2001 وجاء فيه: "النشاط الاستيطاني المتواصل الذي تقوم به إسرائيل يُهدّد بتأجيج الوضع المتدهور في المنطقة، هذا استفزاز ونحن شجّعنا دائماً كلا الجانبين للامتناع عن الأعمال الاستفزازية"، وكان هذا رد الخارجية الأميركية على نية وزارة الإسكان الإسرائيلية نشر عطاءات لـ708 منازل في المستوطنات في إبريل/نيسان 2001.
وتعتبر التصريحات الأميركية ضربة للقانون الدولي، الذي يعتبر أساسا لكل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العمومية بشكل عام، وفي ما يختص بالقضية الفلسطينية بشكل خاص، فضلا عن أنه سيعطي الضوء الأخضر لقرارات سياسية إسرائيلية لاحقة تتوج هذه التصريحات بإجراءات على الأرض سيكون من أبرزها ضم الضفة الغربية.
ويرى الخبير في القانون الدولي الإنساني رزق شقيرات، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن هذه المواقف الأميركية تناقض القانون الدولي وهي انقلاب على المنظومة القانونية التي تحمي العلاقات الدولية، وعودة إلى قانون الغاب، وأن الولايات المتحدة تتنكر للقرارات الدولية التي كانت جزءا منها.
وتابع: "يشكل القرار مساسا بالأمن والسلم الدوليين، وهذا المبدأ الذي ورد في المادة الأولى لميثاق الأمم المتحدة، وهذه ضربات موجعة متلاحقة للأمم المتحدة وميثاقها وللقانون الدولي الذي يحكم المجتمع البشري في هذه المرحلة التاريخية".
ويشرح شقيرات عدم قانونية المستوطنات الإسرائيلية انطلاقا من القانون الدولي الإنساني، قائلا: "أحد أهم المبادئ التي أنشئ على أساسها ميثاق الأمم المتحدة في عام 1945 مبدأ (عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، أو المس بالسلامة والوحدة الإقليمية للدول)".
وتابع: "هناك مبدأ في القانون الدولي الإنساني يحظر على الدولة القائمة بالاحتلال تغيير الوضع القانوني القائم بالدولة المحتلة وإحداث أي تغييرات في معالم الأرض المحتلة، والاستيطان من أكثر الأفعال التي تشكل تغييرا في هذا الوضع القانوني".
وقال شقيرات: "يؤكد القانون الدولي على أن تغيير الوضع القانوني لأي بلد من صلاحية السلطة الشرعية، أي أصحاب الأرض، وليست دولة الاحتلال صاحبة السلطة الفعلية، وبالتالي يحظر على السلطة الفعلية اتخاذ تدابير ذات طابع سيادي، وعلى هذ الأساس أدرج النظام السياسي للمحكمة الجناية الدولية مادة واضحة مفادها (يحظر على الدولة القائمة بالاحتلال نقل جزء من سكانها للإقامة في الإقليم المحتل)، وهذا النقل اصطلح على تسميته استيطانا، والمادة الثامنة من ميثاق روما أدرجت هذا السلوك، أي نقل سكان الدولة المحتلة إلى الإقليم الواقع عليه الاحتلال، ضمن جرائم الحرب".
ولفت شقيرات إلى أن "المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب، وهي الاتفاقية الأكثر انطباقا، تركز غالبية موادها على العلاقة بالشعب الواقع تحت الاحتلال وسلوك الدولة القائمة بالاحتلال، وبناء على هذه المبادئ القانونية صدرت العشرات من القرارات من مجلس الأمن الدولي ومن الجمعية العمومية للأمم المتحدة معتبرة الاستيطان غير شرعي".
أما على صعيد تداعيات التصريحات الأميركية سياسيا وعمليا على الأرض، فيرى الباحث بالشأن السياسي الإسرائيلي عادل شديد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التداعيات خطيرة، حيث حسب القرار الأميركي لم تعد الضفة الغربية منطقة فلسطينية محتلة، بل أصبحت منطقة إسرائيلية ولإسرائيل الحق لوحدها بتقرير مصيرها وليس عبر مفاوضات أو قانون دولي".
وتابع: "هذا أخطر من ضم الضفة الغربية، لأنه أعطى شرعية دولية للضم، لأن أميركا تمثل رأس الشرعية الدولية اليوم في العالم".
ويؤكد شديد أن "هذا القرار الأميركي لا يختلف في أهميته عن قرار القدس، وبكل الأحوال الموضوع لا يتعلق فقط بإلغاء الماضي أي الاتفاقيات بين الاحتلال والفلسطينيين، بل يتعلق بتأسيس مرحلة جديدة جوهرها أن من يحدد مستقبل الضفة الغربية هي إسرائيل كما جاء في قانون القومية الإسرائيلية".
وقال: "الموقف الأميركي الحالي متطرف أكثر من نصف النظام السياسي الحالي في إسرائيل، الإدارة الأميركية الآن لم تعد تعترف بالضفة العربية كأراض فلسطينية محتلة أو متنازع عليها، بل تعترف بأنها إسرائيلية، والقانون الإسرائيلي هو الوحيد الذي يطبق على الضفة".
وأضاف شديد: "أصبح الفلسطيني، من المواطن إلى الرئيس محمود عباس، عندما يريد أن يتنقل في الضفة الغربية بين مناطق (أ) و(ب) و(ج) يحتاج إلى تصريح إسرائيلي، بما أن المستوطنات موزعة في الضفة الغربية، أي أن الإسرائيلي سيفرض قانونه وستكون على سبيل المثال مستوطنة (بيت إيل) المقامة على أراضي رام الله والبيرة مثل مدينة (تل أبيب) في الأراضي المحتلة عام 1948، أي تتطلب تصريحات وإجراءات للوصول إليها أو استخدام الشوارع المقامة عليها للتنقل".